01-مايو-2019

من الفيلم (IMDB)

يصعب على المرء اكتشاف ما يخبئ له شخص آخر لأن الجميع يخفي جزءًا منه. يعرض فيلم "Gerald’s Game" صراع المرأة مع ديناميكية سلطة الرجل في الحياة بأكملها، ووجوب خضوع المرأة لهذه السلطة أو تمردها عليها، بدءًا من العمل، والزواج، والعلاقات الأسرية، والعلاقات الجنسية، ويراكم طبقات عميقة من التحليلات النفسية ويفتح الأبواب لاحتمالات عديدة.

قصة الفيلم

جيرالد وزوجته جيس يذهبان لقضاء إجازة في المزرعة لمدة أسبوع من أجل إعادة تنشيط حياتهما الزوجية، الجنسية تحديدًا، حيث تمر بانقطاع جنسي وضعف في الرغبة والاندفاع بينهما. يتناول جيرالد حبوب الفياغرا وتبدو تأثيراتها الصحية واضحة عليه كالأوجاع والتشنجات.

يعرض فيلم "Gerald’s Game" صراع المرأة مع ديناميكية سلطة الرجل في الحياة بأكملها، ووجوب خضوع المرأة لهذه السلطة أو تمردها عليها

كانت جيس تحاول إنقاذ علاقتهما لكن ذلك لم يبدُ أنه سيحصل فجيرالد لم يعاشرها منذ أشهر لكن حين وافقت على المشاركة بألعابه الجنسية العنيفة اكتشفت أن خياله الجنسي منحرف إلى أقصى الحدود. فخيال جيرالد الاغتصابيّ يلعب دورًا هامًا في زيادة منسوب استثارته.

اقرأ/ي أيضًا: فيلم "A Beautiful Mind".. حياة رجل بعقلين ونصف قلب

تصاب الزوجة بالتوتر جراء اللعبة وتطلب منه التوقف، يعضها في صدرها، تتألم، تدفعه عنها، يضع يده اليسرى على فمها حيث خاتم زواجهما يلف إصبعه، يشد على فمها محاولًا قطع أنفاسها لتحصيل المزيد من الإثارة عبر تمثيل دور المُغتصب، ترفض وتصرخ وتطلب منه فك الأصفاد من يدها بعد أن فشلت اللعبة في جعلها أكثر تحفيزًا للجنس لكنه يرفض فك الأصفاد. إنه يسعى لجعل الأمر يبدو حقيقيًا، يريد القفز من عالم اللعب والخيال إلى عالم الحقيقة والواقع ليحقق الانتصاب. ترفض إكمال اللعبة وتعضه في فمه وتنتهي اللعبة.

في هذه اللحظات تنتابه ذبحة قلبية ويفارق الحياة. يقع عليها ويستلقي جسده فوق جسدها. تناديه "عزيزي" وتحاول إبعاد جسده الثقيل عن جسدها المقيد، تدفعه بأقدامها فيقع عن السرير ويرتطم على الأرض. ينزف جيرالد فتبدأ بالصراخ لكن أحدًا لا يسمعها. تبدأ التهيؤات والهلوسات والأفكار بالظهور أمامها ويدور شريط حياتها منذ طفولتها أمام عينيها. تنتابها نوبة من الفزع وتحاول جاهدة التخلص من الأصفاد عبر الشدّ والخلع لكن دون جدوى، وسرعان ما تخمد قواها.

يدخل كلب إلى غرفة نومهما، يحدق بها، تحاول إبعاده بالصراخ لكن رائحة الدماء أثارت شهيته. يبدأ الكلب بلعق الدماء عن جسد جيرالد ثم ينهش أجزاء من لحمه. يزيد المنظر من حدة تهيؤاتها ويسبب لها التقيؤ وحالة من الهستيريا تعصف بها. فجأة يقف جيرالد أو ما يمكن تسميته "شبح جيرالد الميت" وتتداخل الأوهام مع الواقع والوعي مع اللاوعي. تخرج من هلوساتها شخصية أخرى وهي شخصيتها الرديفة وتمثل كل ما هو مكبوت عندها أو لنقل أن تلك الشخصية تمثل الحقيقة التي كانت دائمًا تخشاها وتطمسها.

