26-يوليو-2018

ساهمت السلطات بالتطهير العرقي الممنهج للأقلية المسلمة في ميانمار (Getty)

كانت عمليات الإبادة العرقية التي تعرضت لها الأقلية المسلمة في ميانمار، الروهينغا، من أكثر المشاهد دموية في القرن الواحد والعشرين، حيث أحدثت تغييرًا ديموغرافيًا مخططًا له في البلاد. وفي حين ترفض السلطات في ميانمار وصف ما يحدث بالإبادة، فإن مزيدًا من التقارير تظهر ضلوعها في عملية تطهير عرقي ممنهجة، وهو ما يكشف عنه هذا التقرير المترجم عن صحيفة "آيريش تايمز".


خطط جيش ميانمار بشكل منهجي لحملة إبادة جماعية للقضاء على مسلمي الروهينغا في البلاد، وفقًا لتقرير نشرته مجموعة حقوقية تدعى فورتيفاي رايتس، استنادًا إلى شهادات 254 ناجٍ ومسؤول وعامل على مدار 21 شهرًا. ويقول التقرير المكون من 162 صفحة إن نزوح نحو 700 ألف مسلم من الروهينغا إلى بنغلاديش العام الماضي - بعد حملة من المذابح الجماعية والاغتصاب وإحراق القرى في ولاية راخين في ميانمار - كان نتاج أشهر من التخطيط الدقيق من قبِل قوات الأمن.

إن نزوح نحو 700 ألف مسلم من الروهينغا إلى بنغلاديش العام الماضي كان نتاج أشهر من التخطيط الدقيق من قبِل قوات الأمن

وحددت منظمة فورتيفاي رايتس 22 ضابطًا عسكريًا وشرطيًا تقول إنهم مسؤولون بشكل مباشر عن الحملة الأمنية ضد الروهينغا، وأوصت مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بإحالتهم إلى المحكمة الجنائية الدولية.

وقال ماثيو سميث، أحد مؤسسي  فورتيفاي رايتس، "إن الإبادة الجماعية لا تحدث بشكل عفوي". وأضاف "إن الإفلات من العقاب على هذه الجرائم سوف يمهد الطريق لمزيد من الانتهاكات والهجمات في المستقبل".

وابتداءً من تشرين الأول/أكتوبر 2016، قام العسكريون والمسؤولون المحليون في ميانمار بتجريد الروهينغا بشكل منهجي من الأدوات الحادة التي يمكن استخدامها للدفاع عن النفس، ودمروا الأسوار المبنية حول منازل الروهينغا من أجل تسهيل الغارات العسكرية المسلّحة، وقاموا بتسليح وتدريب البوذيين في ولاية راخين، وأغلقوا الطريق أمام المساعدات الدولية لمجتمع الروهينغا الفقير، وفقًا لتقرير فورتيفاي رايتس.

اقرأ/ي أيضًا: تطهير الروهينغا عرقيًا.. مجزرة مستجّدة وتفاعل معتاد!

والأهم من ذلك، فقد أرسل الجيش مزيدًا من القوات إلى ولاية راخين الشمالية، حيث كان يعيش معظم الروهينغا الذين لا يحمل أغلبهم أي جنسية. وبحسب فورتيفاي رايتس، شاركت 27 كتيبة جيش على الأقل من ميانمار، قوامها 11,000 جندي، وثلاث كتائب شرطة قتالية على الأقل، قوامها حوالي 900 فرد، في عمليات إراقة الدماء التي بدأت في أواخر آب/أغسطس واستمرت لأسابيع بعد ذلك.

علامات الإبادة الجماعية

قال مسؤولون أمريكيون إن عمليات العنف وصلت إلى مستوى حملات التطهير العرقي المنظمة، ووصف أحد مسؤولي الأمم المتحدة الحملة المناهضة للروهينغا بأنها تحمل "علامات الإبادة الجماعية". وقدمت فورتيفاي رايتس رواية بديلة عن الطرح القائل بأن الفظائع التي قادها الجيش، والتي حدثت غالبًا بتحريض من السكان المحليين المسلحين بالسيوف في راخين، جاءت ردًا على هجمات مقاتلي الروهينغيا على مواقع الجيش والشرطة في 25 آب/ أغسطس 2017.

