25-مايو-2018

الهدف الذي كان سبباً في قتل "شهيد المونديال"(Getty)

رغم افتقار الولايات المتّحدة للجماهير العاشقة للعبة كرة القدم، إذا ما تمّ مقارنتها بكرة القدم الأمريكية أو كرة السلّة، استطاعت أمريكا أن تفوز بشرف تنظيم النسخة الخامسة عشر من كأس العالم عام 1994.  وذلك بعد منافسة مع البرازيل والمغرب، فحصل البلد الفائز في التصويت عام 1988 على 10 أصوات، مقابل 7 أصوات للمغرب و2 للبرازيل.

شهدت التصفيات المؤهّلة لمونديال كأس العالم 1994 ثلاث مفاجآت من العيار الثقيل. إذ فشلت إنكلترا والدنمارك بطلة كأس أمم أوروبا 1992 في التأهّل للنهائيّات، وخسرت فرنسا في الثواني الأخيرة من لقائها مع بلغاريا 2-1، فتأهّلت الأخيرة على حسابها إلى كأس العالم 1994، وهي المرّة الثانية على التوالي التي يفشل بها الفرنسيون ببلوغ البطولة.

اعتقد بيليه أن كولومبيا هي المرشّح الأبرز لنيل كأس العالم 1994، لكنّها خرجت من الدور الأول

 لم تحسم البرازيل وصولها إلى كأس العالم 1994 إلا في الجولة الأخيرة من تصفيات أميركا الجنوبية، كذلك عانت الأرجنتين من أجل تحقيق هذا الهدف، فتلقّت خسارة تاريخية أمام كولومبيا 5-0 في بيونيس آيريس، واضطرّت لخوض مباراتي ملحق مع أستراليا، فنالت أخيراً مقعداً لها في كأس العالم 1994.

وصلت 4 فرق إلى نهائيّات كأس العالم لأوّل مرّة في تاريخها بالنسخة الخامسة عشر عام 1994، وهي السعودية واليونان ونيجيريا، إضافة إلى روسيا وريثة الاتحاد السوفييتي، كذلك مثّل العرب في كأس العالم 1994 مع المنتخب السعودي فريق المغرب.

 لم يختلف نظام بطولة كأس العالم 1994 التي تضمّ 24 فريقاً عن النسخة السابقة، إذ تم تقسيم الفرق الـ24 المشاركة إلى 6 مجموعات يتأهل أول اثنين منها إلى دور الـ16، إضافة إلى أفضل 4 حصلوا على المركز الثالث، حيث تلعب الفرق فيما بينها بنظام خروج المغلوب في الأدوار المتقدّمة، لكن الجديد هو بدء العمل بنظام منح 3 نقاط للفريق الفائز، والسماح بإجراء 3 تبديلات للفريق في المباراة، حيث كان الفوز يضيف للفريق نقطتين، ويُسمح بإجراء تبديلين في المباراة الواحدة.

رشّح الكثيرون فوز كولومبيا بكأس العالم 1994، نظراً لامتلاكها كوكبة من النجوم أبرزهم كارلوس فالديراما، إضافة إلى عروضهم المرعبة في التصفيات، وكان النجم البرازيلي بيليه هو أكثر من توقّع فوز كولومبيا باللقب. ولكن مع بداية مباريات المجموعة الأولى من كأس العالم 1994 تعرّض زملاء فالديراما لخسارة مفاجئة أمام رومانيا، وانتهت آمال الفريق اللاتيني بالجولة الثانية عندما خسر أمام أصحاب الأرض2-1، وكان الهدف الثاني الذي سجّله المدافع الكولومبي آندريس إسكوبار في مرماه بالخطأ سبباً في نهاية حياته، إذ قُتل فور عودته إلى كولومبيا، وهُنا لُقّب إسكوبار بشهيد المونديال.

مع خروج كولومبيا من المجموعة الأولى تأهّلت الفرق الثلاثة الأخرى إلى الدور الثاني من كأس العالم 1994، وهي أمريكا وسويسرا ورومانيا، فالأولى تخطّت كولومبيا وخسرت أمام رومانيا وتعادلت مع سويسرا، كذلك تغلّبت رومانيا على كولومبيا وخسرت أمام سويسرا، بينما حقّقت كولومبيا فوزاً معنويّاً على سويسرا.

تغلّبت البرازيل في المجموعة الثانية على الكاميرون وروسيا وعادلت السويد، ورافقها الفريق الإسكندنافي إلى الدور الثاني من كأس العالم 1994 عقب تعادله مع الكاميرون وفوزه على روسيا، وكان لقاء الجولة الأخيرة بين الكاميرون وروسيا هامشيّاً، لكنّه شهد حَدَثَين وضعا هذه المباراة في صفحات التاريخ الخالدة.

