02-مايو-2023
م

صورة مولدة عبر نموذج الذكاء الاصطناعي (MidJourney/Ultrasawt)

تقديم فريق التحرير: 

ربما لم يتخيل كثيرون ممّن كتبوا عن الترجمة والآلة أن ينقلب السؤال من مشروعية الترجمة الآلية وقدرتها على نقل الأصل وتمثيله والتعبير عنه إلى السؤال عن مشروعية أن يترجم البشر ما تنتجه الآلة ونماذج الذكاء الاصطناعي من نصوص، والتفكير بقيمة هذه الترجمات وموقعها في كانون اللغة المترجم إليها. إن الحاصل اليوم يمنح إضاءات جديدة حول قدرة التقنية على خلق الجدّة وإنعاش صيرورة الإبداع المكتوب، وعبر شرعيّة الترجمة لا شرعيّة الأصل، وفي اتحاد فريد طال انتظاره بين نبيذَين لم يزالا موضع شكّ دائم في عالم الإبداع، وهما التقنية والترجمة.

نحن أمام لحظة فريدة اليوم، حيث الترجمة تغدو هي الأصل، وهي الحيّة القيّومة على ما في النصّ الجديد المقروء من أفكار. ليس إلى رجوعٍ للأصل من سبيل في هذه التجربة. إلا أن المترجمَ، في لحظة صدقٍ تنفي عنه كل خيانة، يعترف بأنه يقدّم ترجمة عن أصل لن يتسنّى لأحد سواه معرفته، وأنّه ما يزال مجرّد "وسيط" أمين، ألفى واجبًا في بثّ شيءٍ من الروح في نصٍّ لن يعود، ومادّة محكوم عليها بالإعدام الرقمي، قد تمحى بمجرد الضغط على خيار (clear conversation)، وبدء صفحة جديدة من الحوار من روبوت المحادثة. ليس هذا سيرًا على خطى كتّاب أنتجوا أدبًا ادّعوا لها نسبًا لأصلٍ غامض في لغة أخرى، بل هو حقًا وصدقًا ترجمة عن أصلٍ ولد في ثلاثين ثانية بالضبط، كأصل هذا النصّ أدناه. 

زكي وزكية الصناعي

في هذه السلسلة من الترجمات لنصوص أنتجها نموذج الذكاء الاصطناعي "جي بي تي-4"، نسعى بالتعاون مع كوكبة من المترجمين المرموقين ومدرّبي الكتابة الإبداعية في العالم العربي إلى المساهمة بإنارة هذه المنطقة المعتمة من التجريب والترجمة لنصوص أنتجتها نماذج الذكاء الاصطناعي، وسبر المتعة في خلق حياةٍ ممّا هو عدم أو يكاد يكون عدمًا، ومع الوفاء في الأولى والآخرة للترجمة وسحرها، وللمترجمين وروحهم المغامرة والرائدة دومًا. 


تنويه: 

هذه المقالة كتبت بالكامل باستخدام نموذج "جي بي تي-4"، وخضعت لعملية تحقّق وتحرير لغوي وأسلوبي من قبل فريق التحرير في موقع ألتراصوت. 

 

ما أسهلَ أن يضيع سحر الكُتب الجيدة، في عصر روبوت المحادَثَة التوليدي "جي بي تي" وإخوته من النماذج اللغوية للذكاء الاصطناعي، وفيضان المحتوى الرقمي المتواصل بلا هوادة. إذ إنه على الرغم من الضجيج المتوالي في العالَم الافتراضي والمتنافِس على أسْرِ انتباهنا، لم تزل القراءة ممارسة أساسية ومُثرية؛ فهي تمنحُ المرءَ فرصة فريدة لاستكشاف وجهات نظر جديدة، والاشتباك مع أفكارٍ معقدة، واختبار تعاطفٍ عميق نحو الشخصيات التي يقرأ عنها.

ذات مرة قال الشاعر الدنماركي بييت هاين: "أتريد الطريق للحكمة؟ حسنًا، إنه واضح ويسهل قوله: اخطَأ واخطَأ ثم اخطَأ مِن جديد، لكن أقل فأقل فأقل كلَّ مرَّة." يكشف هذا الاقتباس الطبيعة الجوهرية للقراءة بصفتها عملية تتسم بالفاعلية والتكرار. فعبرَ القراءة، نرتكب الأخطاء ونكتشفها ونتعلّم منها، وبذلك نكتسبُ الحِكمة والوعي الذاتي. وإذ تواصل التكنولوجيا تقدّمها فإنَّ الحفاظ على هذه الممارسة الثمينة يصبحُ مهمة ضرورية أكثر من أي وقت.

