06-فبراير-2018

سيكون لنتائج الانتخابات الإيطالية القادمة تأثير مباشر على الاتحاد الأوروبي (فاينانشال تايمز)

يتوجه الشعب الإيطالي إلى صناديق الاقتراع في الرابع من آذار/مارس القادم، في أكبر انتخابات قادمة تُجرى في إحدى دول الاتحاد الأوروبي، ما قد يساعد في تحديد مصير الاتحاد بأسره. تعرض صحيفة فاينانشال تايمز لمحة عن القواعد، والمتنافسين الرئيسيين، والنتائج المُحتملة لهذه الانتخابات، في تقرير نعرضه لكم مترجمًا في السطور التالية.


وتُعد إيطاليا أحد الأعضاء المؤسسين للاتحاد الأوروبي، وثالث أكبر اقتصاد في منطقة اليورو. إلا أن السنوات الأخيرة قد شهدت تزايدًا للشكوكية الأوروبية (وهو مصطلح يرفض قيام الاتحادات السياسية بين الدول الأوروبية)، وأيضًا استياء من التراجع الكبير، والتعافي الهش، وتفاقم أزمة الهجرة على الشواطئ الجنوبية للبلاد.

النظام الانتخابي في إيطاليا هو نظام غير دستوري، أجريت عليه عدة تعديلات كبيرة وصولًا إلى نظام "روزاتيلوم" الموضوع في 2017

1. النظام الانتخابي

النظام الانتخابي الإيطالي، هو نظامٌ غير ثابت في دستور البلاد، فقد أجرى البرلمان ثلاثة تعديلات كبيرة على قواعد الانتخابات خلال ربع القرن المنصرم. كانت آخر هذه التعديلات في عام 2017، عندما وافق أعضاء البرلمان على نظام "روزاتيلوم" المعمول به حاليًا، والذي سُمي تيمنًا بإتوري روزاتو، عضو البرلمان عن الحزب الديمقراطي اليساري الوسطي الحاكم، والذي وضع هذا القانون.

اقرأ/ي أيضًا: المافيا الإيطالية ومخصصات اللاجئين.. "الكوكائين" الجديد

ويقتضي هذا القانون منح 61% من المقاعد، أي 386 مقعدًا في مجلس النواب، و193 مقعدًا في مجلس الشيوخ؛ بنظام التمثيل النسبي. بينما يتم انتخاب 37% من المقاعد، أي 232 مقعدًا في مجلس النواب، و116 مقعدًا في مجلس الشيوخ؛ وفق النظام الفردي لكل دائرة انتخابية، والذي يفوز فيه من يحصل على أعلى الأصوات. أما الإيطاليون الذين يعيشون خارج البلاد، فسوف ينتخبون 2% من المقاعد، أي 12 مقعدًا في مجلس النواب، وستة مقاعد في مجلس الشيوخ.

ولابد أن تفوز الأحزاب بنسبة 3% من الأصوات الانتخابية، حتى يتسنى لهم الحصول على حصة في مقاعد التمثيل النسبي، وهو تدبير احترازي صُمم للحد من تفتيت الأصوات. ففي حالة تحالف بعض الأحزاب مع أحزاب أكبر داخل ائتلاف انتخابي، تذهب أصوات الأحزاب التي حصلت على نسبة تصويت تتراوح ما بين 1% و3% إلى الحزب الأقوى داخل الائتلاف.

ويُعتبر نظام روزاتيلوم الانتخابي، نتاجًا لتسوية برلمانية سريعة حدثت العام الماضي. فقد بدا أن وضع نظام الفوز للأكثر أصواتًا للدوائر الفردية، قد صُمم خصيصًا لإلحاق الضرر بحركة "النجوم الخمسة" المناهضة للسلطة. إذ تناهض تلك الحركة تكوين الائتلافات، كما أنها تفتقر إلى الانتشار العميق على المستوى المحلي، وكذلك تفتقر للمرشحين من ذوي الخبرة الواسعة.

