08-يوليو-2017

لقطة من الفيلم

في البدء ربما يحسن الكلام عن عالم ديزني، المختلف تمامًا عن بقية العوالم السينمائية، بأصليتِه وقِدمه، وبتفرده في تقديم شخوص تجمع الخيال مع المُخيلة، وتنبع ليس فقط من قدرة الكاتب على الإبداع، بل من الذاكرة الأدبية للعالم أجمع، وسأركز هنا على الشخوص ذات الطابع الفلكلوري العالمي، وتحديدًا على "الأميرات".

عام 1991 عرض فيلم "الجميلة والوحش" بنسخته الكرتونية، ثم عرضت نسخته الثانية، الواقعية هذه المرة عام 2017 ببطولة إيما واتسون

منذ الفيلم الأول لوالت ديزني في هذا الصنف: بياض الثلج والأقزام السبعة، عام 1937، قدمت الشركة قرابة ثلاثين فيلمًا طويلًا ذات طابع رومانسي فلكلوري، يقدم قصصًا مستقاة من الخيال الجمعي لشعوب ومناطق مختلفة حول العالم: من فرنسا وألمانيا والصين وإيران والولايات المتحدة والدنمارك.

وفي العقود التي تلت عرض "بياض الثلج" تحولت ديزني من مجرد مصنع للرسوم المتحركة إلى عالم كامل من الخيال الرومانسي، ينتظر الجميع كيف سيقدم لهم النسخة القادمة من هذه الأميرة أو تلك.

بعد أربعةٍ وخمسين عامًا من ظهور الأميرة الأولى، وجدت "الجميلة" في عام 1991 فرصتها للغناء على الشاشة الكبيرة، وكان والت ديزني نفسه قد حاولها إخراجها إلى النور أكثر من مرة في الثلاثينيات وفي الخمسينيات، لكن ظروف الإنتاج والكتابة وحتى الإخراج كانت دائمًا تحول دون ذلك.

اقرأ/ي أيضًا: فيلم "الأصليين".. هل تصنع السخافة فيلمًا؟

فشلت أيضًا محاولة أخرى عام 1989 لإنتاج الشخصية في فيلم روائي طويل، مباشرة بعد نجاح فيلم The Little Mermaid وبطلته آريَل، ولعل هذه المحاولة الأخيرة هي التي خلقت محاولة أخيرة ناجحة، حيث قررت الشركة إيكال مهمة الكتابة إلى ليندا وولفرتون، التي ستفلح في صياغة القصة وتحويلها إلى حكاية وسيناريو مختلفين، قابلين للتطبيق، ولهما إمكانية كبيرة في النجاح، ليس تجاريًا فقط، بل وفنيًا وجماليًا كذلك. 

قررت ليندا أن تقدم شخصية مختلفة إلى عالم ديزني، مختلفة من حيث رؤيتها للأمور ومختلفة من حيث رؤية الجمهور لها، إذ جرت العادة أن تظهر شخصيات ديزني النسائية، سواء كن أميرات أم لا، في قوالب مستضعفة، بذواتٍ مظلومة وقصص تبدأ تراجيدية ثم تنتهي بالخاتمة الرومانسية المشهورة: سندريلا تتزوج الأمير بعد قياس الحذاء، بياض الثلج (ماري بلانشارد) تتزوج الأمير بعد أن فكَ عنها سحر الملكة الشريرة، الجميلة النائمة "أورورا" والحورية الصغيرة "آريل" وروبانزل وياسمين وتايانا وبوكاهانتس وحتى مريدا ومولان، لاحقا، جميعهن يتبَعن خطوطا تطورٍ متشابهة في شخصياتهن، يبدأن من نقطة ضعف وينتهين في نقطة قوة.

