20-أكتوبر-2018

تضغط السودان على الاتحاد الأوروبي بورقة المهجرين (Getty)

"أريد أن ألتحق بأسرتي في أوروبا، لقد تعِبت"؛ بهذه العبارة كانت هيلين الفتاة الإرترية الصغيرة التي هربت من معكسر ساوا تحاول اختصار محنتها، وذلك بعد أن تخلصت من نصف الجحيم القابع في معسكر التجنيد الإجباري الإرتري سيء السمعة، وهو ما كان يتعين عليها أن تقضي فيه نحو عقدين من الزمان، مسلوبة الإرادة، بلا أمل في الخلاص من وطأة حروب الرئيس أسياس أفورقي العبثية.  

أخذت تطورات الأزمة بين الحكومة السودانية والاتحاد الأوروبي منحىً سالبًا منذ منتصف العام الجاري، ونتيجة لذلك أعلن قائد قوات الدعم السريع توقفهم عن التصدي للهجرة 

هيلين وبعد شهور من المكابدة القاسية، وجدت نفسها أسيرة لقوات الدعم السريع، أولئك الذين أوكلت إليهم الحكومة السودانية مهمة حراسة الحدود، ومكافحة الاتجار بالبشر، وذلك بعد اتفاق مع الاتحاد الأوروبي، يقضي برفع الحصار الأمريكي وشطب اسم السودان من قائمة الدول الراعية للارهاب، مقابل منع تدفق المهاجرين الأفارقة إلى أوروبا.

تراخي قبضة الدعم السريع

تقول هيلين التي عادت مُرغمة للعمل في مطعم بالخرطوم لـ"ألترا صوت"، إن قوات الدعم السريع منذ عامين تقريبًا كثفت جهودها في المناطق الشرقية للحول دون وصول القادمين من إثيوبيا وإرتريا إلى منطقة جبل عوينات على التخوم السودانية الليبية، والتي تنتقل منها قوافل الهجرة غالبًا إلى داخل ليبيا، ما أجهض حلمها بالتئام شمل عائلتها في أمستردام. وقارنت هيلين بين العمل في مطعم سوداني بأجر زهيد والرعب الذي كانت تشعر به في معسكر سوا كونها معرضة للاغتصاب والموت في أي لحظةي لحظة، قائلة إن "الوضع هنا أفضل وأرحم بكثير، بل إنني يمكن أن أهاجر والتحق بأسرتي متى جمعت الأموال الكافية"، سيما وأن قبضة الدعم السريع تراخت قليلًا خلال الأشهر الثلاثة الماضية، وفقاً لهيلين.

اقرأ/ي أيضًا: التصالح الأوروبي السوداني على جثث اللاجئين.. ضوء أخضر للقتل والتنكيل

إقلاق القارة العجوز

أخذت تطورات الأزمة بين الحكومة السودانية والاتحاد الأوروبي منحىً سالبًا منذ منتصف العام الجاري، ونتيجة لذلك أعلن قائد قوات الدعم السريع، اللواء محمد حمدان دقلو المعروف بـ"حميدتي"، توقفهم عن التصدي للهجرة ومحاربة تهريب البشر، ورد ذلك لعدم وجود استجابة دولية للجهود التي يبذلها السودان، قائلًا "نحن أوقفنا العمل رغم أننا نقوم به نيابة عن الأوربيين"، وموضحًا أن "65% من عمليات تهريب البشر إلى أوروبا تتم عبر السودان، باعتبار أن السودان يشكل معبرًا رئيسًا"، وهو ما يقض مضجع القارة العجوز.

وعاد حميدتي الأسبوع الماضي لتأكيد التوقف عن مكافحة الهجرة، عبر برنامج "حال البلد" التلفزيوني، مبررًا التوقف بأن تكلفة مكافحة الهجرة باهظة جدًا، وأرهقت ميزانية السودان، معتبرًا أنها "تكبدنا خسائر كبيرة في الأرواح والمعدت، وتركنا الكثير من السيارات في الصحراء لعدم توفر الوقود". وأكد قائد "الدعم السريع" أن قواته ظلت موجودة على الحدود السودانية المصرية الليبية والتشادية منذ فترة طويلة، وذلك "يصب في مصلحة المجتمع الدولي، إلا أن المجتمع الدولي لم يف بالتزامته برفع الحصار عن السوان"، بينما شدد على أن الحسابات الإنسانية والأخلاقية هى التي جعلتهم يقومون بإنقاذ ضحايا الاتجار بالبشر مؤخرًا، وأن الأفضل "تركهم يهاجرون إلى أوروبا، أو أي مكان"، حتى لا يشكلون عبئًا على الدولة السودانية بعد إطلاق سراحهم".

