19-ديسمبر-2019

أثارت القمة مخاوف السعودية والإمارات (الأناضول)

الترا صوت – فريق التحرير

على الرغم من عدم نشر أي أجندة رسمية للقمة التي تستضيفها العاصمة الماليزية كوالالمبور، فإنه من المتوقع مناقشتها لمجموعة من القضايا الأساسية الخاصة بنزاعات الشرق الأوسط، ومكافحة ظاهرة الإسلاموفيا، فيما كان مفاجئًا تقديم رئيس الوزراء الباكستاني عمر خان اعتذاره عن الحضور قبل انعقادها بيوم واحد، بعدما كان أحد المحركين الأساسيين لتنظيمها خلال الفترة الحالية.

بدأت وسائل إعلام سعودية حملة ممنهجة منذ يومين تنتقد الدول المشاركة في قمة كوالالمبور عبر مزاعم تتحدث عن تشكيلهم مجموعة مصغّرة بديلًا عن منظمة التعاون الإسلامي في الرياض

مشاكل العالم الإسلامي على جدول أعمال القمة

وفقًا للأجندة التي توقعت وكالة رويترز مناقشتها خلال القمة، فإنها تشير لمناقشة الأقاليم والدول التي يتعرض فيها المسلمون للانتهاكات، فقد ذكرت الوكالة أنه من المتوقع تناول النزاعات القائمة منذ زمن طويل في إقليم كشمير المتنازع عليه بين باكستان والهند، والشرق الأوسط، والأوضاع في سوريا واليمن، ومحنة أقلية المسلمين الروهينغا في ميانمار، وتنامي الغضب من معسكرات الصين للمسلمين الأويغور في إقليم شينجيانغ، إضافة إلى سبل مكافحة ظاهرة الإسلاموفوبيا في العالم.

اقرأ/ي أيضًا: عودة "الثعلب العجوز".. كيف فاز مهاتير محمد وما المتوقع في عهده؟

إلا أن من مؤكدات الأجندة الرسمية إدلاء رئيس الوزراء الماليزي مهاتير محمد، والرئيس التركي رجب طيب أردوغان بآرائهما خلال القمة التي تستمر من يوم 18 حتى 21 من الشهر الجاري، ويحضرها إلى جانب المسؤوليّن الماليزي والتركي، أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، والرئيس الإيراني حسن روحاني.

وقال مكتب رئيس الوزراء الماليزي إنهم أرسلوا دعوات لجميع الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي، وعددها 56 دولة، لكن مسؤولين قالوا إن نحو 20 دولة فقط سترسل وفودًا، وإن عددًا أقل سيكون ممثلًا بزعماء.

والحديث عن قمة كوالالمبور قد أشير إليه أول مرة خلال مؤتمر صحفي عقده مهاتير محمد مع الرئيس التركي في إسطنبول في تموز/يوليو الماضي، عندما قال: "عبر توحيد عقولنا وقدراتنا، يمكننا النهوض بالحضارة الإسلامية العظيمة التي كانت موجودة يوما مًا، وذلك بالعمل المشترك بين ماليزيا وتركيا، وبالتعاون مع باكستان في الوقت ذاته"، مشددًا على أنه يجب على البلدان الإسلامية أن تكون جميعها متطورة، وينبغي على دولة ما أن تحقق هذا الهدف.

وكانت قمة كوالالمبور الإسلامية للشباب قد اختممت أعمالها قبل ساعات من موعد العشاء الذي حضره المشاركون في القمة أمس الأربعاء، وأعلن في نهاية القمة عن إطلاق خمسة مشاريع في قطاعات مرتبطة بالتنمية البشرية والتنمية المستدامة.

ضغوط خليجية على إسلام آباد للانسحاب من القمة

إلا أن القمة شهدت قبل بدايتها حادثًة من الممكن أن يكون لها تأثيراتها على المخرجات التي ستصل إليها في اليوم الأخير، إذا إنه بعد اعتذار رئيس إندونيسيا جوكو ويدودو، الذي سيحضر بدلًا عنه نائبه والمشرف على جهود مكافحة التطرف والإرهاب معروف أمين، اتخذ رئيس الوزراء الباكستاتي عمران خان في اللحظات الأخيرة قراره بعدم الحضور، وسط تقارير عن ممارسة الرياض ضغوطًا على المسؤول الباكستاني لحثه على عدم الذهاب إلى القمة.