لكن "الجميلة" Belle تختلف عنهن كثيرًا، صحيح أنها في النهاية تسير على خط تطور مشابه في الفيلم، لكنها مختلفة في ذاتها، فلأول مرة يتعرف الجمهور إلى أنثى لديزني، يمكن وصفها بالنسوية (بتعريفها الحديث)، ذات شخصية قوية جدًا، قارئة، حرة، تريد السفر بعيدًا عن قريتها الصغيرة، ومعتمدة على ذاتها تمامًا.

اقرأ/ي أيضًا: "18 يوم".. فيلم متواضع أشعل في نفوس المصريين ذكرى الثورة والميدان

استطاعت ليندا وولفرتون التي أعادت كتابة شخصية Belle أن تفعل ذلك عبر تغييرات جذرية في محيط "الجميلة"، إذ حذفت تمامًا أي ذكر لأختين كانتا لها في القصة الأصلية، وحذفت أختها الصغرى كلاريس لتعطيها مساحة شخصيةً، ذاتية أكبر، كما حذفت عمتها "الشريرة" مارجريت مستبدلة إياها بجاستون، ليكون هو الشخصية المضادة للبطلة في القصة، وذلك كنوع من التركيز على الجانب النضالي في شخصِ الفتاة "بَل"، الثائرة، ولم تُبقِ لها من عائلتها سوى أبيها موريس، الذي يساعد هو الآخر في إظهار جانب مهم من شخصية "الجميلة" عند مواجهتها "للوحش" واختيارها التضحية بنفسها من أجل حرية أبيها، مظهرة شجاعة وذكاء يحددان خطوطًا عريضة في شخصيتها الحالمة.

تبقى قصة "الجميلة والوحش" إحدى أقدم وأجمل القصص ذات الامتداد الثقافي العالمي، قصة بقدم الزمان نفسه

في عام 1991، عرض فيلم "الجميلة والوحش" بنسخته الكرتونية، ثم عرضت نسخته الثانية، الواقعية هذه المرة عام 2017 ببطولة إيما واتسون في دور "الجميلة" ودان ستيفنز في دور "الوحش"، بعد عقود وسنوات طويلة من محاولات ديزني إخراج تلك الشخصية الفولكلورية من حيزِ الخيال الفرنسي/العالمي في قصة جان ماري دَبومو الشهيرة، إلى الشاشة الكبيرة، مع بعض التعديلات الجوهرية، ومع إضفاء مسحة موسقية جميلة على الفيلم، وتقديم نهايته كصراع ليس بين الخير والشر فقط، بل حوار نفسي في ذات الخير المتردد (الوحش) وذات الشر المتمرد (جاستون)، فيما يمكن أن يكونا عليه ويصلا إليه، إذا وجدا التحفيز المناسب، الذي هو في هذه الحالة: فتاة قروية قارئة، تقلبُ الفكرة المسيطرة على مخيلتِنا عن الأمير الذي ينقذ الجميلة النائمة، إذ هي التي تنقذ الوحش من تعويذة الوردة الحمراء، وتعيدُه وقصرَه إلى الحياة.

تبقى قصة "الجميلة والوحش" إحدى أقدم وأجمل القصص ذات الامتداد الثقافي العالمي، قصة بقدم الزمان نفسه، وبجمال التحول من الضعف إلى القوة، ومن الخوف إلى الشجاعة، إلى الرفض، إلى بتلاتِ وردة حمراء تعود للحياة، فيعود معها كل شيء إلى ألقِ الجمال، وترقص في أوصال الشخوصِ معانِي الفرح، وتنتهي القصة كما تنتهي كل القصص السعيدة، بلقطة تراجع علوية للكاميرا، تجعلنا نتوقع أن القادم سيكونُ أفضل لكل تلك الشخوصِ الراقصةِ المحبوبة.

 

اقرأ/ي أيضًا:

دانيال دي لويس.. "الجزار بيل" يعتزل

"تاكسي طهران" والبحث عن الخلطة السحرية لنجاح السينما الإيرانية