15-مايو-2018

مارادونا يرفع كأس البطولة في سماء المكسيك (Getty)

لم يشهد الدور الأول في النسخة الثالثة عشر من كأس العالم التي أقيمت بالمكسيك 1986 أيّ مفاجآت تذكر، فتأهّلت أكثر الفرق القويّة إلى دور الـ16 الذي جرى بنظام خروج المغلوب، وحققت المغرب أجمل عروضها عندما أصبحت أول فريق عربي وأفريقي يصل إلى هذا الدور، قبل أن تنهي ألمانيا الغربية مسيرة الفريق العربي بهدف وحيد أتى في الدقائق الأخيرة من اللقاء. ورافق ألمانيا الغربية إلى دور الثمانية كل من الأرجنتين والبرازيل وفرنسا والدانمارك وبلجيكا وإنجلترا، إضافة إلى المكسيك صاحبة الضيافة.

سجّل مارادونا أهداف بلاده الأربعة أمام الأرجنتين وبلجيكا في الدورين الربع والنصف النهائي

تحت حرارة مرتفعة فاقت 45 درجة مئوية، لعبت فرنسا والبرازيل أولى مباريات الدور ربع النهائي، دخلت البرازيل هذا اللقاء مدججة بنجومها أمثال سقراط وكاريكا، وهي تطمح لاستعادة أمجادها العالمية التي كان آخرها عام 1970 عندما احتفظت بكأس جول ريميه للأبد، فيما رغبت فرنسا أن يخرج أفضل جيل كرويّ بتاريخها من المكسيك حاملاً كأس البطولة للمرة الأولى، وذلك لن يتحقق إلا بفوز زملاء بلاتيني على البرازيل. 

 

ولكنّ الأخيرة كشفت نواياها الواضحة بالفوز عندما تقدّمت بهدف أحرزه كاريكا في الدقيقة 17، وقبل نهاية الشوط الأول استطاع بلاتيني أن يعدّل الكفّتين، ومع نزول النجم البرازيلي زيكو إلى أرض الملعب كبديل، سنحت له فرصة التقدّم بالنتيجة من ركلة جزاء، لكنّه أضاعها ما اضطر الفريقان لخوض وقتين إضافيين لم يقدّما جديداً فيما يخص نتيجة اللقاء، فتم اللجوء لركلات الترجيح التي ابتسمت لفرنسا وأقصت البرازيل، وودّع الجميع جيلاً برازيلياً جميلاً أعدّه المدرّب تيلي سانتانا دون أن يحرز أيّ لقب عالمي.

لم تكن مباراة فرنسا والبرازيل الوحيدة بدور الثمانية التي انتهت بركلات الترجيح، إذ دفنت ألمانيا الغربية حلم أصحاب الأرض عندما غلبت المكسيك بركلات الترجيح بعد انتهاء الوقتين الأصلي والإضافي 0-0. كذلك قضت بلجيكا على آمال إسبانيا وتأهّلت إلى المربّع الذهبي إثر فوزها عليها بركلات الترجيح بعد نهاية الوقتين الأصلي والإضافي 1-1.

ترقّب الجميع المواجهة التي جمعت إنجلترا بالأرجنتين في ربع نهائي البطولة، فهذا اللقاء تطغى عليه الحساسية الشديدة نتيجة حرب الفوكلاند التي جرت بين البلدين عام 1982، وانتهت بفوز بريطانيا واستسلام الأرجنتين. ومع بداية المباراة سيطر زملاء مارادونا على أرض الملعب، فانتهى الشوط الأول دون أهداف بسبب تألق الحارس بيتر شيلتون. وفي الشوط الثاني وتحديداً بالدقيقتين 51 و 54 نحت مارادونا لوحتين خالدتين في تاريخ كرة القدم، كانت الأولى عندما تحايل على الجميع بما فيهم الحكم التونسي علي بن ناصر، وسجّل هدفاً بيده بعد أن ارتدّت الكرة من المدافع الإنجليزي تجاه شيلتون.

