25-فبراير-2024
آثار الدمار الذي خلّفه القصف الإسرائيلي على مدينة النبطية

لن يستطيع اللبنانيون تحمّل تبعات الحرب في حال اندلاعها (رويترز)

أوضحت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية، في تقرير نُشر اليوم الأحد، أن تداعيات اندلاع حرب بين "إسرائيل" و"حزب الله"، في ظل استمرار المناوشات بينهما على الحدود الجنوبية للبنان، ستكون كارثية على البلد الذي يعاني أساسًا من أزمة اقتصادية حادة. 

ويُعاني لبنان، منذ أواخر عام 2019، من أزمة اقتصادية وسياسية وضعت أكثر من 80 بالمئة من اللبنانيين تحت خط الفقر. وفي ظل هذه الأوضاع، ستكون للحرب بين الطرفين تداعيات مدمرة على الاقتصاد اللبناني ومعيشة اللبنانيين. 

وبحسب أستاذ الاقتصاد في الجامعة الأمريكية في بيروت، سيمون نعيمة، فإن هذه الحرب في حال اندلاعها ستكون مختلفة عما عرفه لبنان من حروب سابقة لأن اللبنانين منهكون، كما أن الوضع اليوم مختلف تمامًا. 

يواجه لبنان أزمة اقتصادية حادة تجعل من مؤسساته الخدمية غير قادرة على التعامل مع تداعيات الحرب في حال اندلاعها

وقال نعيمة موضحًا: "في عام 2006، خلال الحرب الأخيرة مع إسرائيل، كان لدينا اقتصاد يعمل بكامل طاقته، وكان لدينا نظام مصرفي فعّال يوفر الائتمان للقطاع الخاص ويساهم في النمو، وكانت لدينا حكومة، وكان لدينا رئيس". 

وأشارت الصحيفة إلى أن علامات التفكك في لبنان موجودة في كل مكان، فالبلاد من دون رئيس منذ أكثر من عام، بينما لا تزال الحكومة حكومة تسيير أعمال، عدا عن أن العملة المحلية فقدت أكثر من 90 بالمئة من قيمتها منذ عام 2019، كما أن البنوك المفلسة لن تسمح للمودعين بسحب أموالهم بالكامل لأنها لا تملك سيولة كافية لسدادها.  

وفي الثامن من كانون الثاني/يناير الفائت، ظهرت للمسافرين في مطار بيروت رسالة على شاشات الوصول والمغادرة مفادها أن اللبنانيين ليسوا مستعدين للحرب مع "إسرائيل"، وأن "حزب الله" سيتحمل مسؤولية الحرب وحده.

وقد عبّرت الرسالة عن المخاوف العميقة لدى اللبنانيين من احتمال اندلاع حرب مع "إسرائيل" لن يكون باستطاعتهم تحمّل تبعاتها. وقد أشار نعيمة، ضمن هذا السياق، إلى أن لبنان تلقى بعد حرب 2006 دعمًا من الدول العربية، وخاصة من دول الخليج العربي، لإعادة إعمار ما دمّرته الحرب، ولكن الوضع الآن يختلف تمامًا بسبب توتر العلاقات بين لبنان ودول الخليج بسبب النشاط الإقليمي لـ"حزب الله" وملفات أخرى. 

وبينما يعوّل لبنان على المغتربين الذين تمثّل تحويلاتهم المالية السنوية، المقدرة بـ6.5 مليار دولار، أكثر من ثلث الناتج المحلي الإجمالي، لضمان استمرار الاقتصاد وتوفير العملة الأجنبية، إلى جانب عائدات السياحة الضئيلة؛ فقد أوضح نعيمة أنه في حال اندلاع حرب شاملة سيكون: "من الصعب للغاية على المغتربين اللبنانيين مواصلة إرسال التحويلات المالية من الخارج". 

ووفقًا لـ"مبادرة سياسات الغد"، وهو مركز أبحاث محلي، فإن مؤشرات الاستثمار الأجنبي تتجه نحو الانخفاض منذ بدء الحرب على غزة في تشرين الأول/أكتوبر الفائت، مما يعكس انعدام ثقة المستثمرين في البلاد. 

وألحقت المناوشات المستمرة بين "إسرائيل" و"حزب الله"، على الحدود الجنوبية للبنان، الضرر بقطاع السياحة والزراعة في البلاد، حيث يتمركز معظمهما في الجنوب ويمثلان جزءًا كبيرًا من الصادرات.

وتتحمّل الخدمات العامة، كالمستشفيات الحكومية والدفاع المدني وغيرهما، جانبًا كبيرًا من تداعيات الأزمة المالية، حيث أصبحت رواتب موظفيها عديمة القيمة تقريبًا بعد أن فقدت العملة المحلية قيمتها، ما يجعل من قدرتها على الاستجابة للحرب محدودة للغاية.

وقال حسين فقيه، رئيس الدفاع المدني في جنوب لبنان، إنهم لا يملكون: "المعدات اللازمة لإنقاذ أي شخص من تحت الأنقاض"، وتابع: "نقوم بذلك يدويًا باستخدام أيدينا وبأدوات بدائية"، مضيفًا أن: "حربًا محتملة أوسع مع إسرائيل ستؤثر بالتأكيد على عملنا بقدراتنا المحدودة". 

وفي الوقت نفسه، يعاني القطاع الصحي في لبنان من أعباء كثيرة لن تجعله قادرًا على التكيّف مع الحرب وتداعياتها، سيما أن الكثير من اللبنانيين يعتمدون على منظمات الإغاثة للعلاج وفق منظمة "أطباء بلا حدود". 

وبحسب منسقة المنظمة في لبنان، كالين رحيم، فإن القطاع الصحي يعاني أيضًا من قلة الخبرات، ذلك أنه: "مع الأزمات المتداخلة، غادر عدد من العاملين في مجال الرعاية الصحية – الأطباء والممرضات – البلاد". 

وأضحت ممرضة في إحدى مستشفيات بيروت، للصحيفة، أن الحرب قد تكون: "مدمرة على الخدمات الطبية في البلاد بسبب قلة عدد الموظفين ونقص الإمدادات والمعدات الطبية". 

وإلى جانب القطاع الصحي وخدمات الاستجابة لحالات الطوارئ، تعاني المؤسسة العسكرية كذلك من أزمة مالية خانقة دفعت بالعديد من الجنود إلى العمل في مهن مختلفة لتأمين متطلبات البقاء على قيد الحياة بعد أن فقدت رواتبهم قيمتها. 

وفي هذا السياق، قال سيمون نعيمة إنه حتى لو لم تندلع الحرب في نهاية المطاف، فإن الانهيار الاقتصادي والمالي لا يزال ممكنًا.

وأضاف: "لم يتم تطبيق أي إصلاحات منذ اندلاع الأزمة المالية في عام 2019. ولم يتم فعل أي شيء للتعامل مع الأزمة. فناهيك عما يحدث في الجنوب، فالاقتصاد لا يزال على طريق الاصطدام بالانهيار الكامل".