06-يوليو-2017

لقطة من الفيلم

قد تكون فكرة تناول فيلم سينمائي تدور أحداثه حول سيارات الأجرة "التاكسي" وسائقيها هي فكرة ليست بالجديدة أو المختلفة بعض الشيء ، فهناك العديد من التجارب السينمائية السابقة التي اهتمت بحياة سائقي التاكسي وتجاربهم المختلفة مع الرواد القادمين من خلفيات اجتماعية وثقافية مختلفة، لنجد ذلك من خلال مجموعة من الأفلام المتنوعة بداية من رائعة سكورسيزي "سائق التاكسي" وصولًا إلى سلسلة الأفلام الفرنسية "تاكسي" لمخرجها جيرارد بيريس، وغيرها من العديد من الأفلام التي كان التاكسي محورها الأساسى.

من أهم الأفكار التي يُركز عليها فيلم تاكسي إيران هي صورة "المرأة" وعلاقتها بالمجتمع وتعامله معها كفرد زائد عنه وغير مؤثر به

ولكن ما رأيك عزيزي القارئ إذا وجدت فيلمًا أحداثه تدور كاملة داخل سيارة أجرة، و بطله هو مخرجه وهو نفسه -أيضًا- سائق تلك السيارة؟ فهل سيستطيع تحقيق معادلة التوازن الجمالي الإنساني فى آن واحد أم سيطغى أمر على الآخر؟

هذا ما حاول أن يفعله المخرج الإيرانى الشهير "جعفر بناهي" من خلال فيلمه الأخير "تاكسي طهران"، والذي ظهر من خلاله كسائق تاكسي عادي، متخفيًا من مهنته الأساسية وهي "الإخراج السينمائي" وذلك ليتجول بحرية داخل شوارع العاصمة الإيرانية "طهران" لكي يستمع ويُسجل حكايات عموم المواطنين الإيرانيين باختلافاتهم.

اقرأ/ي أيضًا: نهاد علاء الدين.. بطلة الإغراء السورية التي نسيتها الأضواء

فقبل أن نتحدث عن حبكة فيلم "تاكسي طهران" الأساسية يجب علينا أن نذكر الأسباب التي أتت بالفيلم ليخرج لنا بذلك الشكل الذي يختلط بين ما هو تسجيلي وروائي، فكثير منا يعرف بأن جعفر بناهي هو الآن تحت تنفيذ حكم "الإقامة الجبرية والمنع من إنتاج أفلام سينمائية" الذي حُكم عليه عام 2010 لتأييده للمظاهرات المناهضة للحكم الإسلامي والتي تعالت بعد تولي الرئيس السابق أحمدى نجاد للسلطة، وذلك ليستمر جعفر بناهي تحت تنفيذ ذلك الحكم لمدة 20 عام (2010-2030) حتى يصبح عمره 70 عامًا، وهذا ما جعله يلجأ إلى تقديم بعض التجارب "المتحايلة" مثل تصوير حياته اليومية داخل بيته ليقدمها في فيلمه "هذا ليس فيلمًا" الذي عرض في عدة مهرجانات دولية ولقي العديد من الاستحسانات النقدية، وأخيرًا إنتاجه لفيلم "تاكسي طهران" الذي نحن بصدد التحدث عنه، والذي خرج رقابيًا بكونه فيلمًا تلفزيونيًا وليس سينمائيًا.

تدور أحداث فيلم "تاكسي طهران" من خلال مجموعة من الكاميرات التي قام جعفر بناهي بتركيبها في سيارة الأجرة التي يستقلها، وذلك حتى يتسنى له أن يستمع إلى آراء رواد تاكسيه بكل أريحية، وهذا أول ما يجعل المتلقي يتساءل بعض الأحيان عن النوع الذي ينتمي إليه الفيلم، فهل ذلك الفيلم هو فيلم تسجيلي يقوم برصد حقيقي للشارع دون تدخل أي سيناريوهات مسبقة؟

أم أن كل تلك الأحداث ما هي إلا مجموعة من المشاهد المختلقة والمتفق عليها مسبقًا؟ فهل يمكن أن يبوح المواطن العادي بكل ما فى قلبه لمجرد سائق تاكسي وذلك في ظل الدولة الإيرانية القمعية؟ ولكن بعد فترة زمنية من المشاهدة سيتأكد المتلقي بأنه من المستحيل أن تكون تلك العملية الخاصة بالاستلام والتسلم في الأحداث هي وليدة الصدفة الإلهية، وإنما خاضعة إلى حسابات إخراجية عدة.

فمن أهم الأمور الأخرى داخل الفيلم التي تجعله من المستحيل أن يكون دون تدخل مسبق هو أن الأحاديث التي تدور داخل السيارة هي نفسها القضايا التي تناولها جعفر بناهي من خلال أعماله، والتي للأسف قد تظهر بالمفتعلة داخل إطار الفيلم في بعض الأحيان.