وفي حين نقلت صحيفة العربي الجديد عن مصادر لم تسمها أن قرار خان إلغاء مشاركته في القمة جاء "نتيجة ضغوط خليجية"، فإن صحيفة إكسبرس تريبيون الباكستانية أشارت إلى أن قرار خان جاء بسبب "تحفظات السعودية"، بعد زيارته الأخيرة التي أجراها إلى الرياض يوم الأحد الماضي، والتقى خلالها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، مضيفًة أن ابن سلمان أكد لرئيس الوزراء الباكستاني على أن "المشاركة في القمة لن تكون على حساب السعودية".

وفي خبر ورد عبر صحيفة ذا نيوز الباكستانية عقب الزيارة التي أجراها للرياض، قال الموقع إن إسلام آباد حصلت على ضمانات وفقًا لشروط صندوق النقد الدولي بقيمة خمسة مليارات دولار من الودائع من السعودية والإمارات مع بنك الدولة الباكستاني (SBP) لمدة عام واحد، مشيرًة إلى أن الحكومة الباكستانية تدرس خيارات تقديم طلب إلى البلدين لتحويل هذه الودائع إلى قروض حكومية ثنائية، فيما نوهت الصحيفة عينها في خبر آخر لها إلى أن ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد كان قد نقل قلقه من مشاركة باكستان إلى قائد القوات الباكستانية الجنرال قمر جواد بجوا قبل أربعة أيام من موعد انعقاد القمة، دون أن تحدد كيف نقل له هذا القلق.

لماذا تخشى السعودية من قمة كوالالمبور؟

بدأت وسائل إعلام سعودية حملة ممنهجة منذ يومين تنتقد الدول المشاركة في قمة كوالالمبور عبر مزاعم تتحدث عن تشكيلهم مجموعة مصغّرة بديلًا عن منظمة التعاون الإسلامي في الرياض، وما رافق هذه الحملة من ترويج لتصريحات منسوبة لرئيس الوزراء الماليزي، يقول فيها إن الهدف من القمة هو أن "تحل محل منظمة التعاون الإسلامي وإنشاء تكتل إسلامي جديد بعيدًا عن السعودية".

إلا أن مكتب مهاتير محمد سرعان ما رد على التصريحات المنسوبة للمسؤول الماليزي في بيان أكد على أنها "لا تهدف إلى إنشاء كتلة إسلامية جديدة كما أشار إليه بعض منتقديها"، مضيفًا أن "القمة ليست منبرًا لمناقشة أمور تتعلق بالدين الإسلامي، وإنما عقدت خصيصًا لمعالجة حال الأمة المسلمة"، لافتًا إلى أن "القمة تحاول إطلاق نهج جديد في تعاون الأمة الإسلامية".

وحاولت الرياض استثمار جنودها من الذباب الإلكتروني بإطلاقها وسم "قمة الضرر" للتأثير على مخرجات البيان الختامي للقمة، وكان من بين الأسماء التي استعملت الوسم المنتشر في تغريداتها، وزير الخارجية البحريني خالد بن أحمد، الذي غرَد قائلًا: "تأكيد الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز على أهمية العمل المشترك ضمن إطار منظمة التعاون الإسلامي، بعكس من حاول السيطرة عليها وحين فشل يحاول تدميرها وشق صفها الآن".

من جهته، نقل موقع سكاي نيوز عربية الذي تديره الإمارات على لسان الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي يوسف العثيمين قوله إنه "ليس من مصلحة الأمة الإسلامية عقد القمم واللقاءات خارج إطار المنظمة، خصوصًا في هذا الوقت الذي يشهد فيه العالم صراعات متعددة"، مشيرًا إلى أن "عقد مثل هذه اللقاءات خارج إطار المنظمة سيضعف قوة التصويت لدى العالم الإسلامي أمام المجتمع الدولي".

ونقلت وكالة رويترز عن مصدر سعودي تلقي الرياض دعوًة لحضور القمة، لكنها قالت إنها لن تحضر إلا إذا عقدت تحت رعاية منظمة التعاون الإسلامي، وأرجعت الرياض عدم حضورها القمة إلى أنها ليست الساحة المناسبة لطرح القضايا التي تهم مسلمي العالم البالغ عددهم 1.75 مليار نسمة، إلا أن هناك بعض المحللين الذين يعتقدون أن الرياض تخشى العزلة الدبلوماسية في القمة من خصومها في المنطقة خاصة قطر وتركيا وإيران.

تثير مخاوف تل أبيب أيضًا!

