07-يوليو-2017

لقطة من الفيلم

قبل أن نقدّم رؤية نقدية لفيلم 18 يوم، سيكون من الظلم أن نتغافل عن عنصر الوقت والظرف التاريخي الذي تغير كثيرًا منذ وقت إنتاج الفيلم وحتى وقت عرضه منذ أيام قليلة، وسيكون من الظلم أيضًا أن نضع الأفلام العشرة القصيرة المشكّلة لفيلم "18 يوم" في بوتقة واحدة، لذا سنقدم رؤية عامة عن خليط الأفلام العشرة ككل، ثم نتطرق إليهم واحدًا تلو الآخر.

أنتج فيلم "18 يوم" بعد ثورة 25 يناير 2011 مباشرة، وظل يجوب المهرجانات الدولية دون أن يُعرض في مصر

أنتج فيلم "18 يوم" بعد ثورة 25 يناير 2011 مباشرة، وظل يجوب المهرجانات الدولية دون أن يُعرض في مصر، ومنذ أيام قليلة، سُرّبت نسخة من الفيلم على الإنترنت ليشاهده الملايين الذين كانوا بانتظاره في ظرف ساعات معدودة، الفيلم عبارة عن مجموعة من الأفلام القصيرة، عددها 10 أفلام، قام بكتابتها وإخراجها 10 مؤلفين ومخرجين مختلفين، وأيضًا ممثلين مختلفين في كل فيلم.

يحاول فيلم 18 يوم تكوين مقاربة سينمائية للواقع الثوري الذي حدث في 2011 من خلال خليط من الأفلام تختلف قصصها في التفاصيل، وتتفق في تناولها زاوية محددة من زوايا الثورة، واستعراض وجهات النظر المختلفة للشعب المصري والرؤية الملتبسة في حينها.

ما بين مؤيد ومعارض، ثوري وشرطي، شاب مندفع وكهل عجوز، فقير معدم وغني مستقر، منتفع من النظام ومعتقل سياسي، غافل عمّا يحدث ومتابع لحظي، حاول الفيلم أن يقدّم مزيجًا متجانسًا من طبقات الشعب المصري كافة، وكيف تعاملوا مع الحدث الاستثنائي، وكيف نظروا إلى الأمر، وكيف غيّر هذا الحدث من نظرة الأشخاص للعديد من الأمور، وأثّر في حياتهم الشخصية.

 

أبرز ما يميز فيلم 18 يوم هو واقعيته الشديدة واختياره لألفاظ الشارع البذيئة ضمن الحوار في استخدام جيد وغير مبتذل، قد يعترض البعض على ذلك الأمر، باعتباره غريبًا على السينما العربية، والمصرية بالأخص، ولكني أجده علامة مميزة وفارقة في الفيلم، وساعد في تشكيل صورة ذهنية صحيحة عن أبطال الأفلام الذين لم تسع الدقائق القليلة لاستعراض تفاصيل حياتهم.

اقرأ/ي أيضًا: فيلم "الأصليين".. هل تصنع السخافة فيلمًا؟

وساعد هذا الحوار المنسوج بحرفية شديدة أغلب الأبطال في إظهار أداء تمثيلي مبهر، ورغم تلك الواقعية التي أشرنا إليها، إلا أن الإسهاب فيها أتى بنتيجة عكسية، فاستخدام الكثير من مشاهد التظاهرات الحقيقة ذات جودة التصوير الرديئة، وتوظيفها أحيانًا بشكل غير مناسب وغير صحيح تقنيًا، جعل من فيلم 18 يوم أشبه بنشرة إخبارية أو فيلم وثائقي أقرب منه لفيلم سينمائي.

الفيلم الأول: احتباس

الفيلم من تأليف وإخراج شريف عرفة، وتدور أحداثه داخل غرفة لمستشفى الأمراض العقلية، وضع بداخلها نماذج مختلفة من طوائف الشعب المصري، اعتقد أن شريف عرفة أراد أن يضع نموذجًا مصغرًا للشعب المصري داخل غرفة المستشفى ولكن سيناريو الفيلم كان رديئًا للغاية، جمل حوارية صريحة أشبه لبرامج التوك شو، وسياق عام غير مفهوم وأسئلة بلا أجوبة معروفة، فلم نر مثلاً أحد الممثلين يأكل أو يشرب في تلك الغرفة خلال أيام الثورة التي تدور فيها الأحداث! يمكن تبرير ذلك بأن الفيلم كله خيالي وعبثي، لكن الخيال والعبثية لا يتعارضان مع المنطقية بأي شكل.