وبذلك يصبح المشاهد أمام أربع شخصيات هي: جيس المقيدة، جيس المتخيلة، جيرالد المتخيل، جيرالد الميت. تبدأ الحوارات بين الشخصيات الثلاث ذلك أن الشخصية الرابعة ميتة. تتخذ الحوارات منحى دراميًا تصاعديًا ويبدأ تاريخ جيس بالتكشف والإنفلاش أمامها. تلعب كل شخصية جزءًا من أجزاء اللاوعي في عقل جيس.

تحاول مدّ قدميها للوصول إلى الهاتف، تفشل، تبدأ بحساب قدرة الجسد على احتمال العيش دون مياه للشرب، لديها 3 أيام كحد أقصى. يجب أن تعيش من الوقت قدر الإمكان حتى يجدها أحدهم في تلك المزرعة النائية. الموت يلوح أمامها فإما الاستسلام أو المواجهة.

فانتازم الاغتصاب

تتضمن خطتهما ممارسة الجنس العنيف من أجل تحفيز جيرالد على الانتصاب وتجاوز بعض الحدود في العملية الجنسية، ومن إحدى الوسائل المستخدمة تقييد جيس بالأصفاد إلى السرير، كل يد إلى عامود خشبي في الجهة المقابلة، وعليها تمثيل أنها في وضعية خيانة مع عشيقها وزوجها قادم إلى المنزل، وتمثيل أنها تتعرض للاغتصاب والصراخ وطلب النجدة وغيرها من تمثلات الفانتازم الجنسي. يقول جيرالد "الأصفاد لا تنكسر أثناء الجنس العنيف بعكس الحبال وقطع القماش، ولذلك اخترتها"، ويطلب منها "طلب النجدة والصراخ" لكنها لا تستطيع أداء ذلك.

المُغتصب يصادر حرية الآخرين تمامًا كما تجتاح جحافل العسكر الشعوب الضعيفة وتجبرها على الاستسلام

كان عضوه طريًا كالقطة ولكن حين مارس الجنس مع جيس بخشونة زائدة نجح بالانتصاب. حين رفع معصمها فوق رأسها، أمسك حنجرتها وضغط عليها، حينها شعر بالإثارة وقد تملكته شهوة الاغتصاب ووصل إلى النشوة. حينها كانت مستلقية دون أي رد فعل وكانت تتأوه فيما كان يضاجعها. كانت متلقية سلبية مسلوبة الإرادة كطفلة تتعرض للاغتصاب ولا تتفوه بكلمة أو حركة. صمت، فقط صمت. جنس من طرف واحد وفي اتجاه واحد فقط لا غير. المغتصب يصادر حرية الآخرين تمامًا كما تجتاح جحافل العسكر الشعوب الضعيفة وتجبرها على الاستسلام.

اقرأ/ي أيضًا: 5 أفلام رسمت ملامح السينما السورية

تقول جيس المتخيلة "الرجال ليسوا محظوظين بقضيبهم على قدر ما هم ملعونون بسببه". ترمز هذه الجملة إلى تاريخ الرجل كحالة عامة، وكما تدل أن من نقاط ضعف الذكر امتلاكه قضيبًا، ويمكن تفسير ذلك بامتلاك الرجل سلاحًا قابلًا للاهتراء مما يخلف نتائج نفسية كارثية عليه، بينما لا تتحمل المرأة عبء تلك المسؤولية بأن يكون لها قضيب، وكما لا تتحمل وزر النتائج الكارثية لأفعال ذلك القضيب.

تزوجت رجلًا أكبر منها بأكثر من عشر سنوات. محامٍ كوالدها. عاملها باستخفاف كما كان والدها يعاملها. حينها وللمرة الأولى سألت جيس نفسها "ترى من تزوجت؟!". كانت جيسي زوجة مطيعة، لم ترفض أبدًا، لم تقاوم، لم تعط رأيها حتى في حياة زوجها جيرالد، وكانت تغض النظر عن تهميش وجودها لقاء الإحساس بالراحة.

