03-أكتوبر-2020

أشار بري إلى تمسك لبنان بإطار المفاوضات وفق القرارات الأممية (Getty)

الترا صوت – فريق التحرير 

توصل لبنان لاتفاق بشأن الإطار العام للمحادثات المرتبطة بترسيم الحدود البحرية مع "إسرائيل" بوساطة أمريكية، في خطوة وصفها محللون بأنها "تنازل من قبل لبنان للقبول بالمفاوضات المباشرة مع العدو الإسرائيلي".

توصل لبنان لاتفاق بشأن الإطار العام للمحادثات المرتبطة بترسيم الحدود البحرية مع "إسرائيل" بوساطة أمريكية، في خطوة وصفها محللون بأنها "تنازل"

ودخل لبنان في مفاوضات برعاية أممية لترسيم حدوده البحرية مع تل أبيب قبل عقد من الزمن، عندما قدّر تقرير لهيئة المسح الجيولوجية الأمريكية صدر في عام 2010 وجود 3455 مليار متر مكعب من الغاز، إضافة لـ1.7 مليار برميل من النفط في منطقة شرق البحر المتوسط، مما أدخل المنطقة في أزمات دبلوماسية متوالية، لما تمثله المنطقة من أهمية بوصفها أبرز نقاط العبور لناقلات البترول والغاز من الشرق الأوسط إلى دول الاتحاد الأوروبي، فضلًا عن موقعها الاستراتيجي لوقوعها ضمن قارات آسيا وأفريقيا وأوروبا.

اقرأ/ي أيضًا: حزب الله ينفي مزاعم نتنياهو بشأن وجود مخازن أسلحة قرب مطار بيروت

المفاوضات ستكون بوساطة أمريكية تحت مظلة الأمم المتحدة

خلال مؤتمر صحفي عقد في مقر الرئاسة الثاني في عين التينة، أكد رئيس النواب اللبناني وزعيم حركة أمل، نبيه بري، على أن المبادرة التي تقدّم بها قبل عشرة أعوام تشير "لتمسك" لبنان بإطار المفاوضات المحددة وفق "تفاهم نيسان" الخاص بقرار ​مجلس الأمن​ 1701، موضحًا أنه طلب بأن "تكون الاجتماعات في مقر الأمم المتحدة في الناقورة (جنوب لبنان) وبرعايتها وتحت علم الأمم المتحدة".

وأضاف بري مشددًا على أن "تلازم المسارين برًا وبحرًا حيث لا ينفذ أي محضر برًا أو بحرًا إلا بتوقيع الأطراف وخاصة الطرف اللبناني"، وبحسب الإطار العملي للتفاوض الذي قرأه بري للصحفيين، فإن بنده الأول تضمن "الاستناد إلى التجربة الإيجابية للآلية الثلاثية الموجودة منذ تفاهمات نيسان 1996، وحاليًا بموجب  القرار 1701، التي حققت تقدمًا في مجال القرارات حول الخط الأزرق".

في حين تضمن البند الثاني المرتبط بترسيم الحدود البحرية "عقد اجتماعات بطريقة مستمرة في  مقر الأمم المتحدة​ الناقورة تحت راية الأمم المتحدة برعاية فريق المنسق الخاص للأمم المتحدة لشؤون لبنان، وأن ممثلي الولايات المتحدة والمنسق الخاص للأمم المتحدة مستعدان لإعداد محاضر الاجتماعات بصورة مشتركة والتي ستوقع من قبلهما وتقدم إلى إسرائيل ولبنان للتوقيع عليها في نهاية كل اجتماع".

بينما أشار البند الثالث إلى أنه "طُلب من الولايات المتحدة من قبل الطرفين إسرائيل ولبنان أن تعمل كوسيط ومسهل لترسيم الحدود البحرية الإسرائيلية، وهي جاهزة لذلك"، كما أشار البند الرابع إلى أنه "حين يتم التوافق على الترسيم سيتم إيداع اتفاق ترسيم الحدود البحرية لدى الأمم المتحدة عملًا بالقانون الدولي والمعاهدات ذات الصلة".

