15-يونيو-2023
المستشار الألماني رفقة أعضاء حكومته خلال عرض الوثيقة(GETTY)

المستشار الألماني رفقة أعضاء حكومته خلال عرض الوثيقة (GETTY)

كشفت الحكومة الألمانية، أمس الأربعاء، النقاب عن أول استراتيجية للأمن القومي في تاريخ ألمانيا الحديث، تشمل إجراءات جريئة لمواجهة التهديدات والتحديات الأمنية والعسكرية والاقتصادية والاجتماعية، المتزايدة التي تواجهها البلاد.

كشفت ألمانيا عن أول استراتيجية شاملة للأمن القومي، في إطار مساعي معالجة ما تعتبره تهديدات أمنية وعسكرية واقتصادية واجتماعية متزايدة تواجهها

وقدّم المستشار الألماني أولاف شولتس، ووزيرة الخارجية أنالينا بيربوك من حزب الخضر، ووزير المالية كريستيان ليندنر من الحزب الديمقراطي الحر، ووزير الدفاع بوريس بيستوريوس، ووزيرة الداخلية نانسي فيزر، الوثيقة التي استغرق إعدادها شهورًا، خلال مؤتمر صحفي.

وقال المستشار الألماني، خلال عرضه الاستراتيجية: "نحن ندافع عن نظامنا الأساسي الديمقراطي الحر، القائم على القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة ضد محاولات النفوذ غير المشروعة من الخارج".

وأشار إلى أن الوثيقة هي: "إسهام مهم لضمان أمن الألمان في ظل بيئة متغيرة"، مؤكدًا أن "ألمانيا دولة قوية ويمكنها أن تعالج التحديات التي تواجهها"، موضحًا أن "البيئة السياسية الأمنية لألمانيا تغيرت بقوة في ظل الهجوم الروسي على أوكرانيا، والأفعال العدوانية المتزايدة للحكومة الصينية".

وتابع شولتز، أن "ما كان يقتصر في تخطيط الحكومة الألمانية في الماضي على السياسة الدفاعية فقط، سيتبع الآن نهجًا كليًا شاملًا"، مشيرًا إلى أن "الاستراتيجية تهدف أيضًا إلى تعزيز قدرات القوات المسلحة الألمانية، لأداء مهمتها الأساسية المتمثلة في الدفاع عن الوطن ودورها في إطار حلف الناتو".

وأشار إلى شولتس، إلى قيام الحكومة الألمانية بإعداد استراتيجية محددة بشأن الصين، ورفض المستشار الألماني تحديد موعد نشرها، وقال للصحفيين "عندما نكون مستعدين، قريبًا".

ما هي وثيقة استراتيجية الأمن القومي؟

تُقدم الوثيقة المؤلفة من 80 صفحة، لمحة عامة عن سياسة ألمانيا الداخلية والخارجية، وتتمثل الفكرة الأساسية للاستراتيجية في أن يتم مراعاة كل التهديدات الداخلية والخارجية على أمن ألمانيا، وذلك في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا، وتزايد النشاط العدواني للحكومة الصينية.

وتعمل الاستراتيجية الجديدة وفق مجموعة من الخطوط العريضة لضمان حماية الأمن القومي الألماني، وتشمل: الالتزام بزيادة الإنفاق العسكري، للوصول إلى الهدف الذي حدده حلف شمال الأطلسي "الناتو" بتحويل 2% من الناتج المحلي الإجمالي إلى ميزانية الدفاع، والتركيز على الردع.

تدريبات للبحرية الألمانية

وفي هذا الإطار، قال وزير المالية الألماني كريستيان ليندنر، إن "برلين تهدف إلى تحقيق هدف الإنفاق الدفاعي بنسبة 2% اعتبارًا من العام المقبل"، وهذا يعني بحسب الوزير، أن "مشاورات الميزانية للسنوات حتى عام 2029 ستحتاج إلى مراجعة، وسيتم تأجيل بعض المشروعات، إذ ستكون الأولوية للمشروعات التي لها اعتبارات أمنية"، على أن تكون البداية باستخدام صندوق خاص بقيمة 100 مليار يورو تم إنشاؤه العام الماضي.

بدوره، قال وزير الدفاع الألماني، إنه حتى بعد زيادة الإنفاق العام، إلا أن الصندوق غير كافٍ لتغطية احتياجات الجيش. ويدفع الوزير الألماني من أجل زيادة أكثر من 10 مليارات دولار في الميزانية العامة لألمانيا، وهو موضوع آخر للمفاوضات الشائكة داخل الائتلاف الحاكم.

كما ركزت الاستراتيجية على ردع الهجمات السيبرانية، والهجمات المحتملة على البنى التحتية الحيوية في البلاد، وكشفت وزيرة الخارجية الألمانية عن إنشاء "وكالة فدرالية للتصدي للهجمات السيبرانية الخطيرة".

