29-ديسمبر-2016

(Getty) لحظة التصويت على قرار وقف الاستيطان الإسرائيلي

1... 2... 3... "لم يكن الرئيس عبد الفتاح السياسي مغفلًا بخصوص مآل مشروع رفض الاستيطان الإسرائيلي الذي تم إقراره بالنهاية، ولم يكن غافلًا عن التطورات والكواليس داخل مجلس الأمن منذ البداية، فقد كان يعي ما يفعل منذ سحب المشروع  وقد صدق استشرافه الذي خطط له في نهاية المطاف. لينضاف بذلك رصيد جديد للديبلوماسية المصرية التي قدمت درسًا للعالم في إدارة الملفات، وليتأكد عمومًا التزام مصر بمواقفها المعلنة في المنابر الدولية من القضية الفلسطينية.

لم ترضخ مصر للضغوطات فهي لا تريد أن تخسر صديقها ترامب القادم لكنس الخراب الذي خلفته إدارة أوباما

ويعود الفضل لذلك للرئيس السّيسي سليل المدرسة الحربية والدبلوماسية المصرية التي استعدنا بها سيناء بقوة التفاوض، ولذلك لا نظن أن الرّئيس الداهية يكترث اليوم بالحملة التي يقودها أعداء الوطن ونشطاء السبّوبة.

اقرأ/ي أيضًا: احتلال مجاني؟ لا بل رابح

في البداية، لم يكن مشروع القرار الأممي الذي رعته المجموعة العربية وتبنه مصر داخل مجلس الأمن، إلا تأكيدًا على عودة مصر لقيامها بدورها التاريخي منذ "ثورة 30 يونيو". وهو التزام دائم بوصلته الشعب الفلسطيني لا غير، بغض النظر عن الموقف الحالي للقيادة المصرية من السلطة الفلسطينية التي تخلفت في السنوات الأخيرة عن القافلة خاصة بعد المؤتمر الأخير لحركة فتح الذي أكد انقلاب عباس على معارضيه وعلى رأسهم المستشار محمد دحلان.

حينما قرب موعد عرض مشروع القرار العربي على مجلس الأمن، انطلقت حرب خفية في الكواليس بين الإسرائيليين والأمريكان، ولقد بدأت الاتصالات بمصر لتعطيل برمجة عرض المشروع. ومباشرة إثر انطلاق هذه الاتصالات، فتح الرئيس السيسي هاتف ساخن يربط رئاسة الجمهورية بالتمثيلية المصرية في نيويورك، فقد مسك الرئيس الملف تحت يده، لينطلق مسلسل عرف الريّس منذ البداية نسج خيوطه.

لا يجب أن ننسى في هذا السياق بأن الإدارة الأمريكية تعيش حالة ارتباك في ظل الاستعدادات لمغادرة أوباما بعد أن عاقب الشعب الأمريكي حزبه وكلينتون إحدى عرّابات مؤامرة الشتاء العربي، وكذلك مع الاستعدادات لصعود ترامب الذي يمثل حليفًا موضوعيًا لمصر، والذي سبق وأشاد بالدور المصري لمجابهة الفوضى والإرهاب في الشرق الأوسط. قبيل عرض المشروع، أعلن الأمريكان في الكواليس عدم نيتهم استعمال حق النقض، فقد أراد أوباما مجددًا أن يحرج مصر ويجعلها في صدام مع الرئيس القادم ترامب الذي أعلن رفضه للمشروع الأممي، وكان السيسي يعلم المحاولات اليائسة الأخيرة لأوباما وهو يغادر السلطة خائبًا.

لم يعد الرهان هو إقرار المشروع، حيث تبيّنت المصيدة بجعل مصر في مواجهة أصدقائها وحلفائها، بل أصبح الرهان هو سحب البساط من الإدارة الأمريكية من هذا المخطط الجهنمي. تعددت في الأثناء الاتصالات بين مصر واسرائيل عبر القنوات الدبلوماسية، وكانت الموقف المصري واضحًا: نحن نرفض الاستيطان ليس موقفًا من إسرائيل بل دعمًا لحلّ الدولتين. أحرجت هذه النقطة الإسرائيليين لأن مصر عرفت كيف تروّج لمشروعها بين الأمم.

المدح الإسرائيلي وسيلة لإحراج الرئيس السيسي، الذي كان متفطنًا لهذه الخدع منذ البداية

لم ترضخ مصر للضغوطات ولكنها عرفت كيف تجاريها، فهي لا تريد أن تخسر صديقها ترامب القادم لكنس الخراب الذي خلفته إدارة أوباما، ولذلك أمر الرئيس بتأجيل التصويت على مشروع القرار قبل سحبه في حركة أربكت الأمريكيين وحلفائهم. وكان الإسرائيليون حذرون لأنهم يعلمون بأن الريّس بصدد القيام بمناورة دبلوماسية. فلم يكن الهدف إلا بعث رسالة مضمونة الوصول لترامب بأن مصر دولة صديقة. ولم تعلم مصر القيادة الفلسطينية بسحب المشروع وذلك لتفادي التشويش حول هذه الحركة المباغتة. 

اقرأ/ي أيضًا: تأييد إسرائيلي لترامب وأسئلة حول دعمه الاستيطان

وما كتبته الصحف الإسرائيلية في اليوم الموالي بعد سحب المشروع مدحًا للرئيس، وما وصفه وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي جلعاد أردان إرجاء التصويت بأنه إنجاز دبلوماسي يؤكد على متانة العلاقة بين القاهرة وتل أبيب، هو مما استغله مرضى القلوب للمزايدة، فالمدح الإسرائيلي في الحقيقة هو وسيلة لإحراج الرئيس، الذي كان متفطنًا لهذه الخدع منذ البداية وهو ابن المدرسة الحربية الذي يجيد المناورات.

وحينما تبنت لاحقًا 4 دول المشروع المصري، ضحك السيسي وهو قد علم بالخبر عبر الهاتف الساخن من نيويورك، وضحك معه أعضاء الوفد المصري هناك، فلقد نجح المخطط، وهو أن مصر تخطط وتكسب دون أن تخسر. فقد تم رفع الحرج مع أصدقائنا ولم تعد مصر كبش فداء، ثم صوتت مصر مع المشروع لتبين التزامها الدائم بالقضية الفلسطينية، وقد كانت السفيرة الأمريكية حين التصويت تنظر للوفد المصري متحسّرة وهي تكاد تذرف الدموع، نعم لقد فشلوا مرة أخرى.

ضربة الريّس الأخيرة في نيويورك هي درس في الدبلوماسية سيتم تدريسه في أعتى كليات العلاقات الدولية في العالم. وعمومًا لا تقبل الدولة المصرية المزايدات في القضية الفلسطينية، ويعلم الفلسطينيون ما قدمه السيسي منذ إعادة مصر للمصريين بعد إن خطفها الإخوان الذين تآمروا على القضية وتخابروا مع أعدائها".

هذا المقال من وحي الخيال ولكنّه يمتّ للواقع بصلة، لأن الواقع ذاته تجاوز بضع خيال، فسقط التعبير عاجزًا أمامه، فلا حول ولا قوة إلا بالله.

 

اقرأ/ي أيضًا:

ما الطريق لتغيير هيكلية مجلس الأمن؟

كيف أصبح مستبدًا أفضل؟ (6- 6)