21-فبراير-2019

ولدت المرأة السودانية شعار الانتفاضة الأبرز "تسقط بس" (أ.ب)

عادة ما تنطلق المواكب الجماهيرية الداعية لإسقاط النظام السوداني بزغرودة نسوية، كإشارة البدء، ومن ثم تشتعل الشوارع بالهتاف، وتلوح أيضًا الأيادي المخضبة بالشعارات وشتول الحناء، وهو ما جعل الاحتجاجات عمومًا تكتسب طابعًا أنثويًا، فبدت مظاهر الثورة كما لو أنها ليلة عرس.

للمرأة السودانية دور مؤسس في الانتفاضة التي تشهدها البلاد، بالمشاركة في الشارع، وبرمزية هتافاتها وشعاراتها وزغاريدها

المشاركة الفاعلة للمرأة السودانية في العمل العام، دفعتها للخروج إلى الشارع والمطالبة بحقوقها، إلى حد سواء مع الرجال، رغم المخاطر المتمثلة في الاعتقالات وقنابل الغاز والضرب، بل مواجهة الرصاص الحي أحيانًا.

اقرأ/ي أيضًا: صراع السودانيات لأجل الحقوق الأساسيّة.. خطوة للأمام وخطوتان للخلف

صوت المرأة ثورة

كان مثيرًا للاهتمام أن شعار "تسقط بس"، الذي أصبح الوسم (هاشتاغ) الأكثر انتشارًا في مواقع التواصل الاجتماعي بالسودان، جاهرت به فتاة أول الأمر، وذلك بعد أن ألقت السلطات القبض على خطيبها، فكتبت له رسالة على صفحتها بفيسبوك، قائلة: "حكومة تحرمني منك يوم وليلة، تسقط بس".

ومن بعدها استعادت النساء المشاركات في العمل الجماهيري وصف "كنداكات السودان"، إشارةً إلى ملكات حكمن السودان القديم، وأصبحت كل فتاة ثائرة "كنداكة" تقريبًا، مع كتابة الأشعار والصور التي تمجد هذه المواقف، إلى درجة ترديد أشعار وعبارات على شاكلة: "يا أم ضفائر، قودي الرسن، وأهتفي فليحيا الوطن"، أو "صوت المرأة ثورة".

موكب النساء المعتقلات

لا توجد إحصائية نهائية حول عدد النساء المعتقلات في سجون الحكومة السودانية. لكن تقديرات تشيرات إلى مئات المعتقلات، وذلك نسبة للمشاركة الكبيرة في الاحتجاجات المتواصلة، وهو السبب الذي دفع تجمع المهنيين السودانيين الذي يقود الحراك، إلى تخصيص موكب تضامني أطلق عليه "موكب النساء المعتقلات"، وتحرك الموكب صوب سجن النساء بأم درمان، بدعم وموزارة من الرجال.

وتمكن ذلك الموكب من كسر الطوق الأمني والاقتراب من تخوم السجن، مصحوبًا بشعارات تطالب باطلاق سراح كافة المعتقلات. وكانت على رأس الموكب مبادرة "لا لقهر النساء" المعنية برصد الانتهاكات ومقاومة القوانين المسيئة للمرأة السودانية، مثل قانون النظام العام.

سجن النساء

ووفقًا لمصادر صحفية، فإن الفتيات الموقوفات من المظاهرات، إما أن يطلق سراحهن بعد التحقيق معهن، أو يرسلن إلى سجن النساء بأم درمان. وكثير منهن يعانين من مشاكل صحية بسبب سوء ظروف الاعتقال.

ومن أشهر المعتقلات رئيس الاتحاد النسائي السوداني، عديلة الزيبق، وعضوة اللجنة المركزية لحزب الشيوعي فايزة إبراهيم، وعضوة نقابة أطباء السودان المركزية هبة عمر، والأستاذة بجامعة الأحفاد هادية حسب الله، والصحفية الحائزة على جائزة منظمة العفو الدولية في عام 2015 أمل هباني، وغيرهن كثيرات.

كما تعرضت عديد الصحفيات للاعتقال أكثر من مرة أثناء تغطيتهن للاحتجاجات، علاوة على اعتقال النائبة البرلمانية عن حزب المؤتمر الشعبي نوال خضر، والتي أطلق سراحها بسبب الحصانة الدستورية، فظلت تهتف بسقوط النظام حتى تحت قبة البرلمان.