أما البند الخامس فقد أوضح أنه "عند التوصل إلى اتفاقيات في المناقشات بشأن الحدود البرية والبحرية سيتم تنفيذها وفقًا للتالي: على الحدود البرية في ما يتعلق بالخط الأزرق بعد التوقيع من قبل لبنان وإسرائيل واليونيفيل (قوات حفظ السلام الأممية المؤقتة في لبنان)، على الحدود البحرية استنادًا إلى الحد البحري للمناطق الاقتصادية الخاصة للأطراف المعنية"، فيما شدد البند الأخير على عزم واشنطن "بذل قصارى جهودها مع الطرفين المعنيين للمساعدة في تأسيس جو ايجابي وبناء والمحافظة عليه من أجل إدارة المفاوضات واختتامها بنجاح في أسرع وقت ممكن".

هل مارست واشنطن ضغوطًا من أجل دفع لبنان للذهاب للتفاوض؟

يأتي إعلان بري عن التوصل لاتفاق مع إسرائيل بشأن ترسيم الحدود في وقت يشهد لبنان أسوأ أزمة اقتصادية يواجهها منذ عام 1990، وفرض وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات على وزير المالية السابق والعضو في حركة أمل علي حسن خليل، ووزير الأشغال العامة والنقل السابق والقيادي في تيار المردة يوسف فنيانوس، بدعوى ضلوعهما بالفساد واستغلال سلطتهما السياسية لتحقيق مكاسب مالية، وتقديم الدعم لجماعة حزب الله اللبنانية المدرجة على لائحة العقوبات الأمريكية.

وكان الباحث في المركز العربي في واشنطن جو ماكرون قد وصف العقوبات التي طالت حسن خليل المقرب من بري، بأنها رسالة تحذيرية من الإدارة الأمريكية لبري بسبب "عدم مرونته في النزاع الحدودي مع إسرائيل" المرتبط بترسيم الحدود بين الطرفين، لكن بري نفى أن يكون هناك علاقة بين العقوبات المفروضة على حسن خليل وإعلان اتفاق ترسيم الحدود، مشيرًا إلى ذلك بقوله "علي حسن خليل أصبح أقرب إليّ بعد العقوبات من قبلها ولكن لا علاقة له بموضوع ترسيم الحدود".

من جهتها رحبت قيادة قوات اليونيفيل بما جاء في المؤتمر الصحفي لبري، وأعربت في بيان لها عن "استعدادها لتقديم كل الدعم الممكن للجهات وتسهيل الجهود لحل هذه المسألة"، قبل أن تستدرك مشددةً على أن تكون "في إطار قرار مجلس الأمن الدولي الرقم 1701"، وأنها تدعم أي "اتفاق بين لبنان وإسرائيل بما يعزز الثقة ويحفز الأطراف على الالتزام مجددًا باحترام الخط الأزرق وعملية ترسيم الحدود الأوسع".

والخط الأزرق هو الخط الفاصل الذي حددته الأمم المتحدة بين لبنان من جهة، وإسرائيل ومرتفعات الجولان المحتلة من جهة ثانية في السابع من حزيران/يونيو 2000، في أعقاب انسحاب الجيش الإسرائيلي من جنوب لبنان منهيًا بذلك 22 عامًا من الاحتلال للأراضي اللبنانية، وعلى الرغم من أن الخط الأزرق بطول 120 كم غير معترف به دوليًا، إلا أن إنشاءه جاء بهدف التأكد من الانسحاب الإسرائيلي من لبنان.

وخلال الأعوام العشرة الماضية تناوب من الجانب الأمريكي على رعاية المفاوضات المرتبطة بترسيم الحدود بين لبنان وإسرائيل، كل من ​فريدريك هوف ​2011 – 2013،​ آموس هوكستاين 2014  – 2016، دايفيد ساترفيلد 2018 – 2019، وأخيرًا مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى دايفيد شينكر الذي أشار في إفادة عبر الهاتف للصحفيين بأن المفاوضات بالقضية ذات الصلة من المتوقع أن تبدأ يوم 12 تشرين الأول/أكتوبر الجاري.

وليس معروفًا بعد إن كان الجانب الأمريكي سيدخل المفاوضات متمسكًا بخط هوف– نسبة للدبلوماسي الأمريكي فريدريك هوف– المتفق عليه قبل أعوام، والذي يشير لتقاسم المنطقة المتنازع عليها بين لبنان واسرائيل عند الحدود البحرية الجنوبية للبنان بطول 860 كلم، باقتراحه منح لبنان مساحة 500 كلم مقابل إعطاء إسرائيل 360 كلم، وكان لبنان قد وافق على المقترح الأول، لكنه رفض المقترح الثاني المرتبط بمنح إسرائيل 40 بالمائة من الحدود اللبنانية مما أدى بالاقتراح للتجميد.