كما شددت الاستراتيجية على الحد من التبعية الاقتصادية، حيث تشمل إجراءات لحماية نظام الأمن القومي، عبر تقليل الاعتماد على الدول الأخرى لاستيراد السلع، وتحفيز الشركات على الاحتفاظ باحتياطيات استراتيجية، فقد شهدت ألمانيا أزمة طاقة العام الماضي، بسبب اعتمادها المفرط على روسيا في هذا المجال.

وتطرقت الاستراتيجية لمسألة الاستدامة، التي تشمل قضايا مثل تغير المناخ، وأزمتي الطاقة والغذاء، لكن دون تمويل إضافي.

التخلي عن فكرة مجلس قومي للأمن

وتخلت الحكومة الائتلافية الألمانية عن تشكيل مجلس قومي للأمن، الذي يفترض أن ينسق القرارات المتعلقة بالسياسة الأمنية والخارجية، لكن من شأن الفكرة أن تجعل عملية صنع القرار مركزية، وكان الأمر مادة لنقاش استمر على مدار فترة طويلة، حيث يعترض حزب الخضر على وضع المزيد من السلطات في يد المستشار شولتس.

من جانبها، دافعت وزيرة الخارجية الألمانية انالينا بيربوك عن قرارها بمعارضة تشكيل مجلس أمن قومي، الذي كان يطالب به الحزب الديمقراطي الحر الشريك في الائتلاف الحاكم.

وقالت بيربوك المنتمية إلى حزب الخضر، إن "الحكومة الألمانية كانت تجتمع في إطار مجلس الوزراء الأمني بعد وقوع الهجوم الروسي على أوكرانيا في شباط/فبراير 2022".

وأضافت أن "البعض أطلق أحكامًا مسبقة، وتصور أنه سيكون هناك خلاف على مدار فترة طويلة"، وتابعت "الحكومة أظهرت بدلًا من ذلك أن لديها القدرة على الاجتماع بروح الثقة في اللحظات الحرجة واتخاذ قرارات".

وأوضحت بيربوك أن "هذا الأمر سيتواصل في المستقبل ليس فيما يتعلق بقضايا الدفاع وحسب، بل كذلك فيما يتعلق بالأمن السيبراني أو قضايا الحماية من الكوارث على سبيل المثال".

وزيرة الخارجية الألمانية عارضت فكرة تشكيل مجلس قومي للأمن

التهديد الروسي

بعد الغزو الروسي لأوكرانيا تزايدت التقارير التي تتحدث عن نشاط استخباري روسي عبر عملاء، وتبرز هذه الظاهرة في دول أوروبا، وتُعد ألمانيا من أبرز الدول المستهدفة بهذا النشاط، وقالت وزيرة الخارجية الألمانية، إن العالم "يشهد تناميًا في تعدد الأقطاب والتنافس".

وأضافت أن "روسيا تشكل أكبر تهديد لأوروبا ولحلف شمال الأطلسي في المستقبل المنظور "، وبحسب الوزيرة فإن روسيا تحاول زعزعة المجتمعات الأوروبية، وإضعاف الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو، قائلةً: إن "الغزو الروسي لأوكرانيا في شباط/فبراير 2022 أظهر ما حذرنا منه العديد من جيراننا في أوروبا الشرقية، بأن أوروبا معرضة للخطر".

العلاقة مع الصين

وصدرت الوثيقة، قبل أسبوع من اجتماع الحكومة الألمانية مع كبار المسؤولين الصينيين، لإجراء محادثات رفيعة المستوى في برلين، والتي من المتوقع أن تتناول العديد من القضايا الحساسة. وتقليديًا لا تستعدي برلين بكين، نظرًا لأهمية الصين كسوق للصادرات الألمانية، ومصدر للسلع الأساسية.

ومع ذلك، أكدت الوثيقة وجهة نظر برلين بأن الصين "شريك ومنافس"، مشيرةً إلى أن "عناصر التنافس قد ازدادت في السنوات الأخيرة، لكن في الوقت نفسه، تظل بكين بالنسبة لبرلين شريكًا لا يمكن بدونه حل العديد من التحديات العالمية.

بعد الغزو الروسي لأوكرانيا تزايدت التقارير التي تتحدث عن نشاط استخباري روسي عبر عملاء، وتبرز هذه الظاهرة في دول أوروبا، وتُعد ألمانيا من أبرز الدول المستهدفة بهذا النشاط

وردًا على سؤال حول الآثار العملية التي قد تترتب على الاستراتيجية الجديدة، قالت بربوك إن "الحكومة ستنظر عن كثب في المناطق التي تكون فيها ألمانيا أكثر عرضة للخطر بسبب اعتمادها على الصين"، وأضافت "يشمل ذلك المواد الخام، ومكونات لقطاعات الطاقة والاتصالات والطب"، حيث تسعى ألمانيا بنشاط لتنويع مصادرها.