هدفٌ لم يندم عليه مارادونا الذي قال لاحقاً في تصريحات صحفيّة: "كل من يسرق لصّاً يحصل على 100 عفو"، في إشارة منه لاحتلال بريطانيا جزر الفوكلاند الأرجنتينية حسب معتقده. ولكي يثبت مارادونا أحقّية بلاده بالفوز بدأ هجمة من منتصف ملعب فريقه في الدقيقة 54، وراوغ لاعبي إنجلترا واحداً تلو الآخر وأتبعهم بالحارس شيلتون مسجّلاً أجمل هدف في تاريخ كأس العالم، وربّما في تاريخ كرة القدم. حاولت إنجلترا العودة للمباراة لكنّها فشلت في ذلك رغم تسجيل مهاجمها غاري لينيكير هدف تقليص الفارق في الدقيقة 80، هدفٌ جعل منه هدّافاً للبطولة برصيد 6 أهداف.

لم يندم مارادونا على الهدف الذي سجّله بيده في مرمى إنجلترا، بل قال لاحقا: كلّ من يسرق لصّاً يحصل على 100 عفو

واصل مارادونا تألّقه في الدور نصف النهائي أمام بلجيكا، فسجّل هدفي فريقه في اللقاء الذي انتهى 2-0، فيما طمحت فرنسا أن تثأر من ألمانيا من هزيمة نصف نهائي النسخة السابقة التي أهّلت الألمان بواسطة ركلات الترجيح. ولكن زملاء بلاتيني فشلوا في تحقيق ذلك بخسارتهم 2-0، فحجزت ألمانيا الغربية موعداً مع الأرجنتين في المباراة النهائية لكأس العالم، بينما رضيت فرنسا على مضض بالمركز الثالث إثر فوزها على بلجيكا 4-2 بعد التمديد.

احتشد أكثر من 114 ألف متفرّج في ملعب الآزتيكا بالمكسيك لمشاهدة المباراة النهائيّة، ومع صافرة البداية بانت أفضليّة الأرجنتين المتعطّشة لنيل الكأس، فتقدّم زملاء مارادونا بهدفين في الدقيقتين 23 و55 عبر براون وفالدانو، لكن ألمانيا الغربية عادت من بعيد وسجّلت هدفين في الدقيقتين 74 و80 عبر كارل هاينز رومينيغيه و رودي فولر، وهو أمر اعتاد عليه أبطال العالم مرّتين آنذاك، إذ قلب الفريق تأخرّه أمام المجر في نهائي 1954 وأمام هولندا في نهائي 1974 وحقق اللقب بالمرّتين.

 وقبل ذهاب طرفي المباراة إلى وقتين إضافيين مرّر مارادونا كرة رائعة لزميله بوروتشاغا الذي انفرد بمرمى الحارس شوماخر، وأودع الكرة في الشباك معلناً  فوز الأرجنتين بالنسخة الثالثة عشر من كأس العالم، فرفع مارادونا الكأس الغالية التي نالتها بلاده للمرة الثانية في تاريخها، بينما باتت ألمانيا ثاني فريق بعد هولندا يصل إلى نهائي كأس العالم مرّتين على التوالي ويفشل برفع الكأس في أي منها، إذ خسر الألمان نهائي النسخة السابقة 1982 أمام إيطاليا بثلاثة أهداف لهداف، بينما خسرت هولندا نهائي 1974 أمام ألمانيا الغربية، و 1978 أمام الأرجنتين.

كانت النسخة الثالثة عشر من كأس العالم مُلكاً لمارادونا، فهو الذي فعل كلّ شيء من أجل فوز بلاده باللقب، فجذب الأنظار كلّها بفنونه الكروية الرائعة فوق أرض الملعب، وأهدافه المذهلة، وتمريراته الساحرة، إضافة إلى انفعالاته الطفوليّة وتصريحاته الناريّة. وربما كانت كأس العالم في المكسيك 1986 آخر بطولة ساهم بها نجم ما بشكل كبير في حمل فريقه لكأس العالم كما فعل مارادونا وبيليه، هذه النسخة التي شهدت العديد من المفارقات العجيبة والأحداث الشيّقة، إضافة إلى الأرقام القياسية التي ما زالت راسخة في تاريخ كرة القدم، فماذا عنها؟ تابعونا في الجزء القادم..