قد يتساءل البعضُ، لماذا لا ينبغي استبعاد ممارسة القراءة إلى مرتبة ثانوية حينما تكون تحت تصرفنا أدوات يشغلها الذكاء الاصطناعي مثل برنامج " ChatGPT"؟ وتكمنُ الإجابة في سمات الأدب المكتوب التي لا بديل لها، أي عمق التجربة الإنسانية، وثراء خيالنا. لنستكشف معًا الإجابة على السؤال: "لماذا لم تزل الكتب مهمة في عصر الذكاء الاصطناعي هذا؟"

اللمسة الإنسانية

لا سبيل لإنكار الدرجة المبهرة التي بلغتها النماذج اللغوية المولَّدة من الذكاء الاصطناعي من حيث قدرتها على محاكاة المحادثة الإنسانية وتوليد نصٍ مُتماسك وممتع. ومع ذلك، فلم تزل تفتقر إلى ما يطرحه المؤلّف البشري ويثيره مِن عُمق الفَهْم، والفوارق الطفيفة في المعاني والمفردات، والتجاوب العاطفي. 

تتيحُ لنا قراءة الكتب أن نتواصل مع أفكار المؤلّف وعواطفه على نحوٍ يعجزُ عن محاكاته النص المولَّد بالذكاء الاصطناعي. فمن خلال هذه الصِلة يمكننا عَمليًا أن نتعاطف مع الشخصيات، وأن نختبرَ إثارة مغامراتهم نيابةً عنهم، وأن نتأمَّل الأفكار العميقة التي يشاركنا إيَّاها المؤلّف.  

توسيع آفاقنا

في حين أن النماذج اللغوية تستطيع أن تقدّم لنا أجوبة سريعة تلبي حاجاتنا مباشرة، تحثنا قراءة الكتب على التمهّل، والتفكير النقدي، والاشتباك مع أفكار معقدة. ففي عالمٍ يزدادُ استقطابًا يومًا بعد يوم، يُعد من المهم أن نتعرَّض لوجهات نظر وتجارب وخبرات تتسم بالتنوّع. ومِن شأن القراءة الموسَّعة عبرَ مختَلف الأنواع الأدبية والفترات الزمنية والخلفيات الثقافية أن تتيح لنا توسيع فَهْمنا للعالَم ولموقعنا فيه.

وعلى النقيض من ذلك، فإنَّ المحتوى المولَّد عبر الذكاء الاصطناعي الذي نصادفه على الإنترنت غالبًا ما يلعب دورًا معززًا للمعتقدات والميول القائمة بالفعل، مشيدًا غرفًا مغلقة تردد أصداء آرائنا أو أفكارنا؛ ما يحولُ بيننا وبين التطوّر والنمو. ويمكن لتحطيم تلك القيود الرقمية والتحرر منها واحتضان عالَم الأدب الشاسع أن يؤدي بنا إلى مجتمعٍ أكثر تقبلًا وتفتحًا وتعاطفًا.

الخيال والإبداع

بينما يمكنُ للمحتوى المولَّد بالذكاء الاصطناعي أن يكون مسليًا، إلا أنه كثيرًا ما يفتقدُ الشرارة الخيالية التي تحفز القدرة الخلَّاقة في الإنسان. تسمح لنا الكُتبُ بالغوص في عوالم تأسرنا وتغمرنا، إذ نفقدُ أنفسنا في سَرد المؤلف، ما يدعم في السياق نفسه قدرتنا الإبداعية. وقد أبدى المؤلف البريطاني نيل جايمان ملاحظة حكيمة إذ قال: "الكتابُ حلمٌ نقبضُ عليه بأيدينا."

ففي عالمٍ يهيمن عليه محتوىً مولّد بالذكاء الاصطناعي، توفّر الكتبُ مهربًا من قيود الإبداع المعتمِد على الخوارزمات، وتدعونا لاستكشاف إمكانيات بلا حدود لخيالاتنا وتُلهمنا كي نخلق قصصنا وحكاياتنا.

