25-يناير-2017

لقطة من الفيلم

مواقف استثنائية تدفعك للتوتر والانفعال فتواجهك الصدمة والغضب الشديد، ومواقف يحاكيها الجنون واللامنطقية يمكن أن تصل حدّ الجريمة المفتعلة، سلسلة من المواقف الصادمة التي لاتتوقع حدوثها، على سبيل المثال هل فكرت وأنت تقود سيارتك بسرعة كبيرة قد يعترضك شخصٌ ما، فتبدآن عراكًا ينتهي بكما محترقين. أو أن غريمًا ما قد يحضر إلى المطعم الذي تعمل به ويطلب طعامًا، فاسحًا أمامك فرصة للانتقام.

بين الدفاع والهجوم والمناورة يتنوع شكل الفعل في فيلم "حكايا طائشة" 2014 أو بريّة أو شيطانية، كل التعابير تنفع لتوصيف مواقف حياتية مرّ بها أبطال ستة قصص تبدو وكأنها ملخص منطقي لأكثر المواقف لامنطقية وقسوة يمكن أن تمر بها فتصل بك لنهايةً لاتتوقعها.

من المثير للإعجاب بفيلم Wild Tales هو التماذج بين أفعال الشخصيات وما يماثلها من الحيوانات البريّة التي تشبهها

الفيلم من كتابة وإخراج الأرجنتيني داميان سيزفرون، وتقوم الحكايا الستة برسم خيطٍ هشٍ لما يمكن تسميته نتيجة حتمية للحظات لايحكمها أيّ منطق، فيقف كل ماهو بريّ وفطري أمام المتوقع والمعروف وأحيانًا مانسميه بالصحيح. لتغلب طبيعة الأول على حالة الثاني بذلك الخيط الهش ذاته الذي يفصل بينهما تنقلب معه الأحوال والظروف.

اقرأ/ي أيضًا: "أم العروسة": فيلم الواقع بالألوان

ما دفعني لتذكر الفيلم هي مصادفة انتشرت مؤخرًا على فيسبوك، تم تداولها من قبل الكثير. حكاية الناقد الموسيقي الذي أراد الانتقام من كل الأشخاص الذين أحبطوه وأذوه خلال حياته، فدبر لهم رحلة طيران وجمعهم في مكان واحد، عشيقته التي تركته وصديقه الذي خانه والمعلمة التي أحبطته وصولًا إلى والديه اللذين لم يحسنا معاملته. لتكون هذه الطائرة محطة أخيرة تنتهي معها تجربة إحباطه وتخلي الآخرين عنه، كالثمن الذي تدفعه مجموعة صغيرة من الناس تشبه آخرين كُثر في محاولة عقاب المجتمع بأكمله على قسوته وضراوته في التعامل مع الأضعف.

لتنسحب هذه القسوة نفسها على باقي القصص فتأخذ أشكالًا إنسانية مبالغ فيها مرات تصل حدّ الغرابة فيبدو معها السلوك البشري بريّ ووحشي بالمطلق ينتظر فرصةً للانتقام، ومرات أخرى تبدو كأنها ضرورية لانتزاع اعتراف من الآخر بالذنب والاستمرار. وهذا مافعله خبير المفرقعات مع إحدى الشركات التي وظفتها الدولة لسحب السيارات المتوقفة في أماكن غير مخصصة للوقوف، مقابل مبالغ مالية كبيرة في خطة لسرقة الأموال، تعترض حياة المواطنين وتخنقها، لتصبح تيمة الانفجار أعم وأكثر ضرورة من مجرد فعل، فيُوظف في الاحتجاج على هكذا سياسيات، وربما طريقة لحلّ الإشكاليات بين الفرد والدولة.

مثلما دفع الانتقام عروس تعرف بخيانة زوجها لها في ليلة الزفاف، فتصل بها حدود الانفعال إلى فضحه وتهديده، والكثير من المضايقات، التي وإن جُردت من الظرف الموضوعة فيه تبدو مجنونة وغير منطقية، ولكن في جوهره فالانفعال والضغط نهايته السكون لامحالة، في تطور طبيعي لسلوك الأفراد البريين إن صح التعبير، حين تضعهم الحكاية في مآزق تصل بهم حدّ الجنون واتباع السلوك الفطري والغريزي في الدفاع عن النفس.

وداوها بالتي هي الداء، بعيدًا عن الندم على الفعل يقوم أبطال الحكايات برد الفعل على مقاس الفعل أمامهم، ليفسح هذا الفيلم مجالًا للأنا تتشكل بعيدًا عن التوقعات المرجوة منها.

اقرأ/ي أيضًا: لالا لاند.. هل طغى غوسلينج على إيما ستون؟

من المثير للإعجاب في هذا الفيلم هو التماذج الملاحظ بين أفعال الشخصيات وما يماثلها من الحيوانات البريّة التي تشبهها، على اعتبار بأن الوحشية هي أحد ألوان الطبائع البريّة، والتي صبغت أيضًا ألوان شخصيات القصص الست بكل تنوعها وفرادتها.

يبدو أمرًا ضروريًا تأمل لاعقلانية حكايات فيلم Wild Tales أمام كل النمطية والسياق الطبيعي لما يجري في الواقع

من المهاجم إلى المدافع والمتربص، شكلٌ ما للحياة يمكن تخيله بعيدًا عن خطة المتوقع التي نرسمها لأنفسنا قبل كل فعل وأيّ رد عليه، نعيش تلك الحالات والانفعالات في محاولة لكشف زيف الطباع والسلوك التي تطبعنا بها، أمّا في الواقع فيبدو الأمر أكثر تطرفًا، هي صورة بريّة عن حياة البشر وسلوكهم، مما يدعو لتأمل العقلية التي تقوم عليها أفعالنا بكل مافيها من شذوذ وطبيعية.

هذه الطبائع البدائية التي تسيطر على أصعب المواقف لم تُترك على سجيتها لتتابع تشكيل نفسها بنفسها، بل غالبًا مايقف أمامها ويحوطها القانون أو التجربة البشرية أو النتيجة الحتمية.

يبدو أمرًا ضروريًا تأمل لاعقلانية حكايات الفيلم أمام كل النمطية والسياق الطبيعي لما يجري في الواقع، فالإجابة دومًا على أسئلة مثل كيف حصل هذا ولماذا حصل، ضمن خطة لاكتشاف سرّ المصادفة وترتيب المعقولية التي تقوم عليها الحياة، ليس بالأمر الهام والإشكالي، فهنالك الكثير مما يجب فهمه وتبريره على غرار الطريقة البريّة تلك.

اقرأ/ي أيضًا:
فيلم "Collateral Beauty": كيف تغيرنا تجارب الفقد؟
فيلم "Chinese Coffee" بين الكتابة والصداقة