انهارت الأرجنتين عقب ثبوت تعاطي مارادونا المنشّطات، وحرمانه من المشاركة في كأس العالم 1994

إذ حقّقت روسيا فوزاً كبيراً على الكاميرون 6-1، وسجّل مهاجم روسيا أوليغ سالينكو بمفرده 5 أهداف، وهو أكبر عدد من الأهداف يسجّله لاعب في مباراة واحدة بتاريخ المونديال، كذلك سجّل هدف الكاميرون الوحيد العجوز روجيه ميلا، والذي بلغ من العمر آنذاك 42 عاماً و39 يوماً، وهو رقم قياسيّ في كأس العالم، علماً أنّ الكاميرون سجّلت رقماً قياسيّاً سلبيّاً في مباراة البرازيل بالجولة الثانية، عندما طُرد مدافعها ريغوبرت سونغ وعمره 17 عاماً و358 يوماً، وهو أصغر لاعب يُطرد في تاريخ البطولة.  

لم تشهد المجموعة الثالثة أيّ مفاجآت، إذ تأهّلت ألمانيا حاملة اللقب وإسبانيا إلى الدور الثاني، فتصدّرت ألمانيا التي تعادلت مع وصيفتها إسبانيا 1-1، مستفيدة من تعادل الأخيرة مع كوريا الجنوبية، بينما اكتفت بوليفيا بنقطة من الفريق الآسيوي الذي خسر أمام ألمانيا.

قدّمت نيجيريا في مشاركتها الأولى في مونديال كأس العالم 1994 عروضاً رائعة، ورغم خسارتها من الأرجنتين إلا أنها احتلّت الصدارة بفوزين على بلغاريا واليونان، بينما احتلّ زملاء باتيستوتا ومارادونا المركز الثاني بسبب خسارتهم المباراة الأخيرة أمام بلغاريا، إذ دخل الفريق اللاتيني المباراة بحالة معنوية سيّئة، نظراً لحرمان مارادونا من إتمام البطولة بسبب ثبات تعاطيه المنشّطات. وخسرت اليونان في مشاركتها الأولى كافّة لقاءاتها، فاهتزّت شباكها 10 مرّات في كأس العالم 1994، ولم تنجح بتسجيل أيّ هدف، وهنا رافق الأرجنتين ونيجيريا إلى الدور التالي فريق بلغاريا.

 ضمّت المجموعة الخامسة في كأس العالم 1994 كلّاً من إيطاليا والمكسيك وجمهوريّة آيرلندا والنرويج، وحقّق كلّ فريق فوزاً بفارق هدف، وخسارة بفارق هدف، وتعادلًا، فكانت حصيلة أهداف الفرق كلّها تساوي صفراً، وهنا ظفرت إيطاليا والمكسيك بأول بطاقتين مؤهّلتين من المجموعة، لأن التعادل بينهما كان إيجابيّاً 1-1، في مباراة شهدت أول حادثة طرد لحارس مرمى في تاريخ كأس العالم، والتي كان ضحيتهاالإيطالي جيانلوكا باليوكا، وحازت إيرلندا على البطاقة الثالثة لأنها خسارتها الوحيدة في المجموعة كانت أمام المكسيك 2-1، بينما كانت خسارة النروج الوحيدة أمام إيطاليا 1-0.  

حظيت المجموعة السادسة بتواجد فريقين عربيّين هما المغرب والسعوديّة، فخسر الفريقان بالجولة الأولى أمام بلجيكا وهولندا على التوالي، وتقابلا في الجولة الثانيّة في أول لقاء عربي خالص بتاريخ البطولة، والذي انتهى بفوز عرب آسيا 2-1. تزامن هذا الفوز مع انتصار بلجيكي ثان على هولندا. وفي الجولة الثالثة خسرت المغرب ثالث مواجهاتها في المجموعة مع هولندا، وتقابلت السعودية مع بلجيكا التي ضمنت التأهّل لدور الـ16، فتغلّب الفريق العربي على البلجيكيين بهدف رائع للاعب سعيد العويران، وصنّف البعض هذا الهدف بأنّه ثاني أجمل هدف بتاريخ المونديال، بعد هدف مارادونا الشهير في مرمى إنجلترا عام 1986. بذلك تأهّلت كل من السعودية وبلجيكا وهولندا إلى دور الـ16، والسعوديّة هي ثاني فريق آسيوي يتأهّل للدور الثاني بعد كوريا الشمالية في نسخة 1966، وثاني فريق عربيّ يتأهّل للدور الثاني بعد المغرب في المكسيك 1986.

استمتعت الجماهير في الولايات المتّحدة بمباريات دور المجموعات المؤهلة في كأس العالم 1994 التي أقيمت على 9 ملاعب، و حفل هذا الدور بالكثير من الأحداث المؤسفة كقصّة اغتيال إسكوبار، وقضيّة حرمان مارادونا، إضافة إلى الأرقام القياسيّة التي كُتبت وبقيت ثابتة حتّى الآن. لكنّ الإثارة لم تنته بعد، فمباريات الأدوار المتقدّمة لها طعم لذيذ لدى المنتصر، ومرير لدى الخاسر.. تابعونا في الجزء القادم من قصة كأس العالم 1994.