إلا أن ذلك قد يكون في صالح الأحزاب المعارضة اليمينية المعتدلة، لأنها قد تمكنت بالفعل من تشكيل ائتلاف انتخابي. ويشمل هذا الائتلاف حزب فورزا إيطاليا، بقيادة رئيس الوزراء السابق، سيلفيو برلسكوني. وحزب الرابطة الشمالية، المناهض لليورو. وحزب أخوة إيطاليا اليميني. وجدير بالذكر أن حزب الرابطة الشمالية على وجه الخصوص، يتمتع بروابط محلية قوية في المناطق الشمالية التي يسودها الرخاء.

وفي ظل تقاسم أصوات الناخبين بالتساوي تقريبًا، فيما بين المجموعات الثلاث (يمين الوسط، ويسار الوسط، وحركة النجوم الخمسة)، قد ينتج عن ذلك برلمان مُعلّق. إلا أن الخبراء السياسيين يقولون إنه إذا حصلت إحدى المجموعات على أكثر من 40% من أصوات الناخبين في نظام التمثيل النسبي، فإنه من الممكن أن تحصل هذه المجموعة على أكثر من 65% من المقاعد الفردية بنظام الفوز بأكثرية الأصوات، ما قد يمكن هذه المجموعة من تحقيق أغلبية في البرلمان. وتلك هي الجائزة الكبرى.

2. الأحزاب

  • الحزب الديمقراطي

يُعد الحزب الديمقراطي (PD)، اليساري الوسطي، العمود الفقري للائتلاف الحاكم بقيادة رئيس الوزراء باولو جينتيلوني. وقد أُعيد انتخاب رئيس الوزراء السابق، ماتيو رينزي، رئيسًا للحزب بناءً على برنامج إصلاحي في نيسان/أبريل 2014.

وعندما تبوأ منصب رئيس الوزراء عام 2014، استطاع رينزي إحياء الحزب الديمقراطي، مستعينًا بكاريزميته ونشاطه. إلا أن استطلاعات الرأي الحالية تظهر أن شعبية الحزب تأتي بعد ائتلاف يمين الوسط، وحركة النجوم الخمسة.

ويدعم الحزب الديمقراطي بشكل أساسي السياسات الأوروبية، والدمج الاجتماعي للمهاجرين. واستمر الحزب في السلطة منذ عام 2013، وهي الفترة التي شهدت تعافيًا اقتصاديًا إلى حد كبير، واستيعاب مزيد من العمالة. وعلى الرغم من ذلك، لم يشعر كثير من الإيطاليين بهذه الإنجازات. كما يمتلك الحزب قوةً في المناطق الوسطى من البلاد، وفي أوساط كبار السن، والطبقات المثقفة.

  • حركة النجوم الخمسة

شاركت حركة النجوم الخمسة (M5S) في الانتخابات العامة للمرة الأولى عام 2013، عندما فازت بنسبة 25% من أصوات الناخبين، فارضةً نفسها كقوة رئيسية في الحياة السياسية الإيطالية.

وأسس هذه الحركة، الممثل الكوميدي بيبي غريللو، ومستشار الإنترنت الراحل، جيانروبرتو  كازاليجيو -الذي جاء من بعده ابنه ديفيد كازاليجيو- لتصبح منبرًا داعيًا لتطبيق الديمقراطية المباشرة، والاقتصاد الأخضر، ومكافحة الفساد. وكان مرشحها لرئاسة الوزراء هو لويجي دي مايو.

ومنذ ذلك الحين، سُلطت الأضواء على هذه الحركة بسبب الانقسامات الداخلية، والافتقار إلى الخبرة، وسوء الإدارة في روما، حيث تتقلد الحركة رئاسة البلدية.