فيلم "تاكسي طهران" حصل على جائزة "الدُب الذهبي" الخاصة بمهرجان "برلين الدولي" عام 2015

فمن أهم الأفكار التي يُركز عليها فيلم "تاكسي طهران" هي صورة "المرأة" وعلاقتها بالمجتمع وتعامله معها كفرد زائد عنه وغير مؤثر به، وذلك بداية من التحدث عن القوانين الإيرانية المجحفة الخاصة بعدم أحقية ميراث المرأة لزوجها دون تسجيل وصية مسبقة، بالإضافة إلى بعض الأمور التي يمنعها القانون الإيراني على المرأة مثل منع مشاهدتها لمباريات الكرة فى الملعب، وممارستها لحياتها اليومية بدون قيود من حيث الملبس أو العمل أو السفر.

ومن الأشياء الأخرى الخاصة بالمرأة الإيرانية والتي يتناولها الفيلم هي أنه على رغم كل تلك الفروض المصبوغة بالصبغة الدينية، إلا أن السيدة الإيرانية لا تزال تؤمن ببعض المعتقدات الزرادشتية القديمة، التي تبتعد كل البعد عن التعاليم الإسلامية، ليظهر ذلك من خلال شخصيتي السيدتين اللاتي أردن إلقاء أسماكهن فى البحيرة إيمانًا منهن بأن تلك العادات ستعطيهن العمر المديد.

اقرأ/ي أيضًا: فيلم "الأصليين": هل يستحق المشاهدة؟

ومن الأفكار الهامة الأخرى التي يلعب الفيلم بشكل واضح على أوتارها هي فكرة "السرقة والاختلاس" كفعل مجرد تمامًا من أي موانع دينية أو أخلاقية، وذلك بداية من الفكرة الأساسية للفيلم وهي "اختلاس بعض المشاهد الخاصة بالركاب" دون علمهم وصولًا إلى فكرة استهانة بعض الأشخاص بفعل "الإعدام" المشهور به إيران كثاني أكثر دولة تطبيقًا لحكم الإعدام على مواطنيها لمجرد بعض القضايا الخاصة بالسرقة وغيرها. 

كما أننا نجد فعل السرقة حاضرًا بقوة في العديد من مشاهد الفيلم بتنويعات مختلفة، بداية من الطفل الذي سرق المال من الأغنياء، والرجل والمرأة اللذين سرقا صديق جعفر بناهي وضرباه، وصولًا إلى سرقة سيارة جعفر بناهي نفسه من قبل بعض الملثمين فى نهاية الفيلم، وكأنه يُريد أن يُوصل رسالة وهي أنه على الرغم من كل تلك القيود الدينية والاجتماعية إلا أن السرقة حاضرة في كل مكان وبأشكال متنوعة أيضًا.

قد تكون فكرة الاعتماد على كاميرات ثابتة كناقل أساسي لما يحدث داخل السيارة هو أمر فى غاية الصعوبة، ولكن الأمر بالنسبة لمخرج في غاية الذكاء مثل جعفر بناهي قد يجعل الأمر ينقلب إلى ميزة أكثر من كونها عيبًا، وذلك من خلال تحديد زوايا معينة قد جعلت الرؤية في أوسع شكل ممكن أو حتى من خلال استغلال كاميرات خارجية أخرى مرتبطة بسياق الفيلم الدرامي لتكون ناقلة للحدث، مثل كاميرا هاتف "بناهي" المحمول أثناء أو كاميرا ابنة أخيه التي تصور مشاهد خاصة بفيلمها المدرسي.

من التي يلعب فيلم تأكسي إيران بشكل واضح على أوتارها هي فكرة "السرقة والاختلاس" كفعل مجرد تمامًا من أي موانع دينية أو أخلاقية

قد يعيب البعض على فيلم "تاكسي طهران" ويصفه بأنه فيلم "يشحذ" التعاطف الغربي من خلال تركيب بعض القضايا التي اهتمت بها "الواقعية الإيرانية" وظهرت على يد جيل كامل من المخرجين الإيرانيين الذين خرجوا من شرنقة المحلية ليذهبوا إلى أعلى آفاق العالمية ليحصدوا أهم الجوائز الدولية مثل "سعفة كان" و"أسد فينيسيا" و"دُب برلين" وحتى "الأوسكار الأمريكية"، وذلك من خلال استعراض الفيلم لمجموعة من القضايا مثل حال المبدع الإيراني حيال الخناق الذي يتعرض له من قبل الدولة، واستعراض قضايا المرأة الخاصة بالحريات.

الجدير بالذكر أن فيلم "تاكسي طهران" حصل على جائزة "الدُب الذهبي" الخاصة بمهرجان "برلين الدولي" عام 2015، كما أنه قد لاقى العديد من التقييمات المرتفعة من قبل النقاد ولجان التحيكم المختلفة، ولكن رغم ذلك فإن الفيلم لم يلقَ النجاح الجماهيري المرتقب من الجمهور وهذا ما جعله يرفع من صالات العرض بعد عرضه بأيام معدودة.

 

اقرأ/ي أيضًا:

كلاسيكيات: فيلم "5 أصابع".. تجسس وكوميديا وأموال مزورة

كل شيء مُتوقع في فيلم "جواب اعتقال"