26-أكتوبر-2020

مصريات في مركز اقتراع في القاهرة في 24 تشربن الأول/أكتوبر 2020 (Getty)

عندما تسير في شوارع مصر لن تجد أي شكل من أشكال التباعد الاجتماعي أو الالتزام بالإجراءات الاحترازية، على عكس العديد من دول العالم، بل إنك قد تشك أصلًا في وجود ما يسمى بفيروس كورونا، كما أن الإحصاءات الرسمية التي تعلنها الدولة أيضًا تتحدث عن انخفاض كبير جدًا في أعداد الإصابات والوفيات على عكس باقي دول العالم التي تشهد موجات كبيرة من الصعود والهبوط حيث وصل إجمالي أعداد المصابين في مصر، التي يبلغ عدد سكانها فوق الـ100 مليون نسمة، إلى 106 ألف مصاب، وبلغ عدد الوفيات وفق الإحصاءات الرسمية 6176 حالة وفاة! فما الذي يحدث؟! وهل الشعب المصري بالفعل يختلف عن باقي شعوب العالم؟!

تعايش المصريين مع المرض والموت واعتيادهم غياب الدولة عن تقديم الخدمة الصحية خلق لديهم نوعًا من اللامبالاة نحو الكورونا

أعتقد أن هناك شقين لمحاولة تفسير هذا الموضوع، الأول هو انعدام أي شكل من أشكال الرقابة الشعبية على أداء الحكومة عمومًا، وبالتالي السماح لها بالتلاعب بأعداد المسحات اليومية وتخفيضها إلى أقل عدد ممكن، مع تعقيد إجراءات الحصول عليها، وبالتالي تخفيض أعداد الإصابات والوفيات المسجلة نتيجة الكورونا، في ظل ضعف المنظومة الصحية، وسيطرة كبيرة للقطاع الخاص والمستوصفات الخيرية على تقديم الخدمة الصحية في مصر، حيث أجرت الحكومة المصرية وفق الإحصاءات الرسمية 135 ألف مسحة فقط، وهو أقل رقم في العالم، ولو قارنت هذا بأعداد المصابين الذي وصل إلى 106 ألف مصاب فهذا يعطي مؤشر واضح على التلاعب بأعداد المسحات.

اقرأ/ي أيضًا: ليلة مصرع كوفيد التاسع عشر

ولكن حتى هذا لا يزال لا يُفسر حالة اللامبالاة بين المواطنين تجاه الكورونا في مصر! وهنا يبدو الشق الثاني من المقاربة التي أطرحها لتفسير ما يحدث، وهو تعايش المصريين مع المرض والموت "اعتياد المرض والموت" وأيضًا "اعتياد غياب الدولة" عن تقديم الخدمة الصحية، والاعتماد على القطاع الخاص والخيري، وسوف نقدم بعض الإحصاءات الكاشفة لهذا:

فهناك حوالي 8.5 مليون مريض بالسكري النوع الأول في مصر أغلبهم من الشباب، بينما هناك 39 مليون مريض بالسكر النوع الثاني، وهناك 2000 مصري جديد يصابون بالسكري يوميًا، كما ان هناك 80 ألف حالة وفاة نتيجة مرض السكر سنويًا، ومصر ترتيبها الثامن ضمن أعلى 10 دول إصابة بمرض السكر عالميًا.

كما يعاني 26% من المصريين من مرض ارتفاع ضغط الدم، فهناك واحد من كل أربعة مصريين مصاب بهذا المرض، كما تحتل مصر رقم 4 على مستوى العالم في نسب الإصابة بالسمنة الناتج عن العادات الغذائية الخاطئة التي تعتمد الكربوهيدرات الناتج عن ارتفاع معدلات الفقر، كما تحتل مصر أعلى مركز في معدلات وفيات أمراض القلب عالميًا، فهناك 500 حالة وفاة لكل 100 ألف تحدث سنويًا في مصر بسبب أمراض القلب والأوعية الدموية الناتجة عن قصور الشريان التاجى، وجلطات القلب الحادة، والفشل الحاد في عضلة القلب، وأمراض السكتة الدماغية، بينما النسب العالمية للوفيات نتيجة أمراض القلب أقل بكثير بالدول الغربية، حيث أن العدد لديهم 100 وفاة لكل 100 ألف فقط.

كما تشير تقارير منظمة الصحة العالمية إلى أن نسبة المرضى الذين يغسلون كلى عالميًا هم 264 شخصًا لكل مليون نسمة، بينما في مصر أصبح هذا العدد في محافظة الدقهلية وحدها 600 شخص لكل مليون نسمة، وبحسب آخر إحصائية صادرة عن الجمعية المصرية لأمراض وزراعة الكُلى في 2018، فإن أعداد مرضى الفشل الكلوي تبلغ نحو 60 ألف مريض، بينما ترى وزارة الصحة أن الرقم يقع بين 90 ألفًا إلى 115 ألف، ويحتل مرض الفشل الكلوي المركز السابع في قائمة الأمراض الأكثر انتشارًا في مصر، ومريض الفشل الكلوي يحتاج إلى 60 ألف جنيه سنويًا لإجراء جلسات الغسيل مما يرفع من نسبة الوفيات بينهم لتكون هي الأعلى على مستوى العالم، حيث إن 25% من مرضى الفشل الكلوي المصريين يموتون سنويًا نتيجة الفقر وعدم توفير الدولة لأماكن للغسيل الكلوي، في حين لا تتجاوز النسبة العالمية للوفاة بهذا المرض من 7 إلى 10% فقط.

اعتياد المواطن المصري على تدني قيمة الحياة في المجتمع خلقت لديه ما يشبه التشبع من الموت والاستهزاء به

كما أن هناك 166 حالة سرطان بين كل 100 ألف نسمة في مصر، ويقتل التدخين 190 ألف مواطن سنويًا، وتُقدر نسبة الوفاة من التليف الكبدي في مصر سنويًا بـ3%، ونسبة الوفاة لمن يعانون درجة من درجات الفشل الكبدي تصل إلى 10%، أما عن الفشل الكبدي التام فتصل نسب الوفيات سنويًا إلى 30%، كما أن مصر تتصدر دول العالم في الإصابة بفيروس سي.

اقرأ/ي أيضًا: كورونا.. دروس في الدولة والإنسان

على صعيد آخر، تتصدر مصر قائمة العالم في أعداد الوفيات نتيجة حوادث الطرق، حيث يذكر تقرير منظمة الصحة العالمية أن عدد ضحايا الحوادث في العام الأخير في مصر بلغ 25 ألفًا و500 شخص بين قتيل ومصاب، بالإضافة إلى أكثر من 30 مليار جنيه خسائر مادية.

تعايش المواطن المصري مع الفقر والمرض والموت تحول إلى روتين يومي تبلدت معه كل المشاعر التي قد تجدها في الدول الأكثر تقدمًا وغنى ورفاهية، كما أن اعتياده تدني قيمة الحياة في المجتمع خلقت لديه ما يشبه التشبع من الموت والاستهزاء به، أو كما يقول البعض إن الموت مساوٍ للحياة، ولا عجب أن الدولة نفسها من الممكن أن تقتل خارج إطار القانون وتختطف المعارضين لشهور دون محاكمة ودون أن يستدل على مكانهم، وهذا دليل آخر على ما وصلت له قيمة الحياة داخل المجتمع من تدني وما وصلت اليه أجهزة الدولة من انحطاط.

 

اقرأ/ي أيضًا:

نحو عالم ما بعد كوروني

هل يقتلنا الخوف أم الفيروس؟