26-يناير-2017

لقطة من الفيلم

قرع لأجراس أحد الأديرة، مجموعة من الرهبات يقفن صفيّن موازيين، ويرتلن ترتيلة مسيحية يقاطعهن صراخ راهبة بعيد عن الاستمرار، بهذا المشهد المفحم بالأجواء الدينية يبدأ فيلم "Les innocentes"، أو "الأبرياء" من إنتاج مشترك بولندي – فرنسي أولى لقطاته التي يعيدنا بها إلى العاصمة البولندية "وارسو"، تحديدًا في كانون الأول/ ديسمبر  1945 إبان انتهاء الحرب العالمية الثانية.

"الأبرياء" فيلم من إخراج الفرنسية آن فونتين، هو قصة مقتبسة عن أحداث حقيقية تروي تعرض سبعة راهبات في أحد الأديرة في "وارسو" للاغتصاب من قبل الجنود السوفييت بعد أن دخلوا إليها، وانسحب الألمان منها، ما يسفر عن حمل ستة منهن، تقوم إحدى الطبيبات الفرنسيات بمساعدتهن على الإنجاب سرًا.

"الأبرياء" فيلم من إخراج آن فونتين، هو قصة حقيقية تروي تعرض 7 راهبات في أحد الأديرة في "وارسو" للاغتصاب من قبل الجنود السوفييت

تخالف إحدى الراهبات القوانين السرية التي فرضتها أجاثا كولسزا "الأم" عليهن، وألزمتهن بعدم طلب المساعدة من أحد، عندما تذهب إلى الصليب الأحمر الفرنسي الذي كان ينفذ مهمةً في "وارسو" لمعالجة الجنود الفرنسيين الجرحى، وتطلب المساعدة من، لو دي لايج، الطبيبة "ماتيلد" المنتمية لعائلة شيوعية فرنسية.

يساعد إيقاع الفيلم البطيء على فهم الشخصيات، والصراعات النفسية التي تواجهها الراهبات، أولها الخوف من علم السلطات بأمر حملهنّ، والذي يكون السبب المحرك لباقي سياق القصة، منذ اللحظة التي قبلت بها "ماتيلد" مساعدتهنّ على ولادة أطفالهنّ، وإصرار "الأم" أن تشرف الطبيبة الفرنسية على ذلك دون غيرها.

اقرأ/ي أيضًا: كل ما تريد معرفته عن ترشيحات أوسكار 2017

أثناء عودة "ماتيلد" في أحد الليالي من الدير تتعرض لمحاولة اغتصاب من أثنين من الجنود السوفييت الثملين، والتي يمنع حدوثها تدخل الضابط المسؤول عنهم، تأثر الحادثة على شخصية "ماتيلد"، وبالأخص أنها تساعد الراهبات على إنجابهنّ أطفالهنّ من فعل مشابه، اللواتي كنّ يتمنعنّ من إجراء المعاينة.

يختلف الأمر تمامًا معهنّ، بعد أن يقتحم الجنود السوفييت الدير، وإنقاذ "ماتيلد" للراهبات اللواتي اختبأنّ خوفًا من تكرار الحادثة، عندما تقول للضابط السوفييتي بحزم أن جميعهنّ يخضعنّ لحجر صحي لأنهنّ مصابات بمرض الـ"تيفوس" لتنشأ بعدها صداقة متينة بين الراهبات و"ماتيلد".

تكشف الصداقة التي نشأت بين الطبيبة والراهبات عمق الصراعات التي تعيشها الشخصيات، فعليًا تبدأ منذ المشاهد الأولى: الراهبة التي تستجدي "ماتيلد" للذهاب معها إلى الدير، وأثر فقدان الأمهات اللواتي أنجبنّ لأولادهنّ بسبب تعاليم "الأم" الصارمة على عدم الاحتفاظ بالمواليد، نفسية "ماتيلد" المضطربة قليلًا بعد تعرضها للاغتصاب، صديقها الطبيب اليهودي في الصليب الأحمر الفرنسي الذي تلجأ إليه في أحد المرات ليساعدها على ولادة راهبتين بنفس الوقت، وكان فقد والديه في معسكر نازي للاعتقال.

كذلك يلتقط الفيلم الذي أجادت فونتين في إنجازه صراعًا من شكل آخر مضمونه الشك والإيمان، عندما تسمع "ماتيلد" قصة تعرض الراهبات للاغتصاب، تقول لـ"الأم": "مساعدة الرب لم تكن كافية"، لترد عليها بشكل صارم: "لقد كنا تحت أيدي العناية لإلهية".

وفي مشهد آخر تقول أجاثا بوزيك "ماري" لـ"ماتيلد" بعد أن أصبحت صداقتهن متينة: "الإيمان هو 24 ساعة من الشك.. ودقيقة واحدة من الأمل"، وتخبرها أنه كان لها علاقة جنسية مع أحد الرجال قبل أن تصبح راهبة ما ساعدها على تجنب الحمل عكس الأخريات، بينما تساعد "ماتيلد" راهبة أخرى بعد أن أنجبت طفلها على بدء حياة جديدة خارج الدير.

اقرأ/ي أيضًا: أفعال بريّة ترسم فيلم "حكايا طائشة"

تقدم فونتين في هذا الشريط استعارة بصرية لصراع الخير والشر الذي رافق نهاية الحرب العالمية الثانية، والحياة البسيطة داخل الدير بين الراهبات، صورة مقتبسة لحياتهنّ التي اختصرنها بين الخوف والتراتيل الدينية، وقوانين صارمة تراقب تنفيذها "الأم" كولسزا، نراها في "الأبرياء" شخصية مختلفة تمامًا عن تلك التي قدمتها في فيلم "إيدا"، أي دور العمة والمدعي العام في النظام الستاليني، السيدة اليهودية المفرطة بشرب الكحول، ولديها علاقات جنسية متعددة، تنهي حياتها منتحرة.

 "الأبرياء" فيلم آخر من سينما أوروبا الشرقية، يحكي كما الأعمال الأخيرة قصة من الحرب العالمية الثانية، لكنها عن الوجه الآخر منها

فونتين حتى تتمكن من إنجاز شريطها بهذه الدقة راجعت مع اثنتين من الراهبات طبيعة الحياة داخل الدير، نلاحظ في أغلب المشاهد الصباحية سقوط أشعة الشمس على أرضية الدير، وانعكاسها على الشخصيات، وفي مشاهد أخرى نذهب مع المناظر الطبيعية المغطاة بالثلوج، مع تفاصيل رُكِز عليها لتكون مشابهة كثيرًا لتاريخ القصة الحقيقي، إذا أن عملية التصوير تمت في ثلاث مواقع في "فارمينسكو – مازورسكي" البولندية.

"الأبرياء" فيلم آخر من سينما أوروبا الشرقية، يحكي كما باقي الأعمال الأخيرة قصة من الحرب العالمية الثانية، لكنها عن الوجه الآخر منها، عن العنف الثاني، الصندوق الأسود للاغتصاب في الأديرة، ورحلة الصراع مع قبول طفل مزق ميثاق العفة اللواتي ألتزمنّ به الراهبات رغمًا عنهنّ، ووحشية مجتمع تحرر قبل أيام من احتلال مختلف، ولديه إشكالية أخلاقية معقدة تحتاج الكثير من القوة لمواجهتها.

اقرأ/ي أيضًا:

فيلم "Inside Llewyn Davis" أو ليلة مع لوين ديفيس

"أم العروسة": فيلم الواقع بالألوان