جيس المقيّدة

امرأة قلبها طيب، باردة جنسيًا، لم تنجب أطفالًا بسبب عقدة ذنب حملتها منذ طفولتها. إنها امرأة ترمي أسرارها في بئر. إنها زوجة تفضل الاستقرار وتساند زوجها جيرالد في السراء والضراء وتناديه "عزيزي" بالرغم من ازدراءه المستمر لها. وتبدو شخصيتها كملحق لشخصية جيرالد إذ كانت تخشى انهيار زواجها إن هي بادرت للمواجهة لذلك نجدها تفضل الصمت ونكران الأحداث والتغاضي عنها دون العمل على إيجاد أي حلول لها. جيس كالخاتم في يد جيرالد، كما تكون الفريسة بين أسنان النمر، وكما تكون الضحية أمام مغتصبها.

إنها امراة تابعة وظيفتها إرضاء شهوات الأب والزوج أو ما يدعوه جيرالد "نظام دعم الحياة". يبدأ الصراع بينها وبين نفسها، وبينها وبين شبح جيرالد ويتم نبش الماضي السحيق من سباته. هناك جزء منها يريد التحرر وهذا الجزء هو الإرادة، وفي المقابل جزء مستسلم يخشى الحقيقة ويفضل الصمت والنكران والموت.

إن كل ما تشاهده أمامها إنما هو عبارة عن ما يعتمل ويتصارع في رأسها من هلوسات بفعل الصدمة. لكن الصدمة الأساسية ليست في موت جيرالد على صدرها وهي مقيدة بالأصفاد، إنما الصدمة الأساسية حدثت حين كانت تبلغ من العمر 12 سنة.

إنه الاعتداء الجنسي قي طفولتها من قبل والدها والذي كانت آثاره النفسية كارثية، فقدت غريزة الأمومة وظلت تسير في نومها منذ كان عمرها 12 سنة تاريخ أول دورة شهرية لها وتاريخ أول اعتداء جنسي من قبل والدها. اقترب منها حين شعر بنضوجها وكما يقال حين "أزهرت" وقد حان وقت قطافها. اعتدى عليها حين شم رائحة الدماء بعد أول طمث لها تمامًا كما أثارت دماء جيرالد الكلب لينهش الجثة. يتم تصوير المعتدي بالكلب الذي يلهث وراء الجيفة.

حتى تستعيد عافيتها النفسية عليها إخراج كل ما هو موجود داخل البئر وإزالة الحجاب عن روحها. فهناك وحش يختبئ تحت سريرها جاهز لقتلها إذا ما هزمها الماضي. يجبرها دماغها في تلك المحنة على طرح كامل تاريخها الشخصي وحياتها الزوجية لتكتشف أن حاضرها مرتبط بماضيها. هناك ماض سحيق من العبودية قيدها طيلة حياتها بفعل الصمت الذي أجبرها عليه والدها بحيلته. هدم الصمت شخصيتها حين وافقت على السكوت مخافة أن تهدم أسرتها أو هكذا أقنعت نفسها!

تكنيك المعتدي جنسيًا

الأب مرآة للزوج، المشترك بينهما هو خيال الاغتصاب. الزوج يلقي اللوم لعجزه الجنسي على زوجته متهمًا إياها بعدم محاولة إثارته. هذا الانعكاس في الأدوار هو ما فعله والدها تمامًا حين اعتدى عليها جنسيًا ثم ألقى اللوم عليها وحملها مسؤولية تدمير الأسرة وهي لا تزال في الثانية عشرة من عمرها. رمى مشاعر الذنب إليها إن هي أخبرت والدتها أو أصدقائها في المدرسة وبذلك انتقلت عقدة الذنب المفترضة من والدها إليها وأرغمتها على الصمت. إنها تقنية من تقنيات المغتصبين.

تطمس الذكريات المتعلقة بحوادث الاغتصاب، وحين يكبر المرء يشعر أن ما مر به كان مجرد حلم لا يمت للحقيقة بصلة أو أنه أشبه بضوء القمر أو الظلال المنعكسة ليلًا. الكبت والنسيان محاولات دفاعية للتكيف والاستمرار في العيش. لكن يحدث ما ليس بالحسبان إذ لا شيء ينسى. تدفن الذكريات، تكبت، لكن لا تمحى، وفجأة تخرج المشاعر المدفونة إلى الوعي بفعل صدمة ما. تخرج في الظلام ربما حين يكون المرء وحيدًا فمن يعلم ما الذي يمكن للإنسان أن يشاهده أو يمر أمامه في لحظة اقتراب موته الانفرادي.

