01-مارس-2022

علم أوكرانيا حول تمثال للعذراء والمسيح في بنسلفانيا (Getty)

 

أسفرت حرب الرئيس الروسي على أوكرانيا عن نتيجة مبكرة. أوروبا تتسلح والولايات المتحدة تستعيد نفسها الإمبريالي المتجاوز لحدودها الجغرافية والاقتصادية. ومعنى أن تتسلح أوروبا لا ينحصر طبعًا بالحروب التي تعتزم خوضها أو الحدود التي تريد الدفاع عنها. التسلح يعني في المحصلة انتباهًا شديدًا لما يجري خارج الحدود الأوروبية التي استمرت طوال العقود المتأخرة مقفلة في وجه الكوكب. وعلى النحو نفسه، فإن الولايات المتحدة تحث خطاها لتترك سياسة التخلي والانصراف عن شؤون العالم نحو تدخل فاعل فيه مرة أخرى. هذا يذكر قليلًا وكثيرًا بالحقبة التي أعقبت انهيار الاتحاد السوفييتي والتدخل الأمريكي أساسًا والأوروبي والروسي عرضًا في يوغوسلافيا السابقة.

رغم كل الوهن الإمبراطوري الروسي، إلا أن القيادة الروسية، التي يحتكر بوتين قراراتها، قادرة على إحداث اضطراب شمشوني في العالم

هذا من جهة كثرة أوجه الشبه، أما ما يحيل إلى قلتها فهو المسعى الأوروبي الواضح لتدبر أمن القارة بأيدي دولها الكبرى. وهذا في حد ذاته سيترك أثره الأكيد على العلاقات الأوروبية - الأمريكية من جهة، وسيعيد لأوروبا سيفها الإمبريالي الذي ندر خلال العقود الماضية أن استلته من غمده. والحق إن هذا التطور لا يقع حكمًا في صالح الرئيس الروسي وسياساته المستفزة. فهذه دول تملك إن قررت الحرب القدرة على تمويل مسير جيوشها وتأمين خطوط إمدادها، والحؤول دون نفاد الوقود في الدبابات المهاجمة قبل أن تصل إلى وجهتها، على ما يحصل تكرارًا مع الجيش الروسي المجتاح. وهذه دول تستطيع أيضًا أن تمول حروبها على نحو يسمح لها بالاستمرار في المعارك لوقت طويل، وليست حالها حال روسيا التي إن طالت حربها في أوكرانيا ستجد نفسها عاجزة عن سحب جنودها لأنها لا تملك ما يكفي ليقيم أود الانسحاب.

اقرأ/ي أيضًا: حرب الضحيتين

مع ذلك، ورغم كل الوهن الإمبراطوري الروسي، إلا أن القيادة الروسية، التي يحتكر بوتين قراراتها، قادرة على إحداث اضطراب شمشوني في العالم. إذ لم يمض أسبوع على الحملة الروسية على أوكرانيا حتى بدأ بوتين يلمّح إلى استخدام النووي. كما لو أن الوقود قد نفد من كل أسلحته الأخرى. وبالنظر إلى التاريخ السياسي الروسي القريب، فليس ثمة ما يمنع، نظريًا، من وضع هذا الخيار على الطاولة. فهذا بلد يملك من الموارد ما يفيض عن حاجة الكوكب كله، لكنه مع ذلك يعاني من أزمة معيشية مزمنة، وأزمة اقتصادية تجعل اقتصاده يدور في حلقة مفرغة، ويكاد الاقتصاد الروسي برمته يشبه طبقة عاملة عالمية تؤمن المواد الأولية لدول أخرى من دون أن ينجح، في تحقيق وفرة تؤهله لتطوير موارده وتحقيق الثروة.

نحن في الحقيقة أمام فيل يائس ومسجون داخل حدوده، وهو كلما تحرك كلما أحدث تدميرًا إضافيًا في مداره الداخلي. والأرجح أن الرئيس فلاديمير بوتين الذي يشاهد حجم الدمار الذي تلحقه سياساته والردود عليها في بلاده، سيحاول إخراج الفيل إلى خارج الحدود عله، حين يتحرك يترك دمارًا في الخارج من شأنه أن يقرّب أحوال أوروبا من أحوال روسيا نفسها. فتصبحان معا مرتعا للخراب.

الخلاصة المفزعة من هذه المغامرة اليائسة تفيد بما يلي: لا تعمل سياسات الولايات المتحدة وأوروبا لصالح الكوكب وأهله. هذا صحيح، لكن هذه السياسات حاذرت وتحاذر من جعل العالم غير قابل للحياة. في حين أن المسار الروسي واضح منذ البداية: مشروع إمبراطوري لا يملك مقوماته الحيوية. وحين يجنح إلى اجتياح ما يقع خارج حدوده يجعل الكوكب أفقر والحياة أقصر والعالم أقرب إلى نهايته المفجعة.

لم يمض أسبوع على الحملة الروسية على أوكرانيا حتى بدأ بوتين يلمّح إلى استخدام النووي. كما لو أن الوقود قد نفد من كل أسلحته الأخرى

اقرأ/ي أيضًا: عودة الواقع

والحق إن ردع مثل هذا المشروع لن يكون ممكنًا بإعلان الحرب عليه، وحده الشعب الروسي هو من يجدر به أن يكبح جماح هذا الجنون، وهذا أمر ممكن في روسيا، لأنه تكرر مرتين على الأقل في التاريخ الحديث: مرة حين انسحب جيش ليون تروتسكي أمام الجيش البروسي من دون قتال، بدعوى أن الثورة البلشفية لا تريد الحرب مع أحد، ومرة حين قرّر غورباتشيف أن التوسع الإمبراطوري السوفييتي لا يؤدي إلا إلى إفقار البلاد التي توسع فيها. وتاليًا فمن الأفضل التخلي عن الأحلام الإمبراطورية فلربما تنجح هذه الدول التي كانت تدور في فلكه المعتم في الخروج نحو الضوء.

 

اقرأ/ي أيضًا:

أوكرانيا المتروكة وحيدةً

عن يسار عربي يحيا في زمن الحرب الباردة