13-يونيو-2019

من الفيلم (IMDB)

كتبت الروائية الأمريكية روتا سيبيتيس رواية مؤلّفة من 344 صفحة، تحت عنوان "Between Shades of Gray". صدرت الرواية منتصف شهر أذار/ مارس 2011، واحتلّت صدارة قائمة النيويورك تايمز للكتب الأكثر مبيعًا لفترةٍ طويلة، قبل أن تتحوّل إلى شريطٍ سينمائيٍّ العام الفائت، حمل عنوانًا مختلفًا هو "Ashes in the Snow"، إخراج "Marius A. Markevicius" وسيناريو "Ben York Jones". والحقيقة أنّ الاختلاف بين الرواية والفيلم لا يكمن في العنوان فقط.

لن يفوّت المُشاهد لفيلم "Ashes in the Snow" على نفسه فرصة السؤال عن جدوى إطالة الشريط لساعةٍ وأربعين دقيقة، بينما تكفي ساعة

الفكرة لا تزال نفسها، لم تتغيّر، وكذلك الزمان والمكان، والخطوط الرئيسية للحكاية، إلّا أنّ الشريط، إن قمنا بعمل مقارنة سريعة بينه وبين ما كُتب من مراجعاتٍ تفصيلية عن الرواية، سيتضّح أنّ تفاصيل كثيرة أُسقطت من متنه، وأنّ طاقم العمل، المخرج أو مؤلّف السيناريو، انتزع من الـ 344 صفحة جزءًا من الحكاية، ووضعها ضمن مدّة زمنية تتجاوز الساعة والنصف، تقدّم قصّة مبنية على هدف واحد؛ إثارة مشاعر المشاهد، غير أنّها لن تثير شيئًا فيه باستثناء ملله.

اقرأ/ي أيضًا: فيلم "الصرخة المخنوقة".. سوريات على مذبح الاغتصاب

إسقاط أو إهمال التفاصيل، الضرورية تحديدًا، أفقد العمل الكثير من توازنه وحرارته وحميميته، ووضعت المتفرّج إزاء عدسة تُلاحق الشخصيات ببرودٍ شديد، بينما تؤدّي الشخصيات نفسها أدوارها ببرودٍ مشابه. والنتيجة أن أدخل المخرج المشاهد متن الفيلم سريعًا، ووجد الأخير نفسه فجأة يصل إلى ذروة أحداثه، دون مقدّماتٍ أو تمهيد أو تفاصيل كافية يتّكئ عليها ليستطيع تفسير ما يراه أمامه، وفهم الأحداث التي بدأت من الذروة وانتهت منها أيضًا. إلّا إذا كان المخرج يعتبر أنّ مشهد تناول عائلةٍ ليتوانية سيكون أفرادها أبطال الفيلم للطعام وتبادل أحاديث قصيرة حول مصير بلادهم، ليتوانيا، الواقع تحت الاحتلال السوفييتي، والجحيم الذي ينتظرها، مقدّمة أو مدخلًا كافيًا لتفسير ما سوف يحدث لاحقًا. ناهيك عن مشهد اعتقال المخابرات لرجل مسنٍّ، أو فتح عدسة الكاميرا على صورٍ ولوحاتٍ وتماثيل لجوزيف ستالين، كإشارةٍ على طبيعة مناخ وأجواء الفترة الزمنية التي يدور فيها الشريط.

لن يفوّت المُشاهد على نفسه فرصة السؤال عن جدوى إطالة الشريط لساعةٍ وأربعين دقيقة، بينما تكفي ساعة واحدة لسرد أحداثه، إن قمنا طبعًا بحذف المشاهد والتفاصيل غير اللازمة. فالشريط الذي يقفز بسرعة كبيرة إلى مشهد ملء الشاحنات بالعائلات الليتوانية المعارضة للسوفييت، دون أن يترك للمتفرّج فرصة فهم البداية أو المدخل، وترحيلها قسرًا إلى مخيمات الاعتقال بتهمة الخيانة، ينتهي فعليًا بعد وصول العائلات إلى المخيمات، وعرض طبيعة الحياة التي سيعيشونها داخلها، وحجم العنف والإذلال الذي سيتعرّضون له على يد الجنود السوفييت؛ تعنيف نفسي أكثر منه جسدي، الهدف منه بثّ الخراب الداخلي في نفوس الليتوانيين، وترسيخ فكرة أنّهم خونة لبلادهم المُحتلّة أساسًا من قبل جلّاديهم، وهنا تكمن المفارقة المثيرة للدهشة.

يتناول فيلم "Ashes in the Snow" حياة عائلات ليتوانية معارضة للسوفييت تعيش في معسكر اعتقال

يعيش الليتوانيون داخل المخيم، رجال ونساء وأطفال، على عملهم لساعاتٍ طويلة في حقول موحلة وأجواء باردة. نتحدّث عن معتقلاتٍ تقع في سيبيريا، ومخيمات لا تقي حرّ الصيف ولا برد الشتاء. عمل الليتوانيين في هذه الحقول يضمن لهم وجبة واحدة من الطعام يوميًا، ودلوين من الماء للاغتسال في مساحةٍ ضيّفة يحشر فيها الرجال مع النساء العاريات إلّا من سروالٍ داخلي، وهذه العملية تُضاف إلى العديد من وسائل التعذيب والإذلال الأخرى التي تعرّض لها المعتقلين.

اقرأ/ي أيضًا: فيلم "Grass Is Greener".. الحشيش على قائمة العنصريات الأمريكية

في موازاة الحكاية الأساس، هناك حكاية أخرى أيضًا تُضاف كحكاية جانبية بدافع المحافظة على ثنائية الخير والشر داخل الشريط، وهي حكاية جندي أوكراني لا يبدو أنّه سعيد بما يفعله ويراه، أضف إلى ذلك أنّه عرضة للتنمّر من زملائه بسبب أصوله أوّلًا، وضعفه ثانيًا، وتعاطفه الظاهر بوضوح مع العائلات المهجّرة أخيرًا. هكذا، كجزءٍ من إعادة صياغة سلوكه، يأمره الضابط المسؤول بقتل امرأة مسنّة سرقت القليل من الطعام، بإطلاق النار في رأسها تحديدًا، لتكون الحادثة نقطة فارقة في حياته كجندي، تساعده على التخفف من تأنيب الضمير، إلّا أنّ الأخير يقوده في نهاية المطاف للانتحار.

اقرأ/ي أيضًا:

فيلم "A Beautiful Mind".. حياة رجل بعقلين ونصف قلب

فيلم "Gerald’s Game".. سفاح القربى كسوفٌ لا ينتهي