  • حزب فورزا إيطاليا

سيطر حزب برلسكوني اليميني الوسطي، فورزا إيطاليا (FI)، على الحياة السياسية في البلاد منذ دخوله المشهد السياسي عام 1994، عندما شغل رجل الأعمال الشهير في مجال الإعلام، أرفع منصب سياسي في البلاد للمرة الأولى. وحتى عندما كان الحزب في المعارضة خلال الفترة من 1996 إلى 2001، ومرة أخرى من 2006 إلى 2008، كان بمثابة القوة السياسية المحافظة الرئيسية في إيطاليا.

تأسست حركة النجوم الخمسة على يد ممثل كوميدي سابق، وتتبنى سياسات الديمقراطية المباشرة والاقتصاد الأخضر ومكافحة الفساد البيروقراطي

وبلغ الحزب أوج قوته عام 2008، عندما أعيد انتخاب برلسكوني رئيسًا للوزراء للمرة الثالثة. إلا أن هذا الدعم الذي يحظى به الحزب قد انخفض إلى 15%، بعد إجبار برلسكوني على تقديم استقالته من رئاسة الوزراء في تشرين الثاني/نوفمبر من عام 2011، على خلفية مخالفات قانونية شخصية، وفضائح جنسية، بالإضافة إلى سوء إدارة أزمة الديون الإيطالية.

اقرأ/ي أيضًا: "حتمية" انهيار الاتحاد الأوروبي.. مطالب الانفصال ليست كتالونية فقط

وعلى الرغم من الحظر المفروض على برلسكوني البالغ من العمر 81 عامًا، من تبؤ أي منصب عام، بسبب الإدانة في قضايا تهرب ضريبي، إلا أنه يقود الحملة الانتخابية لحزبه، وربما يكون صانع القرار السياسي الرئيسي بعد الانتخابات.

وحقق الحزب اليميني الوسطي طفرة في الانتخابات البلدية والمحلية عام 2017، وذلك عندما استطاع السيطرة على الحكم في مدينة جنوة، والحصول على منصب حاكم صقلية.

  • حزب رابطة الشَّمال

يُعد حزب رابطة الشمال (LN) من الأحزاب المناهضة للاتحاد الأوروبي، وهو مناهض أيضًا للهجرة، ويتمركز في شمال البلاد. وعلى الرغم من أن الحزب قد قام على فكرة الفيدرالية المالية وعدم التابعية لروما بل حتى الانفصال عنها، إلا أنه قد تحول الآن إلى أجندة يمينة شعبوية متطرفة أكثر تقليدية، على غرار حزب الجبهة الوطنية الفرنسي.

وقد ازداد الدعم الذي يحظى به الحزب وفقًا لاستطلاعات الرأي خلال السنوات الثلاث الماضية، على خلفية ارتفاع حدة النبرة المناهضة للهجرة في أعقاب أزمة الهجرة الإيطالية. وقد كان الحزب من بين الأحزاب الهامشية داخل ائتلاف يمين الوسط في الانتخابات العامة السابقة، إلا أنه أصبح قادرًا في الوقت الراهن على تعزيز قاعدة دعم لا تقل عن حزب فورزا إيطاليا.

  • حزب الحرية والتكافؤ

بعد أن خسر رينزي والحزب الديموقراطي الاستفتاء على الدستور في عام 2016، انشقت مجموعة من اليساريين بما في ذلك قدامى السياسيين بالحزب، مثل ماسيمو داليما و بير لويجي برساني، وشكلت هذه المجموعة قوة سياسية جديدة. وقد تطور هذا الأمر ليصبح بعد ذلك حزب الحرية والتكافؤ بقيادة المدعي العام السابق لمكافحة المافيا، ورئيس مجلس الشيوخ، بيترو غراسو.

وأصبح هدف الحزب هو الحصول على أصوات الإيطاليين اليساريين الذين خاب أملهم في الحزب الديمقراطي بسبب وسطيته المبالغ فيها من وجهة نظرهم، بالإضافة إلى عدم رضاهم عن أسلوب قيادة رينزي. ولكن من خلال العمل بشكل منفصل عن الحزب الديمقراطي، وضع الحزب نفسه في مواجهة الانتقادات التي من شأنها أن تمهد الطريق لانتصار يمين الوسط أو النجوم الخمسة.