يحاول الفيلم تكوين مقاربة سينمائية للواقع الثوري الذي حدث في 2011 من خلال خليط من الأفلام تختلف قصصها في التفاصيل

الفيلم الثاني: خلقة ربنا
الفيلم من تأليف بلال فضل ومن إخراج كاملة أبو ذكرى، وشتان بين بلال فضل الصحفي الشاطر، وبلال فضل السيناريست الضعيف، لم ينجُ فيلم خلقة ربنا من سلسلة الأفلام الضعيفة التي قدمها فضل للسينما، ولم يقدم جديدًا على مستوى الإخراج، فتاة فقيرة تبيع الشاي بالقرب من الميدان وتقرر في لحظة أن تشارك في التظاهرات المارة أمامها، تعتدي قوات الأمن عليها وتتساءل بينها وبين نفسها، هل سيدخلها الله الجنة إن ماتت، أو يعذبها لأنها غيرّت في "خلقة ربنا" بتغيير لون شعرها، كان حوار الفيلم ساذجًا وغير متناسق، والدفع بمشاهدات عديدة من التظاهرات الحقيقية والمزج بينها وبين تلك المُمثّلة كان عشوائيًا وغير حرفي بالمرة، أشبه بتلك الفيديوهات البدائية التي يضعها مستخدمو اليوتيوب بمبدأ "قص ولصق."

الفيلم الثالث: 19-19

الفيلم من تأليف عباس أبو الحسن ومن إخراج مروان حامد، بعد الفيلمين السيئين السابقين، انتهى طموحي الشخصي في انتظار مادة سينمائية جيدة، قبل أن ترتفع مرة أخرى بعد 19-19، تدور أحداث الفيلم بداخل زنزانة بين أمين شرطة وضابط أمن دولة من جهة، ومعتقل سياسي يتعرض للتعذيب من الجهة الأخرى، حوار الفيلم تميز بالسلاسة والواقعية، واختيار موفق للممثلين وتسكينهم في الأدوار المناسبة لهم، فقدم الفيلم مقاربة جميلة ومؤلمة لما يحدث داخل غرف التعذيب، وكان صادمًا كونه الفيلم الأول الذي تظهر في الشتائم الأبيحة.

الفيلم الرابع: إن جالك الطوفان

الفيلم من تأليف بلال فضل ومن إخراج محمد علي، لم يختلف كثيرًا عن فيلم "خلقة ربنا" ولكنه أفضل في العموم من حيث الحوار الجيد المتماسك (نستثني منه مشهد النهاية) وكذلك دور المخرج في اختيار ممثلين مناسبين لأدوارهم، تدور أحداثه حول بائع للأعلام، ويحاول الانتفاع من التجمعات البشرية سواء كانت في مظاهرات معارضة للنظام، أو تلك التي دفع بها رجال الأمن الوطني لتأييد النظام بمنطقة المهندسين.

الفيلم الخامس: حظر تجول
الفيلم من تأليف شريف البنداري وعاطف ناشد ومن إخراج شريف البنداري، وتدور أحداثه حول جد وحفيده اضطر أن يخرج من منزله في فترة حظر التجول بسبب مرض حفيده، وأثناء عودته من المستشفى يضل طريقه بسبب الشوارع العديدة المغلقة من الجيش بسبب حظر التجول أو اللجان الشعبية، تطرق الفيلم إلى نقطة مهمة ربما تجاهلها الكثيرون، وهي حالات الضرورة في فترة حظرة التجول، تميز الفيلم برسم الشخصيات بمهارة من خلال حوار جيد وطريف لا يخلو من الدعابة المتخفية، لا يعيبه سوى النهاية الرومانسية التي اكتشف فيها الجد أن حفيده يدّعي المرض من أجل "التصوير مع الدبابة!"

الفيلم السادس: كحك الثورة

الفيلم من تأليف وبطولة أحمد حلمي ومن إخراج خالد مرعي، نجح حلمي في تجربة تأليفه الوحيدة بالخروج بنص ممتاز، فبرغم دقائق الفيلم القصيرة ومكان الأحداث الوحيد الضيق، إلا أن الفيلم مليء بالأحداث والتفاصيل التي تجعلك تشعر بأنه فيلم طويل منفصل وليس مجرد جزء من السلسلة، تدور الأحداث حول "ترزي" مريض بالسكر، دكانه في وسط القاهرة بالقرب من ميدان التحرير، يعيش على هامش الزمن، لا علاقة له بالتكنولوجيا الحديثة المتمثلة في التلفاز أو الهاتف النقال، لا يعرف ما يدور حوله من أحداث، تُلقى قنبلة غاز مسيّل للدموع بالقرب من المحل، فيضطر إلى غلقه والبقاء بداخله طوال فترة الثورة ظنًا منه أن ما يحدث بالخارج حرب أو تدخل خارجي من دول مجرمة.