وصف جيش ميانمار وحكومتها المدنية باستمرار حملة القمع بأنها "عمليات تطهير" ضد "الإرهابيين" المسلمين. وزعم كبار الضباط العسكريين، بمن فيهم قائد الجيش الجنرال مين أونغ هلاينغ، أن الجيش تحلى بضبط النفس في أعقاب الغارات التي شنها جيش تحرير روهينغا أراكان في  تشرين الأول/ أكتوبر 2016 آب/ أغسطس 2017.

وقال زاو هتاي، المتحدث باسم الحكومة، إنه "لا توجد إبادة جماعية أو تطهير عرقي في ميانمار". وأضاف: "نعم، هناك انتهاكات لحقوق الإنسان، وستتخذ الحكومة إجراءات ضد من ارتكبوا هذه الانتهاكات".

وقال هتاي إن حكومة ميانمار سوف تشكل "فريق تحقيقات يشمل أشخاصًا يحظون باحترام دولي للتحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان في راخين". تم تشكيل عدة لجان وهيئات تحقيق في ميانمار للتحري عن العنف في راخين. لم تؤد، حتى الآن، أًي منها إلى تحولات جوهرية في سياسة الحكومة أو الاعتراف بالجرم من قبل الدولة.

وقال هتاي: "هناك منظمات دولية تتهم ميانمار بـالإبادة الجماعية والتطهير العرقي بدون أدلة"، وذكر اسم فورتيفاي رايتس بينهم. وأضاف أنه "إذا كان هناك دليل على حدوث إبادة جماعية، فيمكنهم إبلاغ الحكومة وستقوم بالتحقيق واتخاذ الإجراء اللازم".

واتهمت فورتيفاي رايتس المجتمع الدولي بالفشل في إدانة قمع الدولة للروهينغيا لسنوات، وتحديدًا الانتهاكات المتزايدة في الأشهر التي سبقت الحملة العسكرية في العام الماضي.

تعذيب الروهينغيا

وصف تقرير فورتفاي رايتس كذلك كيف قام متشددون من جيش تحرير روهينغيا أراكان بقتل وتعذيب من اعتبروهم مخبرين حكوميين. وشملت قائمة المسؤولين العسكريين التي اتهمتهم فورتيفاي رايتس بالضلوغ المباشر في الهجمات على مسلمي الروهينغيا، كلًا من القائد العام الجنرال مين أونغ هاينغ، ونائبه الجنرال سوي وين، ورئيس الأركان العامة الجنرال ميا تون أوو.

وزارت كيري كينيدي، رئيسة جمعية روبرت إف كينيدي لحقوق الإنسان، وهي مجموعة حقوقية لا تهدف للربح، كلًا من ميانمار وبنغلادش، حيث التقت بمسؤولين عسكريين وحكوميين، بالإضافة إلى ضحايا العنف. وقالت إنه "يجب على الولايات المتحدة الإصرار على معاقبة القوات العسكرية والأمنية التي نسقت هذه الإبادة الجماعية من خلال فرض عقوبات موجهة، حتى لا يتكرر هذا العنف".

اقرأ/ي أيضًا: 15 مليون إنسان حول العالم بدون جنسية.. كارثة متعمدة وراء الستار

وفرضت الولايات المتحدة والحكومات الغربية الأخرى عقوبات على الجيش، عندما كانت ميانمار تحت الحكم العسكري الكامل. لكن عندما بدأ كبار الضباط في تقاسم السلطة مع حكومة مدنية، رُفعت معظم تلك العقوبات.

اتهمت فورتيفاي رايتس المجتمع الدولي بالفشل في إدانة قمع الدولة للروهينغيا لسنوات

وفي كانون الأول/ديسيمبر الماضي، أصبح الجنرال مونغ مونغ سو أول ضابط عسكري في ميانمار يخضع للعقوبات الأمريكية بسبب تورطه في عمليات التطهير العرقي للروهينغيا.

وقالت كينيدي: "نحن بحاجة إلى المزيد من العقوبات التي تستهدف الأشخاص المسؤولين عن هذه الانتهاكات، ومن ضمنهم العشرون ضابطًا أو أكثر الذين ذكرهم تقرير فورتيفاي رايتس، لحظر سفرهم، وتجميد ممتلكاتهم".

وأضافت: "ما لا نريده هو فرض عقوبات تؤذي سكان ميانمار بالكامل، مما سيضر بالناس الأكثر ضعفًا"، بحسب ما نشرته جريدة نيويورك تايمز.

 

اقرأ/ي أيضًا:

أنظمة شمولية حول العالم.. أين التسامح؟

الإسلام في الصين