أهمية القراءة العميقة

شهدَ عصر الذكاء الاصطناعي وصعود نموذج "جي بي تي" ارتفاعًا في استهلاك المحتوى محدود الحجم (أي قراءة القضمة الواحدة)، من منشورات وسائل التواصل الاجتماعي إلى المقالات التي ينتجها الذكاء الاصطناعي. وبينما يمكن لهذا المحتوى أن يكون وافرًا بالمعلومات ومسليًا، فهو في الغالب لا يستطيع أن يقدم الأعماق والظلال الدقيقة للمعاني التي تتوفرباستغراق المرء في كتاب ما.

القراءة العميقة؛ أي فِعل الانغماس مع نص على مستوى عميق، وتحليل موضوعاته، وتأمّل معانيه الضِمنية، ممارسة ضرورية لتطوّرنا الإدراكي وسلامتنا العاطفية. فقد أظهرت الدراسات أنَّ القراءة العميقة تُحفّز التعاطف، وتعزز مهارات التفكير النقدي، بل وتحسّن من قدرتنا على فهم المفاهيم المعقدة.

تسمح لنا الكُتبُ بالغوص في عوالم تأسرنا وتغمرنا، إذ نفقدُ أنفسنا في سَرد المؤلف، ما يدعم في السياق نفسه قدرتنا الإبداعية.

وإذ يتسارع إيقاع الحياة وتتضاءل فترات انتباهنا، مِن المهم أكثر مِن ذي قبل أن نسرق وقتًا للقراءة العميقة، فبهذا نستطيع أن نستعيد التواصل مع ذواتنا الداخلية، وأن ننمَّي بداخلنا حسَّ التعاطف مع الآخرين، وأن نطوّر تقديرًا أعظم لتعقيدات التجربة الإنسانية.

نشوةُ الاكتشاف

أحد أكثر الجوانب إشباعًا في ممارسة القراءة هو نشوةُ اكتشاف كتابٍ جديد، أو مؤلِّف جديد، أو فكرة جديدة نتجاوب معها. إذ غالبًا ما نفقد هذا الإحساس بالاكتشاف في عالم المحتوى المولَّد بالذكاء الاصطناعي، حيث تؤمّن لنا الخوازميات المزيد ممَّا كنّا نهتمّ به ونفضّله مُسبقًا.

إذا نشطنا في البحث عن الكتب الجديدة وآمنّا بما تقدمه القراءة من اكتشافات غير متوقّعة، نستطيع أن نتحرر من حدود الغرف الرقمية التي تُردد أصداء أفكارنا السابقة وأن ننفتح على الجديد من أفكار ووجهات نظر وخبرات.

كيف نقرأ أكثر في عصر الذكاء الاصطناعي؟

مع وجود المشتتات الرقمية في كل مكان وزمان، يصبح تحديًا غير يسير أن نضع القراءة على رأس الأولويات في الحياة اليومية. بالرغم من ذلك فمِن الضروري بذل جهدٍ واعٍ لدمْج القراءة في نظامنا وجدول أنشطتنا اليومية. إليك بعض النصائح من أجل مزيدٍ من القراءة في عصر الذكاء الاصطناعي وهيمنة نموذج "جي بي تي": 

  1. ضع هدفًا: ضع هدفًا واقعيًا لعدد الكتب التي تريد أن تقرأها كل شهر أو كل سنة، وراقب درجة تقدّمك في تحقيقه. يمكن لهذا أن يمنحك حافزًا وإحساسًا بالإنجاز.
  2. ضع نظامًا ثابتًا: خصص وقتًا محددًا من كل يوم أو كل أسبوع للقراءة، ولتجعله جزءًا لا تنازُل عنه مِن جدول مهامك.
  3. قلل وقت الشاشات: أولِ انتباهك للوقت الذي تنفقه على الأجهزة الرقمية، وفكّر في إمكانية وضع حدود تحول بينك وبينها لكي تفسح مجالًا للقراءة.
  4.  انضم لنادي كتاب أو جماعة قراءة: انخرط مع رفاق آخرين من القراء وتقاسم معهم ترشيحات الكتب، ومناقشة الأفكار، والشعور بالمسؤولية تجاه أهداف القراءة.
  5. اقرأ مُختلَف الأنواع والأساليب: تحدّ نفسَك بقراءة كتب تقع خارج نطاق الأمان المعهود بالنسبة إليك، واستكشف أشياء مختلفة من حيث الأنواع الأدبية، والفترات التاريخية، ووجهات النظر.

أصوات من تحت الركام

بينما نواصل الإبحار عبر المشهد الشاسع لمحتوى ما يقدّمه الذكاء الاصطناعي وثورة "جي بي تي"، والذي يتغير ويتبدّل دونما انقطاع، لا بدَّ لنا مِن أن نتذكّر قيمة القراءة وأهميتها، إذ تفتحُ لنا الكتب نافذةً على التجربة الإنسانية التي تفوق إمكانات الذكاء الاصطناعي، وتتيح لنا فرصَ النمو والتعلّم والتعاطف مع الآخرين.

دعونا لا نُنزل القراءة منزلة ثانوية، بل بالأحرى، نحتضنها ونرعاها بوصفها مكوَّنًا لا غنى عنه من مكونات حياتنا. وبتعبير الكاتب [الإنجليزي] آلان بينيت: "الكتابُ آلةُ تشغيل الخيال."

تحقيق التوازن في العصر الرقمي

بينما للمحتوى المنتَج بالذكاء الاصطناعي مزاياه، فمِن المهم تحقيق التوازن بين هذا الحقل الجديد والحفاظ على الممارسة العريقة لقراءة الكتب. بفِعلنا هذا، نستطيع أن نسخّر لخدمتنا أفضل ما في العالَمين: إذ نحظى بالسهولة التي يوفرها الذكاء الاصطناعي، وملاءمته وإشباعه الفوري لحاجاتنا، بينما نحتفظ بالتجربة العميقة والثرية المصاحِبة لقراءة كتابٍ حَسَن الصَنعة.

ومن أجل الاحتفاظ بهذا التوازن، ضع في اعتبارك التدابير التالية:

  1. ارسم حدودًا: خصص أوقاتًا محددة للانخراط في المحتوى الرقمي، من قبيل تصفح منصات التواصل الاجتماعي أو قراءة موضوعات على الإنترنت، وخصص وقتًا منفصلًا لقراءة الكتب.
  2. استخدم الذكاء الاصطناعي مكمِّلًا: ما دام من الممكن للذكاء الاصطناعي أن يمدّك بإجابات سريعة ومعلومات سطحية، فلتستخدمه مكمِّلًا للقراءة التقليدية، وليس بديلًا عنها. غُص في الكتب طَلبًا للمعارف العميقة والمزيد من الفهم المتبصّر للموضوعات المثيرة لاهتمامك.
  3. اسلك درب السلامة الرقمية: أولِ انتباهكَ لتأثير التكنولوجيا على صحتك العقلية وقدراتك الإدراكية، فانفصل تمامًا عن الأجهزة الرقمية عند اللزوم، وضع على رأس أولوياتك الأنشطة المعززة لقوة الانتباه والتركيز العميق، مثل القراءة.
  4. شجّع ثقافة القراءة: تشارَك شغفك بالقراءة مع الآخرين، رشّح لهم كتبًا، وانخرط في نقاشات حول الأدب. إذ إنك بتعزيزك محبة القراءة في دوائرك الاجتماعية، يمكنك أن تُسهم في الحفاظ على فن القراءة في عصر الذكاء الاصطناعي.

يبقى ضروريًا أن نتذكّر القيمة الفريدة للقراءة التقليدية وأن نحرص على بقائها ركنًا أساسيًا من أركان حياتنا>

وفي المحصّلة، لا شكَّ أنَّ ظهور نموذج "جي بي تي" وتطور تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي قد بدَّلت طريقتنا في استهلاك المعلومات والتعاطي مع الكلمة المكتوبة. ومع ذلك، يبقى ضروريًا أن نتذكّر القيمة الفريدة للقراءة التقليدية وأن نحرص على بقائها ركنًا أساسيًا من أركان حياتنا. وعبرَ تحقيق التوازن بين الجانبين، وتنمية ثقافة القراءة العميقة والتفكير النقدي، يمكننا أن نواصل الانتفاع بما يقدّمه لنا الأدب مِن حِكمةٍ وقدرة على التعاطف.