اقرأ/ي أيضًا: أجمل أفلام العبقري ستانلي كوبريك..الشغف وهوس الكمال

ليبدأ بطلنا في تسجيل شهادته إلى والده على شريط "كاسيت" في حال أنه تعرض للخطر، يكتشف بالصدفة وجود "كحك" بالمحل فيعيش عليه خلال تلك الفترة، ويتناول الدواء، مع مرور الوقت يبدأ الأكل في النفاذ وكذلك الدواء، ويتردد بين الخروج والبقاء، وفي اليوم الأخير يستيقظ ليجد ملابسه ملطخة بدماء تسربت من أسفل باب المحل، فيغير ملابسه بأخرى لأمين شرطة كان تركها عنده من قبل، ويقرر الخروج من المحل أخيرًا.

ثم نعرف أن أهله يبحثون عنه منذ الثامن والعشرين من يناير، ويظنه المتظاهرون فرد أمن حقيقي، وتنتهي الأحداث دون معرفة ماذا حدث له بعد ذلك، ولم أشعر بالضيق أو الملل برغم أن الأحداث كلها تدور في محل ضيق وبطل وحيد يحادث نفسه، ومرة أخرى أشير إلى التفاصيل العديدة المميزة للفيلم، كذلك نجح حلمي في لجوئه لمخرج جيد مثل خالد مرعي، يعرف جيدًا كيف يجعل الصورة ناطقة.

الفيلم السابع: تحرير 2-2

الفيلم من تأليف وإخراج مريم أبو عوف، تدور أحداثه في يوم موقعة الجمل 2 فبراير 2011، ويبدأ الفيلم بشخص يبكي صديقه الذي مات دفاعًا عن الميدان، لنكتشف بمرور الأحداث أن القاتل هو شخص فقير معدم له أسرة صغيرة لا يعرف من أين يأتي لها بالطعام، ولا يعرف ما يدور من أحداث في البلاد، تم استئجاره بجنيهات قليلة من أحد الأشخاص الموكلين باستئجار البلطجية وقتها لمحاولة فض الميدان بالقوة والبلطجة.

ما يميز الفيلم في نظري أن برغم الجريمة المرتكبة من بلطجة وقتل وعنف إلا أن أبوعوف لم تغفل الجزء الإنساني والدوافع التي جعلت البلطجي يلجأ لقبول جنيهات قليلة لفعل أي شيء من أجل أسرته الفقيرة، فلم تُلق بالجرم بالكامل على البلطجي، بل جعلت النظام المتهم الأول وأن البلطجي ضحية أخرى من ضحايا النظام الذي خلق منه مجرم رغمًا عنه.

الفيلم الثامن: شباك

الفيلم من تأليف وإخراج أحمد عبدالله، لا أجد شغفًا للحديث عنه، فيلم صامت تقريبًا، وممل رتيب، لم أفهم الهدف منه ولا ما يحاول إيصاله، وجاءت النهاية غامضة كذلك لا تشير لأي معنى.

الفيلم التاسع: داخلي/ خارجي
الفيلم من تأليف تامر حبيب ومن إخراج يسري نصر الله، لم يكن الفيلم على مستوى توقعاتي من كاتب مميز كتامر حبيب أو مخرج كبير مثل يسري نصر الله، جاء الفيلم متواضعًا بفكرة عادية ليس بها صراعات واضحة أو قوية؛ زوجان يختلفان في الرأي، تقرر الزوجة النزول إلى الميدان برفض زوجها ثم ينزل خلفها ليغيّر رأيه، ويعرف أنه كان مخطئًا ويبدأ الهتاف مع المتظاهرين "المصريين أهم" بعد أن كان يتهمهم بالعمالة.

فيلم "كحك الثورة" من تأليف وبطولة أحمد حلمي ومن إخراج خالد مرعي، وقد نجح حلمي في تجربة تأليفه الوحيدة بالخروج بنص ممتاز

الفيلم العاشر: أشرف سبرتو
الفيلم من تأليف ناصر عبدالرحمن ومن إخراج أحمد علاء الديب، وأعتبره أحد أفضل الأفلام بالتقاسم مع كحك الثورة، تدور أحداثه حول "حلاق" يضطر أن يفتح محله في أيام الثورة بالقرب من ميدان التحرير، ليتحول المحل بعد ذلك لعيادة ميدانية يعالج فيها المتظاهرين الجرحى. التفاصيل مرة أخرى، الفيلم مليء بالتفاصيل الإنسانية المميزة التي تجعل المشاهد يتوحد مع الأبطال والأحداث ويشعر بمدى صدق الرسالة المقدّمة.

 

اقرأ/ي أيضًا:

دانيال دي لويس.. "الجزار بيل" يعتزل

"تاكسي طهران" والبحث عن الخلطة السحرية لنجاح السينما الإيرانية