  • حزب إخوة إيطاليا

حزب إخوة إيطاليا والذي يرمز له اختصارًا بـ"FdI"، هو حزب المحافظين الوطنيين بقيادة جيورجيا ميلوني، وهي سياسية من روما ورئيسة الحزب، وقد شغلت منصب وزيرة في حكومة برلسكوني السابقة.

يعكس اسم الحزب عنوان النشيد الوطني الإيطالي، كما يكتظ برنامجه بسياسات معادية للهجرة والعولمة.

وينحدر حزب إخوة من إيطاليا من الحركة الاجتماعية الإيطالية، التي ورثت دور الحزب الفاشي الإيطالي المخلوع في إيطاليا ما بعد الحرب العالمية الثانية.

3. النتائج المحتملة

وفقًا لآخر التوقعات لتوزيع المقاعد، فلن يحصل أي حزب أو ائتلاف على أغلبية، أي ما لا يقل عن 316 مقعدًا. ومن بين الائتلافات المحتملة، استنادًا إلى الاقتراع الحالي، ما يلي:

  • التحالف الكبير: يسار الوسط ويمين الوسط

وسيكون هذا أكبر ائتلاف ممكن، ومن المحتمل أن يشكل حكومة تكنوقراط يديرها الرئيس الإيطالي سيرجيو ماتاريلا، من أجل الحفاظ على الاستقرار. ولكن في الواقع فإن أي تحالف كبير من المرجح أن يكون أقل بكثير من أن يستحوذ على أغلبية، مع انشقاق أجزاء من يمين الوسط، وخاصة رابطة الشمال وإخوة إيطاليا، وكذا يسار الوسط، وخاصة الفصائل اليسارية من الحزب الديمقراطي.

وقد دفع هذا الأمر العديد من الخبراء السياسيين إلى التساؤل عما إذا كانت الأرقام ستضاف إلى ائتلاف كبير قادر على العمل بعد التصويت أم لا.

  • حكومة مناهضة لليورو: حركة النجوم الخمسة ورابطة الشمال وإخوة إيطاليا

سيكون السيناريو الأقل استقرارًا بالنسبة للاتحاد الأوروبي، هو الفوز القوي لحركة النجوم الهمسة، خاصة مع سعي الحركة إلى تشكيل شركاء مناهضين لمنطقة اليورو، بالإضافة إلى مراجعة عضوية إيطاليا في الناتو وتبني موقف متشدد بشأن الهجرة.

ولكن هناك مجموعة واسعة من وجهات النظر حول كل من هذه المواضيع حتى داخل الأطراف المناهضة للسلطة، لذلك فمن غير الواضح إذا ما كانت الحركة قادرة على إيجاد أرضية مشتركة أم لا.

  • هشاشة وانتخابات جديدة

والنتيجة الأكثر ترجيحًا هي تكوين ائتلاف كبير ضعيف وهش وغير مستقر على الإطلاق، أو حتى حكومة أقلية، حيث يقوم المشرعون بالتنقل بين الجوانب والولاءات المختلفة على أساس الأصوات الفردية في البرلمان.

النتيجة المرجحة لانتخابات إيطاليا، هي تشكيل ائتلاف حكومي واسع لكنه ضعيف وهش، وقد تخفق جهود تشكيل ائتلاف ما يعني إعادة الانتخابات

وفي حال إذا ما أخفقت الجهود المتكررة لتشكيل حكومة بعد التصويت، قد يضطر ماتاريلا إلى إجراء انتخابات جديدة، ما يطيل حالة عدم الاستقرار السياسي في إيطاليا، وهو السيناريو القريب من ذلك الذي شهدته إسبانيا في السنوات الأخيرة.

 

اقرأ/ي أيضًا:

ماذا تعني نتيجة استفتاء إيطاليا؟

فيديو: الإيطاليون عرب أوروبا!