15-فبراير-2018

محمود إيدن/ تركيا

أشياء لم تعد كافية

لم تعد السيناريوهات التي يؤلفها عقلي كافية لتخمد ذلك الشعور بالوحدة، ولم تعد ابتسامات ذلك الشاب الذي لا أعلم من أين يظهر كافية لأشعر أنني جميلة، ولم يعد اللعب مع طفل جارتي يكفي لأشعر أنني سأصبح أمًّا طيبة في المستقبل، ولا تلك الأغنيات التي تنتمي إلى حقبة أخرى من الزمان عادت تكفي لأشعر بالحب يتدفق من السماء والهواء والجدران.

لم تعد غرفتي كافية لأتجنب الاكتراث بأي شيء سيئ يحدث خارجها. كذلك الفضول لم يعد يشعرني أن الغد يستحق الحياة فربما تتوقف الحرب! والانتظار لم يعد مغريًا، كذلك أصبح مثيرًا للأعصاب بصورة أكبر وصوته الذي لا يأتي يجعلني أدرك ذلك أكثر.

 

نصف دمشق

لي من دمشق حي واحد فقط أذهب إليه كلما كرهت المكان المتواجدة فيه، وهذا ما يحدث غالبًا، حارتي، البناء القديم ببوابته الصدئة، صوت جاري المزعج في الطابق الأول الذي لا تحلو له الغفوة إلا عند وقت لعبنا، خزان المياه الأسود الذي نذهب إليه لنشرب، وغالبًا ما كنا نخطئ بمكان المياه الصالحة للشرب. حتى جنازير الحارس لم تمنعنا من التوقف عن فتحه لا أعلم كيف، توقف المصعد المتكرر بسبب مشاكستي بالأزرار، فيسألني الحارس كيف حدث ذلك، فأخبره ببساطة شديدة أنني لم أقم بشيء خاطئ فقط قمت بالضغط على هذا الزر وهذا والأحمر، والذي يصدر صوتًا، ودائمًا كان يضحك.

صاحب الدكان الذي كنا نمر به كل يوم لنأكل الاشياء التي لا تسمح بها أمي بالمنزل، تلك الأطعمة التي تتميز برائحة سيئة وتترك صبغًا على الأصابع، الحديقة الكبيرة التي كنا نذهب لها سرًّا عن أمي. نذهب جميعًا أنا وجدتي وأخواتها وأبناء العائلة. كان المكان محرمًا علي، خاصة الدرج الطويل، لأنهم يخطفون الأطفال هناك ويقتلونهم ويبيعون أعضائهم، أو يأكلونها.

كان يرهبني ذلك المكان حتى حدّثت ابنة خالتي عنه. أذكر نظرتها تقول هل حقًّا أنك بهذه الحماقة؟ أخذتني إلى هناك ممسكة بيدي، كان المنظر جميلًا جدًا. والأجمل من أي شيء فتاة وشاب.

في تلك اللحظة فهمت لماذا يمنع علي الذهاب إلى هناك، وبالطبع استمر هذا المنع ربما حتى الآن، لم يخطر لي أنني سأترك ذلك المكان يومًا، ولم أكن أظن أن هذا المنزل الذي شهد مآسي فريدة من نوعها سينقص أحد من أصحابه، حتى تركه الجميع هروبًا من الحرب تاركين خلفهم الهاتف الزهري المخصص للمكالمات الغرامية لكل الأحفاد، وتحف جدتي الكريستال، وكل السجاد القديم، فالقذائف أكلت النافذة المعطلة، وجزءًا من الشرفة الكاشفة لنصف دمشق.

 

اقرأ/ي أيضًا:

عبق البلاد

صباح الخير