المغتصب صبور، يعطي الوقت اللازم لضحيته ويخطط على نار هادئة منتظرًا ساعة الصفر. اقترب والدها منها، غازلها وعاملها بلطف ولعب معها. قبلها على كتفها، أضحكها ولعب دور الأب الحنون. أكثر من الاهتمام بها ومثل شخصية البريء. ناداها بالفأرة واحتال عليها. كان يلف ويدور ويراوغ كثعلب يريد قضم عنق الدجاجة. وحين دقت ساعة الصفر وضعها في حرجه فيما كانت جيس طفلة تشاهد الكسوف وأخرج عضوه المستثار على فستانها القصير ولحمها الناعم الطازج. بكت لكنه زجرها بحدة "تابعي مشاهدة الكسوف ولا تتحركي"، رضخت.

تحرش بها في موعد كسوف الشمس، إن الكوكب حين يمر أمام كوكب آخر يحجبه، وهكذا فعل والدها حين حجب نور طفولتها وإلى الأبد لذا عاشت دومًا في الظل. ذلك اليوم حين حدث الكسوف لم ينته أبدًا بالنسبة لها، ومنذ ذلك الوقت وهي تبرر لوالدها فعلته وتلقي اللوم على نفسها وعلى الكسوف وعلى الآخرين وعلى أمها وعلى فستانها القصير. تقول: "لم يلمسني، لمس عضوه فقط، لم يغتصبني، لم يكن أسوأ شيء فعله إنسان". لكنه في الحقيقة كان أسوأ شيء يمكن أن يفعله أي إنسان.

يقول والدها بعد التحرش بها: "آسف أنك كنت هناك جيس.. أنا لم ألمسك، لكن ربما يجب أن نخبر والدتك". أدى حيلته بمهارة وقيدها بأغلال صمتها والضغوط النفسية وحملها مسؤولية هدم الأسرة إن باحت بما حصل. انهارت أمامه، توسلت إليه بعدم إخبار والدتها. كان صمتها هزيمتها الكبرى. ذرفت الدموع وقطعت له وعدًا بعدم إخبار أي أحد أبدًا أبدًا. إنها مسؤولية كبيرة لامرأة صغيرة. أقسمت له وبدأت تترجاه وحين وافق شكرته. يا لها من معادلة حين تشكر الضحية جلادها. شعرت بالانسحاق التام ولازمها هذ الشعور طيلة حياتها.

المُغتصب صبور، يعطي الوقت اللازم لضحيته ويخطط على نار هادئة منتظرًا ساعة الصفر

المواجهة تعني الألم ويجب تحمل الألم للمرة الأولى في حياتها من أجل النجاح. إن استطاعت أن تنجو من هذه اللحظات البشعة فإنها بالتاكيد ستبدأ حياتها من جديد. تكسر كوب الزجاج وتمزق يدها وتخرجها من الأصفاد ممزقة اللحم والعظام. تقود السيارة وهي شبه فاقدة للوعي فتصطدم بجذع شجرة. تنجو بعد عدة عمليات جراحية. تحكي قصتها للجميع، تكتب عن حياتها، وتنشأ منظمة لحماية الأطفال من التحرش. لقد تصالحت من ماضيها، لكن ليس تمامًا، فالأرق والهلوسات تجتاحها ليلًا لكنها طردت الشياطين من رأسها "الكلب وزوجها ووالدها والوحش".

اقرأ/ي أيضًا: فيلم "Grass Is Greener".. الحشيش على قائمة العنصريات الأمريكية

حسب التحليل الفرويدي، هناك صراع أوديبي لدى جيس. إنها تشعر بالغيرة من والدتها حين تشاهد والدها يداعب أمها ويلمس بطنها الحامل، وتفرح بوقوف والدها إلى جانبها في صراعها مع أمها. لكن الوالد يستغل هذا الحب الطفولي والتماهي والتعلق به الذي لجأت إليه جيس الطفلة، في حين كانت والدتها لامبالية برغم إحساسها بما يدور بين زوجها وابنته جيس.

اقرأ/ي أيضًا:

فيلم To The Bone.. الجوع وسيلة للاحتجاج العاطفي

فيلم "De Dirigent".. المرأة سيمفونية الطموح