29-يوليو-2017

لقطة من الفيلم

بعد انتظار دام أكثر من خمسة أعوام، عُرض أخيرًا في دور السينما العالمية العمل المنتظر للمخرج البريطاني غاي ريتشي "King Arthur: Legend of the Sword" (الملك آرثر: أسطورة السيف)، الذي يستند لقصة الملك آرثر في إنكلترا بين القرنين الخامس والسادس الميلادي مع فرسان الطاولة المستديرة المنقولة عن كتابات لمؤرخين عاشوا في قرون أعقبت وفاته.

بعد انتظار أكثر من 5 أعوام، عُرض أخيرًا عمل المخرج البريطاني غاي ريتشي "King Arthur: Legend of the Sword"

وربما هو السبب الذي سمح بإضفاء مزايا أسطورية على شخصية الملك المشهور بحماية أحد السحرة لحياته، وأن خلال فترة حكمه ساد العدل والمساواة بين جميع سكان مملكته.

والظاهر أن غاي ريتشي منذ تقديمه فيلم "RocknRolla" عام 2008 توقف عن الاشتغال على أفلام العصابات التي اشتهر بها، وصار ميالًا أكثر لأعمال الخيال والفانتازيا، فهو اشتغل على جزأين متواليين عن المحقق "شارلوك هولمز"، بعدها أخرج فيلم "The Man from U.N.C.L.E"، وهو قصة عن تأسيس منظمة عالمية لمكافحة الجريمة تنشأ في ستينات القرن المنصرم من ثلاثة عملاء من دول الولايات المتحدة، بريطانيا، والاتحاد السوفياتي سابقًا، ويشتغل حاليًا على جزء جديد من سلسلة شارلوك هولمز، وفيلم ثان عن قصة علاء الدين والمصباح السحري، لكن لا توجد أي إشارة على موعد عرضهما.

اقرأ/ي أيضًا: فيلم "Song to Song" ومحاولة إيجاد الحب الحقيقي خارج السياج

قبل التحدث عن الشريط الجديد لغاي ريتشي يجب أن نتطرق أولًا للرواية التاريخية المتضاربة عن الملك آرثر الذي يقال إنه وحّد إنكلترا في القرن الخامس، إذ أننا أمام روايات مختلفة صبغت جوانبها بأحاديث أسطورية اختلفت تواصيفها بين المؤرخين.

ويقول ويل ديورانت في موسوعة "قصة الحضارة" إن الملك آرثر يعتبر "شخصية غامضة" للمؤرخين، و"الراجح أنه لم يكن من القديسين، أو الملوك"، إلا أنه ينقل عما قاله المؤرخون، أمثال دارس الأثريات الويلزي نينوس الذي عاش بين القرنين السابع والثامن ميلادي، ورجل الدين جيفري مونماوث مؤلف كتاب "تاريخ ملوك بريطانيا" في القرن الـ11، إذ من بين الصفات الأسطورية المنسوجة حول آرثر أنه هزم جيشًا لوحده مؤلفًا من 900 مقاتل، وهو ما يقول عنه ديورانت لا يمكن إن يصدقه عقل.

بهذه الأنسجة الخيالية يفتتح ريتشي المشهد الأول لشريطه عندما يهاجم الساحر مودريد صاحب القوى الخارقة (كاميلوت) آخر القلاع البريطانية التي يحكمها والد أرثر، إيريك بانا (الملك أوثر)، ويحاربه بسيف من صنع أحد السحرة فيهزم جيش الساحر من الفيلة العملاقة التي تدمر الحصون بقتله، ثم يقتل جود لو (فورتيجرن) شقيقه الملك أوثر.

حيث يهرب آرثر الصغير بقارب لتجده النسوة حيث ينشأ في بيت دعارة بقية حياته، وعندما يكبر آرثر الذي يلعب شخصيته تشارلي هونام يسحب السيف الذي تجمد بجسد والده المقتول، ويبدأ مع فرسان الطاولة المستديرة رحلة استرداد العرش، بمساعدة إحدى الساحرات طبعًا.

برز اسم ريتشي لأول مرة عام 1998 عندما قدم فيلم " Lock, Stock and Two Smoking Barrels"، الذي عرفه من خلاله جمهور السينما العالمية، كان فيلمًا مختلفًا يتحدث عن العصابات في بريطانيا بصبغة فيها كوميديا قريبة من تلك التي يقدمها مارتن سكورسيزي، أو كوينتين ترانتينو في أفلام الجريمة، بعدها بعامين أخرج رائعته الشهيرة " Snatch" التي تعتبر النسخة الإنكليزية لأيقونة ترانتينو الخالدة أبدًا "Pulp Fiction".

برز اسم غاي ريتشي لأول مرة عام 1998 عندما قدم فيلم " Lock, Stock and Two Smoking Barrels"، الذي عرفه من خلاله جمهور السينما

ففي هذين العملين، وما قدمهما لاحقًا اعتمد غاي ريتشي على حوارات فيها سخرية، مشاهد سريعة مع موسيقى صاخبة، واستخدامه للفلاش باك خلال الحوار بين الشخصيات، وهي السمات التي تميز تجربته الإخراجية.