المخاوف من المخرجات التي من الممكن أن تصدر عن القمة لم تقف عند الرياض أو أبوظبي، إنما امتدت إلى تل أبيب، وفقًا لورقة صادرة عن مركز القدس لدراسة المجتمع والدولة، الذي اعتبر أنه ستصدر عن القمة "مواقف معادية لإسرائيل بشكل صارخ"، وخصيصًا فيما يتعلق بالتعاطي مع الشعب الفلسطيني والقضية الفلسطينية، منوهًا لمواقف مهاتير محمد من الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، وانتقاده لمنظمة التعاون الإسلامي لعدم مساندتها الشعب الفلسطيني.

وأوضح المركز أن الدول المشاركة في القمة تمثل مئات الملايين من المسلمين، مشيرًا إلى أن تعاون هذه الدول سينجم عنه ثقل سياسي رادع يقلص من حدة المخاطر التي يتعرض لها المسلمون في العالم، لافتًا إلى أن السعودية بعد سماعها بالقمة عمدت لمهاجتمها عبر وسائل الإعلام التابعة لها خشية أن "توظف القمة في المس بمكانتها، بحيث تقدّم بديلًا من منظمة التعاون الإسلامي".

ما المنتظر من قمة كوالالمبور؟

تنصب معظم التحليلات الماليزية فيما يخص قمة كوالالمبور حول توجهات المشاركين لمناقشة قضايا، مثل حاجة العالم الإسلامي للعمل أكثر من الكلام، وحل الأزمات العاصفة به، أي أن المشاركين سيصوبون هدفهم في إطار "البحث عن حلول لقضايا العالم الإسلامي" وفقًا لتقرير وكالة الأناضول التركية الذي استطلع آراء أكاديميين ماليزيين حول القمة.

يشدد عضو الهيئة الدائمة المستقلة لحقوق الإنسان بمنظمة التعاون الإسلامي أحمد أعظم موهد شريف في حديثه للوكالة التركية على أن "العالم الإسلامي لم يعد بحاجة إلى إلقاء خطب ونشر إعلانات، وإنما بحاجة إلى العمل"، معتبرًا أن "الدول التي ستقود هذه القمة أكثر ديمقراطية وانفتاحًا مقارنًة بالدول الإسلامية الأخرى" على حد قوله، ولذلك يعتقد أن "خطط بناءة ستخرج من القمة. هذه المرة علينا أن نفكر بشكل متفائل".

اقرأ/ي أيضًا: اضطهاد الإيغور في الصين.. معسكرات اعتقال لتعليم الشيوعية!

ويتوافق حديث البروفيسور موهد عزيز الدين من ناحية مخرجات القمة مع كلام موهد شريف، إذ يؤكد عزيز الدين على قناعته بأن هذه القمة ستكون فرصة لتركيا وماليزيا "من أجل تقييم سبل إحلال السلام بالعالم الإسلامي، ومنطقة الشرق الأوسط"، لكنه لفت في مقابل ذلك إلى أنه "لا بد من تغيير بعض الخطابات من أجل تحقيق السلام بين بلدان العالم الإسلامي"، مشيرًا إلى أنه "على سبيل المثال، لا بد من إيجاد حل سلمي لأزمات السعودية مع كل من قطر وإيران.. أعرف أن هذا هدف كبير.. لكن إحلال السلام بالشرق الأوسط يتطلب أن تكون هذه الدول في سلام".

في حين نقلت صحيفة العربي الجديد عن مصادر لم تسمها أن قرار خان إلغاء مشاركته في القمة جاء "نتيجة ضغوط خليجية"، فإن صحيفة إكسبرس تريبيون الباكستانية أشارت إلى أن قرار خان جاء بسبب "تحفظات السعودية"

فيما رأت عضو هيئة التدريس بجامعة ماليزيا الوطنية شريفة منيرة آلاطاس أنه في حال تطرقت أنقرة وكوالالمبور خلال القمة إلى "موضوعات مثل الفساد في العالم الإسلامي، وعدم التسامح بين الأديان، واستخدام الدين الإسلامي كأداة للنقاشات السياسية، فلا شك أنهما من الممكن أن يتركا في قمة كوالالمبور، بصمة إيجابية على العالم الإسلامي"، متوقعة عدم وجود نتائج إيجابية في حال لم تناقش القمة هذه الموضوعات.

اقرأ/ي أيضًا:

 ما تريد معرفته عن قضية كشمير

تطهير الروهينغا عرقيًا.. أدلة جديدة على تورط جيش ميانمار