13-فبراير-2018

هاني زعرب/ فلسطين

أريد أن أكتب نصًا بسيطًا لا تعقيد فيه ولا كلمات صعبة النطق أو الفهم.

أريد أن أكتب نصًا أبدأه بجملةِ حبٍ صغيرة كأن أقول مثلًا: إنّني أحبُّ أغنية الأطلال.

في ذكرى رحيل أم كلثوم أريد أن أكتب عن الحب، في الثالث من شباط، في الصباح الذي تلا مجزرة حماة، في يوم مجزرة الخالديّة أريد أن أكتب نصًا صغيرًا عن الحب؛ عن حب الضحايا للحياة، عن الشمس التي تشرق على أجساد الذين رحلوا للتو ذبحًا أو حرقًا أو قنصًا أو تفجيرًا.

أحب أن أقول لهم صباح الخير.

صباح الخير يا أحبّة.

صباح الخير أيّها الناجون.

صباح الخير يا من تحملون ندوب الموت على وجوهكم أينما حللتم.

قبلةٌ صغيرةٌ بسيطةٌ مثل لا شيء، مثل كلّ شيء، أرسمها على خدودكم يا أحبّة وأنا أقول صباح الخير.

خيرًا، لعلكم تجدونه فيما تبقى من الحياة،

خيرًا على شكل ابتسامة ترسمها الشفاه حين تمرون بجانب حديقة لعب الأطفال وترونَ الصغار يلعبون جذلين،

شيءٌ ما مثل ذكرى حلوة بعيدة.

خيرًا يصحبكم في حياتكم مثل أن تناموا في سرير دافئ في ليلة باردة.

خيرًا، كأن مثلًا: تقولون للحياة امضِي بنا يا حياة فلنا في الحياة بقيّة، امضِي بنا فنحن أهلُ الحياة وأصحابها.

صباح الخير أيها العجوز الناجي من المجزرة. كيف حال ذاكرتك؟ مرة قلت لي: سأبلعُ جبلًا كي أملأ الفراغ داخلي. هل ملأت الفراغ بالحياة يا جدي؟

يا جارنا الرسّام. أما زلت ترسم المرأة الناجيّة بألوانها الفاقعة؟ هل تذكر كلّ يوم قصة الرجل الذي يسكن في زاوية بيت طفولتك وكانت أمعاؤه قد خرجت -بفعل قذيفة سابقة- تشاهد رصاصة تتجه نحوها؟

سيدتي، كيف حال الأموات الذين يتدلون من سقف غرفتك، أولئك الذين ترينهم كلما أتاك الحلم كابوسًا؟

صباح الخير يا أحبّة.

صباح الخير أيّها الناجون.

أيها الحيّ، يا من خاف الموت منك. أنت هنا الآن. انظر إليّ... انظر إلى المرآة وقل: يا لحظي، لقد أخطأتني القذيفة وأصابت الجدار المقابل.

صباح الخير يا أحبّة، يا من كتبتم أسماء الأحبّة على أضرحة القبور وصليتم لهم من منافيكم البعيدة.

صباح الخير أيّها الناجون من الموت، المختنقون بوجع صور الموت المتتاليّة على شاشاتكم -أو أمام عيونكم-.

صباح الخير.

يا أحبتي، أريد أن أكتب، لكم، نصًا بسيطًا لا تعقيد فيه ولا كلمات صعبة النطق أو الفهم.

 

اقرأ/ي أيضًا:

ثلاث قصائد لعبور الليل البرتغالي

رأس مقطوعة في علبة محلية الصنع