يستخدم غاي ريتشي في شريطه ذات الأسلوب في أعماله السابقة، منها الفترة الزمنية لنشوء آرثر في بيت الدعارة، مشاهد سريعة مع موسيقى صاخبة يكبر آرثر، على الصعيد الشخصي أحب هذه النقلات في أعمال ريتشي، أو بالأحرى هو واحد من المخرجين الذين استمتع بمشاهدة أعمالهم.

ومثلها أيضًا في الحوارات منها حواره في منزله مع أحد رجال الملك، أما بالنسبة للفلاش باك فكان استخدامه كثيرًا في الفيلم، وهو في هذه المرة لم يسوقها جيدًا بسبب طبيعة القصة التي تفرض مزيدًا من الخيال في النص المكتوب، القصة كتبت بالتعاون بين دافيد دوبكن صاحب النص الأصلي، وجوبي هارولد، وشارك إلى جانب غاي ريتشي وهارولد نفسه ليونيل ويجرام بكتابة السيناريو.

من عيوب الفيلم الواضحة غياب العنصر الأنثوي تمامًا، فهو اقتصر على شخصيتين، الأولى كانت الساحرة أستريد بيرجيس فريسبي (جوينيفير) التي تحمي الملك آرثر باستحضارها الغربان، وتلدغه بسم أفعى لتتعرف عليه عندما يهاجم القصر حتى لا تقتله، والثانية أنابيلا واليز (الخادمة ماجي)، والتي كان ظهورها بأربعة أو خمسة مشاهد، أما ما تبقى من ظهور أنثوي اقتصر على بضعة نسوة لا يتجاوز عددهنّ العشرة كنّ يعشنّ في بيت الدعارة مكان نشوء آرثر، و ثلاثة نسوة كنّ يعشنّ في قصر الملك.

كذلك كان يمكن لريتشي أن يلعب أكثر في الخيال عندما سحب آرثر السيف من جسد والده الذي تحول لصخرة بعد أن استحال الحصول عليه من جميع الرجال الذين في سنه، أضاع غاي ريتشي المشهد بالتركيز أكثر على لاعب كرة القدم الإنكليزي المعتزل ديفيد بيكهام، الذي يسجل أول ظهور له في عالم السينما بدور الجندي حامي السيف.

إذ لم يكن ظهور بيكهام مبررًا، يشبه تمامًا دور البرازيلي نيمار في فيلم "XXX: Return of xander cage" دون أن يكون لظهورهما هذا السبب الواضح إلا في الأسماء الفاقعة فقط، هذه الإدخالات غير المبررة نلمسها منذ البداية بدخول الفيلة العملاقة التي تدمر الحصون والقلاع قبل أن تسقط قتيلة مع موت مودريد، كان من الممكن أن يكون المشهد الافتتاحي احتفاليًا بأكبر قدر من الصدمة عوضًا عن الفيلة، فهذه الأنواع من الأفلام يمكن للخيال أن يقدم فيها أكثر من المتوقع.

اقرأ/ي أيضًا: نصيحة سكورسيزي للسينمائيين الشباب.. 9 أفلام أجنبية خالدة عليك مشاهدتها

الغريب في فيلم الملك آرثر أنه خصص لإنتاجه ميزانية ضخمة وصلت لـ175 مليون دولار أمريكي، وشارك في المؤثرات البصرية أكثر من 400 خبير، بالفعل لن نكون مبالغين في طاقم العمل إذا عرفنا أنه تجاوز عدده الـ600 شخص، ووحده غاي ريتشي كان يعمل إلى جانبه 16 مساعدًا، إلا أن كل ذلك لم ينفع في إنجاح العمل الذي فشل في شباك التذاكر عند عرضه.

فاليوم بعد الضجة التي استحوذ عليها مسلسل " Game of Thrones" بما قدمه من تقنيات على مستوى الإخراج على من يرغبون بإخراج أعمال فانتازية بحجم غاي ريتشي أن يكونوا أكثر حذرًا، فالمتفرج اليوم أصبح يبحث عن الدهشة التي صارت ألعاب الواقع الافتراضي تقدمها بتقنيات أكثر إقناعًا.

خصص لفيلم الملك آرثر ميزانية ضخمة وصلت لـ175 مليون دولار أمريكي، وشارك في المؤثرات البصرية أكثر من 400 خبير

في مقابل ذلك لا يمكن تجاهل أن "الملك آرثر: أسطورة السيف" تعرض للعديد من العقبات، من ضمنها تداول الصحافة خبر لعب دور الملك آرثر من قبل الإنكليزي كيت هارينغتون المعروف بشخصية (جون سنو) في " Game of Thrones" ثم وقع الخيار على هونام، وأن غاي ريتشي لم يكن في البداية الاسم المطروح لإخراج الفيلم بداية.

كما أن الفيلم تأخر كثيرًا في موعد عرضه بعد أن كان مقررًا العام الفائت، علمًا أن الاشتغال عليه بدأ عام 2010، وهو من ضمن سلسلة ستصدر في ستة أجزاء لذا على الشركة المنتجة أن تعيد النظر في حسابتها للنسخ القادمة، وإلا فأنها ستكون أمام خسائر كبيرة إذا لم تتجاوز أخطاء الجزء الأول في حال افترضنا اشتغال الأجزاء المتبقية.

 

اقرأ/ي أيضًا:

كل ما تحتاج أن تعرفه عن تحفة كريستوفر نولان الجديدة.. Dunkirk

5 أفلام فضحت النظام السعودي من الداخل