ما إن يُعرض موضوع المرأة، يبدو كأن أحدهم يطلّ من مكان خفيّ واضعًا يده على الزناد ليغتال الإجابة إن لم تعجبه، وآخرُ يطلُّ من زاوية أخرى مترصّدًا للأول متى ما أطلق النار، وهكذا يجد الواحد منا نفسَه محجوزًا بين طرفي نزاع لا شأن له بهما، ولا هو حتى بطرف ثالث.. ولكن هذه هي المشكلة أساسًا، تحويل دلالات معينة إلى ساحة حرب محتملة.. في هذا المقال الذي يتناول بعض ما كتب عن المرأة، سنحاول تجنب كل الألغام المدفونة في أرض المسألة، وسنزرع مكانها ورودًا، من أجل المرأة، تلك التي جعلتها الحروب المخوضة باسمها أشد بؤسًا.
كتب منوعة.. عن المرأة.. ولها
مؤلفات كثيرة وكتب عن المرأة، ولا عدّ لها، اختيرت هذه القائمة الصغيرة من بينها في محاولة لعرض نماذج منوعة، ليس هدفها حصر الحديث عن المرأة في قالب معين، أو تسليط الضوء على جانب من جوانب حياتها دون آخر، وإنما بهدف محاولة الإحاطة بعدة جوانب تمس المرأة وقضاياها ومكانتها في المجتمع الإنساني. وهذه عناوين الكتب في مقال اليوم
- صلاة طعام حب
- امرأة من طراز خاص
- سيكولوجية المرأة القوية
- النسوية للجميع.
-
طعام صلاة حب
من أكثر الكتب مبيعًا، هكذا يوصف كتاب الصحفية والكاتبة إليزابيث جيلبرت، الذي يمثل سيرة ذاتية أو مذكرات مكتوبة بنمط روائي، في هذا الكتاب تتحدث جيلبرت عن نفسها، عن تجربتها الذاتية عندما وقفت على حافة الانهيار بسبب مشاكلها الزوجية وطلاقها، ثم خوضها قصة حب فاشلة. فقررت جيلبرت إنقاذ نفسها بخوض رحلة لمدة عام في 3 أمكنة (إيطاليا للأكل، الهند للصلاة، إندونيسيا للحب).
تراوحت ردود الفعل والانتقادات على الكتاب، فالبعض وجده سطحيًا خاليًا من عمق التجربة، ويتمحور حول تجربة مغرقة في الذاتية، ويفتقر إلى تتبع لحظات النمو الروحي والنفسي للكاتبة. ومما زاد حدة الانتقادات اعتبار الكتاب يمثل امتيازًا للعرق الأبيض، فهي امرأة ثلاثينية بيضاء ثرية، قادرة على السفر بحرية لخوض تجربة التشافي تلك دون عوائق. كما أن الفترة التي قضتها في كل بلد لم تكن كافية لإبراز السمات الثقافية المختلفة أو تشبّع الكتاب بروح التجربة.
ولكن للحق فإن إليزابيث نفسها تعي ذلك، وتعترف بأن ما أتيح لها ليس متاحًا للآخرين، وكانت تتحرى الصدق في وصف تجاربها، وعوضت ذلك بأسلوبها السردي المميز وحس فكاهتها البارز وسردها العفوي والقريب إلى النفس، الذي يُشعر القارئ بأنه يحظى بمتعة الاستماع إلى مغامرات أحد أصدقائه. يظل هذا الكتاب عن المرأة ممتعًا ولطيفًا وينصح بقراءته، وهو مترجم عن إصدارات الدار العربية للعلوم ناشرون.
-
امرأة من طراز خاص
يقدم المحاضر والتربوي المصري كريم الشاذلي من خلال كتابه امرأة من طراز خاص للمرأة 5 عادات تعينها على تحقيق أهدافها وتحقيق التوازن في حياتها، من خلال الأدوار المتعددة التي تضطلع بها، ومما يشجع على قراءة كتب الشاذلي عمومًا سهولة اللغة وبساطة الطرح التي لا تخلّ بثقل الفكرة وعمقها، ومواضيع كتبه هامة ومتنوعة وتخدم الأسرة والفرد على حد سواء، لذلك تلقى مؤلفاته إقبالًا من القراء.