حدود مُغلقة مقابل رفع الحصار

 ورغم عقد المزيد من المؤتمرات الأوروبية في السودان، آخرها مؤتمر اللجان الوطنية لمكافحة الاتجار بالبشر في القرن الأفريقي، الذي هدف لإيجاد آلية إقليمية لتوفير الحماية اللازمة لضحايا الهجرة غير الشرعية والاتجار بالبشر، إلا أن تلك المؤتمرات والحوارات الثنائية، على ما يبدو، لم تثمر إطلاقًا، لأن أحد أطراف المعادلة وهو المجتمع الدولي تراخى عن التزامته، المتجذرة في طلبية منافع متبادلة، حيث يريد الاتحاد الأوروبي حدودًا مُغلقة بينما يأمل السودان بإنهاء سنوات الحصار والعزلة، وفك طوق المحكمة الجنائية عن رقبة الرئيس عمر البشير.

من جهتها، أعلنت ليبيا يوم الجمعة رفضها إقامة مراكز استقبال للمهاجرين، على غِرار دول أخرى، وكشفت صحيفة "داي برس" النمساوية أن ليبيا وجاراتها في شمال إفريقيا ترفض المشروع الأوروبي لإقامة مراكز استقبال للمهاجرين على أراضيها، لمنع وصولهم مباشرة إلى الاتحاد الأوروبي. وأعلن وزير الخارجية الليبي محمد طه للصحيفة النمساوية، أن "كل دول شمال إفريقيا ترفض المقترح، تونس والجزائر والمغرب وكذلك ليبيا".

اقرأ/ي أيضًا: تحالف أوروبا مع السودان ضد الهجرة.. رفع العقوبات مقابل رفع الحرج

وأوضحت الصحيفة أن بلدان الاتحاد الأوروبي تواجه عديد الانقسامات، في خضم مساعيها للبحث عن حلول أوروبية بهدف خفض نسق تدفق اللاجئين القادمين من القارة الأفريقية، الذين بلغ عددهم حوالي 100 ألف منذ بداية العام الجاري، فيما توفي 1700 شخص أثناء محاولتهم عبور البحر الأبيض المتوسط.

هاجس تأمين الحدود

من جهتها كشفت مفوضة الشؤون الاجتماعية بالاتحاد الإفريقي أميرة الفاضل، عن جهود يقوم بها الاتحاد وشركاؤه في أوروبا لمكافحة الهجرة، وقالت أميرة لـ"ألترا صوت" إن أكبر التحديات التي تواجهمم هي تأمين الحدود الجنوبية في ليبيا، وهى الحدود التي يتدفق منها المهاجرون، مشيرة إلى أنه "لا بد من تعاون دول الجوار في تأمين حدودها هى الأخرى"، كما أن الخطر يكمن في شبكات الاتجار بالبشر والدول التي يتدفق منها المهاجرون، وغالباهم مدفوع بدوافع اقتصادية، ما يعني الحاجة لمخاطبة تلك الدوافع، وفقًا لأميرة الفاضل.

يُعتبر ملف الهجرة واللاجئين، واحدًا من الملفات الشائكة والمعقدة، التي تشكل ضغطًا على السودان في حين، وورقة ضغط بيده في حين آخر

وفي السياق يعمل الاتحاد الإفريقي من خلال عديد المبادرات لمعالجة الأسباب الجذرية للهجرة، وفي كثير من البلدان بتشجيع مشروعات إنتاجية أو زراعية تستوعب طاقات الشباب وتحقق أحلامهم، بجانب إنشاء مركز إقليمي لعمليات الهجرة مقره في الخرطوم، بالتعاون مع الاتحاد الأوروبي، سيفتتح نهاية العام الجاري، وقد أمن له الاتحاد الأوروبي مبلغ خمسة مليون دولار، بهدف جمع المعلومات ودراسة الظاهرة وتدريب الجهات التي تقوم بمكافحة الهجرة، على أن يغطي في المرحلة الأولى 9 دول من منطقة القرن الإفريقي.

لا شك أن السودان بموقعه الجغرافي يمتلك مفاتيح حل الأزمة وتعقيدها في ذات الوقت، إذ ينفتح على دول تشهد اضطرابات وحروب مُزمِنة، كما هو الحال في إفريقيا الوسطى وإرتريا وتشاد وجنوب السودان وإثيوبيا، بجانب أنه يطل على حدود مفتوحة أيضًا مع الجماهيرية الليبية، أكبر منافذ الهجرة إلى أوروبا، والتي تعيش هى الأخرى حالة من الفوضى والخراب مع غياب السُطلة المركزية القابضة، تحديدًا بسبب الميليشيات المدعومة من مصر والإمارات وبعض الدول الأوروبية، عطفًا على الأوضاع الصعبة لمواطني القارة الإفريقية المنكوبة بالكوارث الاقتصادية والأمراض والديكتاتوريات، وهو ما يجعل ملف الهجرة واللاجئين، واحدًا من الملفات الشائكة والمعقدة، التي تشكل ضغطًا على السودان في حين، وورقة ضغط بيده في حين آخر.

 

اقرأ/ي أيضًا:

ما هي الصفقة وراء رفع العقوبات الأمريكية عن السودان؟

لماذا لا يسقط النظام في السودان؟ (3-3)