26-فبراير-2019

تضفي قمة شرم الشيخ مزيدًا من الشرعية على نظام السيسي (Getty)

الترا صوت - فريق التحرير

لطالما كانت شرم الشيخ العاصمة غير الرسمية للدكتاتور المصري حسني مبارك، استضاف فيها طوال عهده مؤتمرات عديدة وقممًا متنوعة. ويجدد السيسي اهتمامه بها، كما تجدد أوروبا الدعم غير المشروط الذي تقدمه له جنبًا إلى جنب مع الدول العربية، في قمة عُقدت مؤخرًا في المدينة السياحية، ترأسها مع عبد الفتاح السيسي دونالد توسك، رئيس المجلس الأوروبي، كما كانت تيريزا ماي رئيسة الوزراء البريطانية بين الحاضرين.

لم يكن السيسي في قمة شرم الشيخ، كما يبدو في لقاءاته المحلية، بلا منطق، غير قادر على استجماع كلماته، بل ظهر في خطابه أكثر تماسكًا، متبجحًا بالحديث عن الخصوصية الثقافية

شرعية تمنحها أوروبا  وربما العالم

لم يكن السيسي كما يبدو في لقاءاته المحلية، بلا منطق، غير قادر على استجماع كلماته، بل ظهر في خطابه أكثر تماسكًا، متبجحًا بالحديث عن الخصوصية الثقافية، وعن ضرورة احترام الغرب للتنوع بين الحضارات.

اقرأ/ي أيضًا: حقوق الإنسان فى مصر.. مأسسة الانتهاكات

وبعد أيام من صدور حكم بإعدام 9 من المعارضين المصريين الشباب، تحدث أحدهم أمام المحكمة عن تعرضه للتعذيب، من أجل أن يعترف مجبرًا في قضية اغتيال النائب العام الأسبق هشام بركات، يتوافد الزعماء الأوروبيون على المنتجع المصري، داعمين أحيانًا، أو ناقدين بنوع من الدبلوماسية الهادئة، لرجل يرأس ما أسمته منظمة هيومان رايتس ووتش أسوأ أزمة لحقوق الإنسان في مصر منذ عقود. يواصل زعماء الاتحاد المهزوز دعم الرجل الذي يحتاج إلى الدعم نظرًا لسجله الكئيب كما وصفته صحيفة الغارديان  منذ 2013 وحتى الآن.

كان السيسي يعرف أن موجة الإعدامات الجديدة التي تم تنفيذها مفيدة، من ناحية ضبط أي معارضة محتملة، في خضم الحديث عن التعديلات الدستورية، لكنه يدرك طبعًا، خاصة قبل موعد القمة الأوروبية العربية، أنه لن تكون هناك أي تداعيات كبيرة لقتل هؤلاء المعارضين، على الرغم من محاكماتهم الجائرة بشكل صارخ، وهو ما شهدته شرم الشيخ بالفعل.

القمع.. قانون موحد للسلطة  

يتعرض النشطاء السياسيون من كل الأطياف في مصر إلى قمع بلا سقف من خلال الاختفاء والتعذيب والاعتقالات التعسفية، التي تطال أيضًا منافسين للسيسي من الجيش، مثلما طالت الجنرال سامي عنان الذي حاول الوقوف ضد السيسي في الانتخابات الرئاسية العام الماضي. القانون الواحد الذي يقع الجميع تحت وطأته هو قانون القمع بلا سقف، حيث يتعرض المدافعون عن حقوق الإنسان والنشطاء العماليون للمضايقة والملاحقة القضائية، هذا بخلاف اعتقال الصحفيين ومنعهم من ممارسة عملهم بالإضافة إلى منع عمل منظمات العمل المدني. يوضع كل هذا جنبًا إلى جنب مع التغييرات الدستورية التي تمر الآن في البرلمان والتي ستسمح للسيسي بالبقاء في السلطة حتى عام 2034. هذه التعديلات وغيرها من التشريعات ستمنح الجيش سلطات جديدة، وستزيد من سيطرة المؤسسة الرئاسية على القضاء، وبمجرد الموافقة عليها من قبل المشرعين، يكون هناك استفتاء عليها، سيبدو "حرًا ونزيهًا" مثل استطلاعات الرأي التي فاز بها السيسي العام الماضي بنسبة 97% من الأصوات.

لماذا تدعم أوروبا نظامًا سلطويًا مثل نظام السيسي في مصر؟

 يشير محللون إلى أن قادة الاتحاد الأوروبي  يعتقدون أن نظام السيسي مصدر نادر للاستقرار في المنطقة، حتى لو كانت أفعاله تغذي الضغوط طويلة الأجل. فبطريقته التي تتسم بكثير من المداهنة، يشيد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بالسيسي، يذكره في سياق الانتهاكات التي تشهدها البلاد أحيانًا، لكن من دون دعوات جدية لضرورة احترام حقوق الإنسان، كما حدث إبان لقائه الأخير معه في القاهرة.

أما مفتاح الدعم الأوروبي الحقيقي لمصر فهو "الهجرة" التي أضحت موضوعًا رئيسًا على جدول الأعمال الأوروبي والعربي أيضًا، على الرغم من أن مصر ليست في الوقت الحالي نقطة عبور رئيسية، فقد بدأت المحادثات بشأن اتفاق سيؤدي إلى دور أكبر للقاهرة في  خفض أعداد المهاجرين في مقابل الحصول على منافع اقتصادية، مما يعكس رغبة أوروبا على نطاق أوسع في احتجاز المهاجرين في ظروف بائسة وخطيرة على أن تبقيهم بعيدًا عن شواطئها.

اقرأ/ي أيضًا: تلاعب دبلوماسي وعسكري.. ماذا يُجهّز السيسي لليبيا برعاية أبوظبي؟

من ناحية أخرى تظهر فرنسا كواحدة من أهم الدول الأوروبية التي تبيع مصر أسلحة بصفقات ضخمة، كان آخرها تلك التي أبرمت في معرض إيدكس 2018، حيث وقعت الشركتان الفرنسيتان داسو ورافال صفقات مع مصر تضمن استمرار تدفق قطع الغيار لسلاح الجو المصري، ولم يُكشف النقاب عن قيمة أي من تلك الصفقات. أما الجدير بالذكر فهو أن مصر كانت قد استقبلت في نيسان/أبريل من العام 2017، الدفعة المتبقية من طائرات رافال من فرنسا في إطار عقد بقيمة 5.2 مليار يورو (حوالي 5.5 مليار دولار) تم توقيعه عام 2015. وفي وقت سابق كانت هيومان رايتس ووتش قد انتقدت هذه الصفقات، لكن دون أن يغير ذلك من الواقع شيئًا.

تظهر فرنسا كواحدة من أهم الدول الأوروبية التي تبيع مصر أسلحة وتقنيات عسكرية بصفقات ضخمة، كان آخرها تلك التي أبرمت في معرض إيدكس 2018

في الوقت الذي تتجه فيه أوروبا للحلول السهلة والقريبة مع القاهرة في ظل نظام السيسي الذي يظهر مستقرًا، يبدو أن لا أحد يقرأ التاريخ السياسي المصري بأفق أوسع وبصيرة أكثر اتزانًا، لكي يدرك الحقيقة القائلة بأن الأشياء تتغير أحيانًا بين يوم وليلة. هذا على الأقل ما تخبر به السنوات الثمانية الأخيرة.

 

اقرأ/ي أيضًا:

"تجارة الأمن القومي".. صفقات السلاح تضخ المليارات في جيوب السيسي

هكذا يصبح السيسي شرطي أوروبا على سواحل المتوسط