يخصص كتابه هذا للمرأة تحديدًا، ويحاول إيجاد توليفة من العادات المتكاملة التي تخدم المرأة الطموحة، وهذه العادات هي:
- العادة الأولى المبادرة والإمساك بزمام الحياة بقبضة ثابتة أمام العقبات والتحديات، والتحلي بروح المسؤولية لتخطيها.
- العادة الثانية هي الثقة بالنفس بوصفها مفتاحًا للنجاح ولاستغلال المواهب وإبراز التفرد الذاتي.
- العادة الثالثة رسم الأهداف التي تعين على تحديد الخطوات التي ينبغي اتباعها للوصول إلى الغايات.
- العادة الرابعة متعلقة بمهارات الذكاء الاجتماعي والتحلي بالصفات التي تخدم المرأة في إدارة علاقاتها في الدائرة الخاصة والقريبة والأبعد.
- العادة الخامسة والأخيرة وهي التي تلخص زبدة الفائدة من العادات السابقة كلها وهي إدارة الأولويات، وتنظيم الوقت والتخطيط للمهام حسب أولويتها.
من مميزات هذا الكتاب عن المرأة أنه يحتوي في ختام كل فصل على مساحة لكتابة الملاحظات، وهذا يتيح للقارئة التفاعل المباشر مع محتوى الكتاب، كما يحيل في عدة مواضع إلى مواقف من السيرة أو السنة، وكذلك لشخصيات أخرى لها قصص ملهمة، مما يجعله كتابًا ابن بيئته، بمعنى أنه يتلاءم مع البيئة التي يتوجه إليها، التي تصطبغ بصبغة التراث العربي والإسلامي عمومًا.
-
سيكولوجية المرأة القوية
يتناول كتاب سيكولوجية المرأة القوية دراسة تحليلية تبرز معنى المرأة القوية والصفات التي تجعلها كذلك، ويفسر معنى القوة التي ينبغي على المرأة التمتع بها، ويهدف إلى مساعدة المرأة على فهم نفسها وتنمية شخصيتها لتحقيق أهدافها، ويعرض الكتاب أفكاره ضمن 4 فصول، وهي كالآتي:
- يتناول الفصل الأول الحديث حول مفهوم العنوان (المرأة القوية) والتي تتحلى بعدة صفات، وليست كلها صفات نفسية، فالقوة الجسدية مطلوبة ويعني بها صحة الجسد ككل، بالإضافة إلى الصحة النفسية والفكرية.
- يتحدث الفصل الثاني عن الأسباب الداعية إلى ظهور المرأة القوية، كالتغييرات الاجتماعية والاقتصادية والأكاديمية والتقنية كذلك. بالإضافة إلى الوعي النسوي الذي عزز سعي المرأة إلى نيل حقوقها المختلفة. مما سبب تغير نظرة المرأة إلى نفسها وجعلتها ترغب في خوض التجارب والتحرر من القيود.
- يوضح الفصل الثالث بالتفصيل السمات النفسية التي تتحلى بها المرأة القوية في جوانب حياتها المختلفة وعلاقاتها، كتحمّل المسؤولية، واتخاذ القرارات باستقلالية ومواجهة التحديات بصبر وعدم الاستسلام.
- يتحدث الفصل الأخير عن دور المرأة في المجتمع وتنميته، بوصفها أمًّا قوية تنشئ جيلًا حرًا قويًا، وكذلك دورها في مجالات العمل والتقدم الاقتصادي، وكذلك الجانب السياسي ودورها في تولي المناصب السياسية وصنع القرار لتحسين حال المجتمع. يبقى أن نقول إن الكتاب من تأليف صلاح عيسى، ويقع في 160 صفحة، وصادر عن دار شغف.
