24-يناير-2019

بيير سولاغيس/ فرنسا

بالأمسِ مررنا بالغدِ، ركبنا جنح القصِيدةِ وطرنا، قابلنا الغد مبتسِمًا. فاهه مليء بالدخانِ، وضوضاؤه الصامتة تطحن العظم، فطفقنا نركل الأصوات كما تركل الأضحية آخر أنفاسها، من جلودنا يخرج الضوء، وما إن يلامس الهواء حتى ينقلب الى ريح.

قلنا للغد ماذا تخبئ في جيبِ غيبك؟

قال الغد متسترًا على خوفه: "لا شيء! إنّما كلمات"

في البدء كانت الكلمة ثمّ استحالت لا شيء، لا شيء يتوالد مرارًا مخلِّفًا أطفال قمح بِرؤوسٍ ملتهِبةٍ، ظلًّا يأكل نفسه، ورِيحًا تركل ظلّها هذا ما أخبئه في جيبي وهذا عيش الكلمات.

من جيبه أخرج الغد "سأكبر" فازداد ضخامةً بقدرنا جميعًا، من عالٍ قال الغد: "كونوا هربًا".

فصرنا أخفّ من السّرابِ، نسبق أنفاس الجيادِ بِخطوةٍ دائمًا.

بعد فترةٍ أحس الغد بالمللِ من كثرةِ دورانِنا حوله، فقال: "كونوا ماءًا"، فانهمرنا على نهودِ الصبايا كانهمار الغزال على بعلها، ثم قال أيضًا: "كونوا معنى".

فوضعنا البندقِية في يد الفريسةِ وثبتنا قدمي الصيّادِ بالأرضِ، منتظرين اختلاط دمهِ بالترابِ، كي نأخذ بثأرِهِ من القتلة.

مد الغد يده إلى جيبهِ، تارِكًا إيانا نحملق بِترقب، بينما يخرج صرة من الحرير، سوداء تشع بما تحمله من الضياء، وبعد أن أزال عنها الغطاء قال: "كونوا أنتم".

اليد التي كانت ترتب الوقت سقطت، والعنق التي تلوي نفسها كي تستيقظ نامت، والهوة التي ترمم نفسها بالجثث قذفتهم جميعًا.

ذهول.. ذهول.. ذهول.. يضرب شطآن الروحِ فترتعد الأركان.

كيف لنا أن نكون أنفسنا الآن وهنا، فهل يعني هذا أننا لم نكن أنفسنا قبلًا، وإِن صدق الادعاء وكنا غير أنفسنا فمن كنا؟

في طريقنا لنكون أنفسنا، انقلب البعض إلى تراب، كنسه آخرون استحالوا بِدورهِم مكانس، البعض صار هواء يحلم بالمشي، وآخرون صاروا طريقًا يحمل ثقله، والكثير ممن كانوا هناك صاروا كوّةً تطل على الحربِ، تملؤهم مناظر الأصابع والأقدام المبتورِةِ، وآخرِين صاروا عطشًا، عطشًا للبئر واليد والمرآة، أما أنا فصرت "كلمة" أبحر في اللغة والوقت، قرأني الغد فصار الآن.

 

اقرأ/ي أيضًا:

إلى نهاية النهاية

صالون أبو فخرو وركن شپال

دلالات: