28-أبريل-2017

إحدى فعاليات كوما كافيه

مساحة ثقافية واحدة أفضل من مئة خطة اندماج، هذا ما يبدو جليًا في "كوما كافيه"، أو "الوكر" كما يحلو للقائمين عليه تسميته، أو بعبارة أخرى "المهاجر السياسي Migrant Politan"، تلك هي التسمية الرسمية لأحد الأمكنة الفنية التابعة لموقع مسرح "كامبنيجيل Kampnagel"، في مدينة هامبورغ، شمال ألمانيا، واحد من أكبر المسارح المسيسة المعروفة بنشاطها السياسي وطابعها اليساري في ألمانيا.

في هامبورغ الألمانية، مساحة ثقافية واحدة أفضل من مئة خطة اندماج

تدخل إلى مكان واسع مرتب على عجل، لا شيء فيه يعبر عن ماهيته ووظيفته كمقهى أو مكان عام، تجلس على كنبة مريحة سرعان ما تشعر معها بأنك في بيتٍ لصديق. تلك الحميمية التي طغت على الوظيفة الاجتماعية للمكان، لا تتلاشى حتى حين يخبرك أحدهم بأنك في المسرح، وتحديًدا في المقهى الخاص به، وأحد أوجه المسرح الفنية الناطقة باللغة العربية.  

اقرأ/ي أيضًا: برلين.. عاصمة للسوريين في أوروبا

أنس عابورة المنسق الفني للنشاطات الثقافية العربية في المسرح، ومدير كوما كافيه، يروي لـ"ألترا صوت" حكاية المسرح والمقهى الملحق به إلى جانب المهرجانات والنشاطات العربية الموسمية، التي بدأ المكان يعج بها منذ عام ونصف تقريبًا، قائلًا: "هنا نحاول أن ننشط اجتماعيًا وفنيًا، يتسع المقهى تقريبًا لحوالي ستين شخصًا، وهو تابع جغرافيًا وفنيًا لمسرح كامبنيجل، هذا المسرح الذي تعود حكايته لما قبل الحرب العالمية الثانية حين كان معملًا لتصنيع المسامير والإبر، وفي بداية الثمانينات من القرن الماضي حولته بلدية مدينة هامبورغ إلى مسرح".

ويتابع أنس عابورة: "لايحمل المكان طابعًا خاصًا كما يشي اسمه، ولكنه بالنسبة لنا، نحن مجموعة من الشباب القادمين الجدد إلى ألمانيا، بمثابة البيت، ومع مرور الوقت تحولت العلاقة معه إلى ما يشبه فرصة لنعبر من خلالها عما نحمله من ثقافة تضيف إليه كما تأخذ منه. وهو ما جعلنا نفكر ونبحث في كيفية استثماره ثقافيًا، من خلال إقامة النشاطات الفنية والثقافية بالمشاركة مع مجموعة من الشباب المتطوعين في هامبورغ. حاولنا أن نضيف إلى هذا المكان المصنوع من الخشب وسط حديقة المسرح، شيئًا من ثقافة سوريا بكل مكوناتها، ليصبح مكانًا مفتوحًا للجميع، كنقطة التقاء ومشاركة الأفكار".

وعن التعارف الأول والتخطيط للعمل، يروي أنس حكايته مع المسرح: "بدأت علاقتي مع مسرح كامبنيجل من خلال اجتجاجات قمنا بها كلاجئين في أحد مخيمات مدينة هامبورغ، بعد انقطاع الكهرباء عن المخيم لمدة 13 ساعة متواصلة، إلى جانب مطالبنا بالانتقال من الخيم الصيفية خلال فصل الشتاء. وصل صوت التمرد ووصلت أنا عبر عضويتي في المؤتمر الدولي للاجئين والمهاجرين الذي أقامه مسرح كامبنيجل. أبدى المسؤولون عن المسرح رغبتهم بالعمل مع اللاجئين من خلال تنظيم الفعاليات الثقافية والفنية والمشاريع الاجتماعية، إلى جانب المهرجانات الموسيقية، انطلاقًا من توظيف الشباب في عملية تنظيم وتنسيق تلك المشاريع. وهذا ليس حديث العهد، بل يعود إلى ما قبل أربع سنوات نظم خلالها مسرح كامبنيجل أهم وأشهر مشاريعه".

يعمل مجموعة من الشباب مع المسرح الألماني لتشكيل هوية ثقافية لفناني الشتات السوري

مشروع اجتماعي ثقافي شكّل له مسرح كامبنيجل هوية محددة، يدعى "لامبيدوزا في الشمال Lampadusa Nord"، وهو عبارة عن إقامة فنية لمجموعة من الأشخاص القادمين إلى أوروبا عن طريق جزيرة لامبيدوزا، حيث تم إقصاؤهم شمالًا بقرار من السلطات الإيطالية لعدم وجود فرص لهم هناك، وبعد وصولهم إلى هامبورغ رفضت السلطات الألمانية الاعتراف بهم ومنحهم إقامات رسمية، فقاموا بتنظيم أنفسهم في مجموعات ناشطة سياسيًا، تروي حكايتهم مع المجتمع الرافض لهم، طامحين للحصول على هوية عن طريق الفن، ودعوة المجتمع لتقبلهم والتعامل معهم كفنانين، لا مهاجرين فقط، حتى لو لم يكن هناك قانون يعترف بهم.  

اقرأ/ي أيضًا: مهرجان برلين.. آراء سياسية وأفلام عن اللاجئين

يتابع أنس عابورة حول أهم المشاريع التي نظمها مع المسرح، أولها كان مشروع بعنوان "حديقة سوريا Syrian Garden"، وهو عرض فني، إلى جانب قراءة حول مفهوم محاولة العيش من جديد والاستمرار، من خلال ربط تجربة الرحلة التي قام بها اللاجؤون للوصول إلى أوروبا، مع فكرة نمو النباتات في بيئة أخرى مختلفة، ومن ثم محاولة البدء من جديد والتأقلم والاستمرار. 

إلى جانب المهرجانات الموسيقية التي أخذ أنس عابورة على عاتقه تنظيمها، ودعوة فنانين وموسيقيين سوريين وعرب في ألمانيا ودول أوروبية أخرى، كان أولها حفلة لينا شماميان، ومن ثم غالية بنعلي، بالإضافة إلى أسماء فرق سورية شابة كـ"ميترا" و"محطات" و"مزاج أبو حجر"، وفرقة "شكون" المتواجدة في المسرح كأحد وجوهه الفنية الدائمة.
 
قدمت تلك الفرق عروضًا موسيقية وفنية تخلل بعضها معارض فنية أو رسم حيّ، ضمن تظاهرة أو برنامج فني، أطلق المسرح منه نسختين بعنوان "بعدنا عايشين STILL ALIVE"، كما جرت في الأعمال الفنية والموسيقية المقدمة محاكاة لموضوع الهجرة واللجوء. هذا إلى جانب حفلات الكاريوكي العربي التي يقيمها المسرح بشكل دائم.
 
عن التمويل والدعم يخبرنا أنس عابورة بأن تمويل المسرح كما "كوما كافيه" يعتمد على الدعم الحكومي فيما يتعلق بتكاليف المكان وأجور العاملين، أمّا الدعم الفني للورشات الفنية والمهرجانات والحفلات فهو مستقل. بينما يعتمد المقهى على دعم بسيط من جهات راعية، ويمول نفسه أيضًا عن طريق أسعار المشاريب الرمزية التي يقدمها، في محاولة ليكون مفتوحًا دائمًا أمام الجميع.

خطة المسرح المستقبلية ومشاريعه الجديدة القادمة تعتمد على تنظيم المهرجانات الموسيقية، التي ستستضيف فنانين لاجئين في أوروبا، ضمن خطة تشكيل الهوية الثقافية الجديدة للفنان السوري، ومن خلال برامج فنية تمنحهم فرصة إقامة الحفلات والتبادل الفني مع موسيقيين أخرين. 

يمكن اعتبار "كوما كافيه" وكرًا فنيًا شبابيًا، يحفل بالطاقات الثقافية التي وجدت لنفسها منبرًا تحكي من خلاله أفكارها عن المكان الجديد والعلاقة مع الموروث الثقافي، وإيجاد فرصة لتقديمه ووضعه ضمن إطارات فنية ثقافية برعاية المسرح الألماني، تعوض عن خطط اندماج مجتمعي قد لا تجدي نفعًا. 

 

اقرأ/ي أيضًا:

حين غابت المواطنة في مصر وأصبحت ليلى مراد ضحية للفرز الديني

ألكسندر صاروخان.. "المصري أفندي" الذي أهدرنا حقه