-
النسوية للجميع.. السياسات العاطفية
تحيط بفكرة النسوية الكثير من المآخذ والانتقادات، ولا يشفع لهذه الفكرة ثورية المنطلق كونها تخضع لسوء فهم شديد لدى معتنقاتها قبل الآخرين. فمعظم الأفكار الدارجة حول النسوية لا تتجاوز ما يشاع عن كونها كراهية النساء الغاضبات للرجال، وسعيهن لإفراغ هذا الغضب بفرض هيمنتهن مقابل هيمنة الرجل. فهل هذا فقط ما تدور حوله النسوية فعلًا؟
تجيب بيل هوكس على ذلك في مؤلفاتها العديدة، وخاصة كتاب نسوية للجميع، الذي يعد مدخلًا لأولئك الذين لم يتعرفوا على جوهر النضال النسوي والحركة النسوية، بأنها حركة تسعى إلى العدالة والمحبة، والتخلص من الهيمنة الأبوية، وهي هنا لا تعني الأبوة ولا الرجولة كمضامين، بقدر ما تعني الهيمنة الظالمة لكل قوي ضد كل ضعيف، وهذه الهيمنة تؤذي المرأة والطفل والرجل على حد سواء، وهي تشمل -الهيمنة الأبوية- هيمنة الرأسمالية الإمبريالية، والنظرة العرقية محدودة الأفق، التي لوثت حتى النسوية نفسها، فصارت الحركة النضالية مثقلة بخطاب النسويات النخبويات الفارضات لتفوق عرقهن الأبيض ونخبويته على ممارسات النسوية والتنظير لها.
اختارت الكاتبة اسمها تيمنًا باسم جدتها تكريمًا لنضال السود ضد العبودية ككل، وخصوصية نضال المرأة السوداء ضد العبودية التي تكبّلها من كل جهة، فهي تقابل عنصرية عديدة المستويات لا شكلًا واحدًا منها. وكذلك حال كل النساء المنتميات إلى أعراق مختلفة في مواجهة التفوق الأبيض الشاحب.
الكتاب يرفض اللغة النخبوية الأكاديمية المغرقة في تعقيدها عند الحديث عن النسوية وهذا ينعكس في لغته نفسها، دون الإخلال بعمق الأفكار المطروحة طبعًا، كما يطالب النخبوية النسوية باستيعاب الفوارق بين النساء وظروفهن ومرجعياتهن وانتماءاتهن، والاقتراب من حياتهن الحقيقية المعاشة، وعدم نبذها لصالح نمط حياة فئة معينة من النساء ممن يحظين بمميزات تعطيهن الحق (أو هكذا يتصورن) للتحدث باسم النساء ككل، بينما هن في الواقع لا يقتربن ولو بقليل من معاناة أولئك النساء الأقل حظًا.
الكتاب رغم صغره (170 صفحة) إلا أنه مفعم بالكثير من الأفكار التي تستحق الاطلاع عليها، وهو من منشورات دار جدل بترجمة منير عليمي.
بعد ذكر مجموعة مما كتب عن المرأة، يحضرني خاطر حول رواية (القرن الأول بعد بياتريس) لأمين معلوف، التي يعالج من خلالها مسألة غاية في الخطورة، وأنا هنا قد أستشهد بالرواية باقتضاب مُخلّ، إلا أن هذه الفكرة تدور عمومًا حول اختيار النسل لدى المجتمعات منذ فجر التاريخ، وتفضيل إنجاب الذكور على الإناث، وخلق عالم متخيل تتحقق فيه بالأرقام هذه المعادلة، فيزيد عدد الذكور عدد الإناث بأضعاف، ويوضح كيف سينعكس ذلك على الحضارة البشرية هدمًا وتقويضًا لأساس الوجود البشري، حين يفتقر العالم للإناث، فيختل ميزان التكاثر، ويختل مفهوم السّكن، سكن الرجل إلى أنثاه واطمئنانه إليها، وتهدئة فورته الغريزية وعنفه وشراسته.
لا شك في أن تخيل واقع لا وجود للإناث فيه يشكل صورة لكابوس لن ترغب البشرية في عيشه، والفكرة وإن كانت مغرية ومرضية لغرور المجتمعات التي تريد الذكور وتفضلهم، إلا أنها تجلب إلى البشرية الويلات إذا ما أخذ بعين الاعتبار تبعات هذا الاختلال. وهو ما يحاول معلوف تخيله في الراوية؛ مقدار الوحشية التي ستسيطر على العالم لو تحققت هذه النبوءة المشؤومة. قد يقول قائل: وحشية أكثر مما شهدناه ونشهده؟ نعم، وحشية أكثر فتكًا، وأشرس بمئات المرات، لأنه لا شيء سيصمد أمام العنف الغريزي الذي سيغرق سكان العالم.