ولعل أكثر ما كان لافتًا في حديث بري للصحفيين بأنه "إذا نجح الترسيم، فهناك مجال كبير جدًا، خصوصًا بالنسبة للبلوك 8 و9، أن يكون أحد أسباب سداد ديوننا"، وهو ما اعتبرته وسائل إعلام محلية في معرض تعليقها على هذه الجزئية، بأن "النظام (الأحزاب السياسية الحاكمة) الذي نهب البلاد في المرة الأولى وراكم الدين العام، يريد نهب العائدات النفطية بحجة سداد هذا الدين".

وكان بري قد أشار خلال مؤتمره الصحفي إلى أن زيارة وزير الخارجية الأمريكية مايك بومبيو التي أجراها إلى لبنان العام الماضي، والتي تخللها اجتماعه مع بومبيو "أعاد الملف إلى طاولة البحث بعدما تعطّل لفترة طويلة"، فضلًا عن الزيارة التي أجراها شينكر مطلع الشهر الماضي للبنان، وكان الهدف منها استكمال المناقشات حيال ترسيم الحدود مع إسرائيل التي يشرف عليها بري.

ما الأسباب التي دفعت لبنان لتلك الخطوة؟

وفيما أوضح محللون لوكالة رويترز البريطانية بأن أحد أبرز الأسباب التي أدت لتعثر المفاوضات بين الجانبين تمثلت بالخلاف على طول الحدود البحرية التي يجب مناقشتها، فإن مصدرًا لبنانيًا مسؤولًا اتفق مع دبلوماسي غربي على أن إعلان بري الأخير جاء مدفوعًا بالأزمة الاقتصادية التي تواجه لبنان، فضلًا عن العقوبات التي استهدفت حسن خليل الذي يعتبر اليد اليمنى لبري داخليًا وخارجيًا.

وفي ذات السياق وصف المحلل السياسي منير الربيع في حديث لوكالة الأناضول التركية اتفاق الإطار العملي لترسيم الحدود الذي أعلن عنه، بأنه "بشكل أو بآخر تنازل من قبل لبنان، للقبول بالمفاوضات المباشرة مع العدو الإسرائيلي"، وأضاف الربيع في حديثه مشيرًا إلى أن بري "استخدم مصطلح إسرائيل (في المؤتمر الصحفي) ولم يستخدم كيان العدو ولا الأراضي الفلسطينية المحتلة، إنما استخدم الحدود الإسرائيلية"، وهو ما اعتبره "مؤشر على تحول كبير في الموقف اللبناني".

اقرأ/ي أيضًا: بعد استقالة أديب.. ماكرون يحاول إنعاش المبادرة الفرنسية

وأرجع الربيع أسباب موافقة لبنان على الذهاب إلى التفاوض برعاية أمريكية على ترسيم الحدود مع إسرائيل، لما اعتبر أنه يأتي في سياق "الضغوطات الأمريكية والإسرائيلية، وتكثيف الضربات والأزمات الاقتصادية التي يعيشها لبنان، والخلاص من الأزمات"، محذرًا في الوقت عينه من أن "طريق التفاوض ستكون شاقة وطويلة، وترتبط بموقف حزب الله وإيران من أمريكا".

يأتي إعلان بري عن التوصل لاتفاق مع إسرائيل بشأن ترسيم الحدود في وقت يشهد لبنان أسوأ أزمة اقتصادية يواجهها منذ عام 1990

وختم الربيع حديثه بالإشارة إلى أن "الرهان يبقى إلى ما بعد انتخابات أمريكا، والوصول لاتفاق أمريكي- إيراني، فإذا حصل الاتفاق، فستكون عملية ترسيم الحدود أسهل"، فيما رأى الكاتب والمحلل السياسي المقرب من حزب الله قاسم قصير أن "ما أعلن عنه، هو اتفاق إطار، وأن المفاوضات ستأخذ وقتًا طويلًا"، لافتًا إلى أنه "طالما العدو ينفذ اعتداءات، ستبقى هناك مقاومة وخيار مواجهة، أما ترسيم الحدود فلا يتعارض مع الحق بالمقاومة".