المرأة في الانتفاضة السودانية
مشاركة فاعلة وأساسية للمرأة في الانتفاضة السودانية

 وقالت نوال في تصريحات صحفية عقب إطلاق سراحها: "احتجزت لعدة ساعات في مكتب من قبل رجال يرتدون الزي المدني، وبعضهم ملثم، برغم إخطاري للمحتجزين بأني نائبة في البرلمان. وبعدها أطلق سراحي، لكن بعد إهانتي إهانة بالغة".

وتُحتجز حاليًا عدد من النساء اللواتي خرجن للتظاهر، أو لديهن مواقف مناهضة للنظام، وذلك في معتقل يطلق عليه اسم "البيت الأبيض" داخل سجن النساء، مكون من ثلاث زنازين، مساحتها ضيقة جدًا، وتنعدم فيها التهوية الكافية، كما تضم كل زنزانة ما بين تسع إلى عشر معتقلات، وفقًا لبعض من أفرج عنهن.

حكومة "منبرشات"

ثمة مجموعة مغلقة على تطبيق فيسبوك يطلق عليها اسم "منبرشات"، وتعني "الحب الشديد"، أو "التعلق بالرجال"، حيث تضم مئات الآلاف من النساء السودانيات، وهي أشهر مجموعة سودانية تقريبًا تعرض القضايا والمشاكل الخاصة بالسيدات، وتبذل النصائح للحياة الزوجية والمشاكل العاطفية. 

لكن وعلى نحو شبه مفاجئ، تحولت المجموعة من دورها الأساسي إلى خدمة الانتفاضة السودانية. وأصبحت معظم النساء في المجموعة مشتغلات بالشأن العام، حتى أعلنت المجموعة انضواءها تحت "ميثاق الحرية والتغيير"، لتصبح رسميًا مجموعة سياسية ومعنية بالحقوق والحريات، ورصد الانتهاكات ضد المتظاهرين، بل نشر صور رجال الأمن الذين يقومون بعمليات الاعتقال والاعتداء على المتظاهرين، بما يُزعج السلطات فعليًا.

كسر الحظر والتابوهات

باتت المجموعة النسائية، وكأنها جهاز استخباراتي نسائي يُساعد المحتجين في الشارع بالكشف عن أسماء وصور، وأحيانًا عناوين، رجال الأمن الذين يعتقلون ويعتدون على المتظاهرين، ما دفع كثيرًا منهم إلى ارتداء الأقنعة ليمنعوا انكشاف هوياتهم. ووجدت المجموعة صدى واسع داخل وخارج السودان، حتى كتبت عنها مواد صحفية في صحف ومؤسسات إعلامية أجنبية

المرأة في الانتفاضة السودانية
تصالحت كثير من الأسر السودانية مع حالات خروج بناتهن للتظاهر

وعطفًا على ذلك، تصالحت كثير من الأسر السودانية مع حالات خروج بناتهن للتظاهر، في حين كان سابقًا خروج المرأة أو الفتاة من بيتها أمرًا مرفوضًا بالجملة، أو غير محبذ على الأقل، لتحدث الانتفاضة ثورة في بنية المجتمع السوداني.

معاناة وتحرش

وفي السياق، تعرضت الصحفية السودانية درة قمبو للاعتقال أثناء تغطيتها لموكب أم درمان الأسبوع الماضي، قبل أن يُطلق سراحها بالضمان، مع معتقلات أخريات، لكن بعد أن قيدت بلاغات ضدهن، إذ تواجه درة حاليًا في محكمة النظام العام، تهمًا بالشغب والإخلال بالسلم العام.

وتُرجع درة السبب الذي دفع النساء للمشاركة في التظاهرات بكثافة، إلى الاستهداف المستمر لهن من قبل الحكومة السودانية، وذلك بـ"تفصيل قانون ينتهك حريتهن ويتحكم في تفاصيل حياتهن بقسوة، أو عبر رجال الدين، وهذا ما أوقر صدورهن تجاه النظام الحاكم"، على حد تعبيرها.

 أحدثت الانتفاضة ثورة في بنية المجتمع السوداني، فتصالحت كثير من الأسر مع خروج بناتهن للتظاهر بعد أن كان خروج المرأة إجمالًا أمر مرفوض

وقالت درة لـ"ألترا صوت"، إن هناك "حالة وعي بين النساء، دفعتهن لإدراك حقوقهن المهضومة، ساهمت فيها كذلك ارتفاع نسبة التعليم بين النساء، وخروجهن للعمل ومواجهة الصعاب".

 

اقرأ/ي أيضًا:

المرأة السودانية.. العنف متواصل

المرأة السودانية في مخيال البشير