12-أبريل-2017

عيسى شوّاط (1976)

لا يتعاطى الكيروغرافي الجزائري عيسى شوّاط (1976) مع الكيروغرافيا بصفتها تحريكًا للجسد في فضاء معيّن، لإضفاء جوٍّ من المرح أو لكسر خطية العرض المسرحي، بل بصفتها عرضًا فنّيًا مستقلًا داخل العرض العام، انطلاقًا من وعي مشترك بين المشرفين عليهما، بالعناصر الخالقة للانسجام الكافي لتمرير الرسائل الجمالية والفكرية والفرجوية للمسرحية. من هنا، فالكوريغرافي في نظره باحث بالدّرجة الأولى، "ولا مكان للارتجال في اقتراحاته، وهذا ما يميّزه عن غيره من المشتغلين على الجسد". 

يتعاطى عيسى شوّاط  مع الكيروغرافيا بصفتها عرضًا فنّيًا مستقلًا داخل العرض العام،

كانت العروض الفنية التي شهدتها المؤسسات التربوية، ثمّ دار الشباب في محافظة تيارت، 600 كيلومتر إلى الجنوب من الجزائر العاصمة، مطلع تسعينات القرن العشرين، هي الخلفية التي جاء منها عيسى شوّاط إلى الفن. "كنتُ أبيت في دار الشّباب، لأنّني لا أستطيع أن أغادرها إلى بيتي، في ظلّ وضع أمني كان يحصد رأس كلّ من تسوّل له نفسه بممارسة الفن. لقد كانت الأجساد مثل الأرواح مستهدفة في أية لحظة، وهو ما أغراني بأن أشتغل عليها تحريرًا لها من الخوف".

اقرأ/ي أيضًا: الرقص الاعتقادي في مصر.. دروب الخلاص

نصحه النّاقد المسرحي مبارك بوعكاز، الذي توفي عام 2006، بأن يُخضع مواهبة للدراسة الأكاديمية فيقول عيسى شواط عن ذلك: "لكنّ ظروفي العائلية القاسية، أرغمتني على أن أنخرط في النشاط التجاري، لمدّة عامين، فربحت ماديًا وخسرتُ نفسي، وقد قادني إحساسي بفداحة تلك الخسارة إلى أن أحمل حقيبتي وألتحق بـ"المعهد العالي للفنون الدّرامية" في الجزائر العاصمة، مجرّدًا من كلّ شيء ما عدا طموحي في تكوين ذاتي".

يعترف عيسى شواط ويقول: "كنت مشاكسًا لا يرضى بأن يُلقّن أيَّ شيء، فطردتني إدارة المعهد ستّ مرّات، وكنت في كلّ مرّة أعود بقرار وزاري، متخصّصًا في الكوريغرافيا التي كنت مدفوعًا برغبتي في أن أصبح محترفًا فيها. فحتى المرّات التي مارست فيها التمثيل كانت بهدف تطويع جسدي للكوليغرافيا. لقد انزاحت من كونها تخصّصًا إلى كونها حلمًا مسيطرًا على يومياتي". من تلك المسرحيات التي مثّل فيها مسرحية "بلا زعاف" للمخرجة صونا عام 2003، وملحمة "مسيرة كرامة" لعبد الحليم كاراكلا عام 2004، و"شخوص وأحداث" لقاسم محمّد عام 2007.

بالموازة مع ذلك، كان موضوع بحث التخرّج لعيسى شواط عام 2004 "الحركة نهاية إحساس في العرض"، وقارب فيه شواط فكرة الكوريغرافي الرّوسي لابان رودولف  بأن الحركة الخارجية تابعة لحركة داخلية نابعة من تركيز عميق للفكر، والتي حاول تجسيدها لاحقًا في العديد من العروض التي أحرزت جوائز معتبرة. منها عرض "كاظم الغيظ" مع "الحركة المسرحية لمدينة القليعة" التي يشرف عليها المسرحي يوسف تاعوينت، والذي افتكّ عام 2009 جائزة أفضل عرض متكامل في "المهرجان الوطني لمسرح الهواة" بمدينة مستغانم، وعرض "موزاييك" الذي صمّمه خصّيصًا لحفل افتتاح "المهرجان الوطني للمسرح الأمازيغي" عام 2010، مستثمرًا فيه الرقصات التراثية الجزائرية برؤية حديثة، وعرض "ألف تحية لعرفية" للمخرج ميسوم العروسي في السّنة نفسها.

يستعدّ عيسى شواط للانخراط في تجربة راقصة تستثمر في الشعر الحداثي

لكنّ الانطلاقة الفعلية لعيسى شوّاط كانت من خلال عرض "عروس المطر"، لأنه عرض كوريغرافي صرف، بحيث تمّ تعويض اللغة/ النص بالحركة، فوُرّط الجسد في تقديم خطاب فلسفي، باعتباره مدانًا ومقيّدًا في معظم الأديان والمساطر الاجتماعية. "قبل أن يهدف الممثل إلى التفنّن في استعراض جسده، فهو يهدف إلى تحرير فكرة الجسد في ذهن المتلقي الطالع في بيئة تقرن ذكر الجسد بالعيب أو الحرام، بينما يمثّل لها أكبر ما تتشهاه في السّر".

في الورشات التكوينية التي أشرف عليها عيسى شواط، كان شوّاط يحرص على أن يغرس في أذهان الرّاغبين في الممارسة الكوريغلافية الانتباه إلى أن الجسد قاموس قائم بذاته، يختلف في بلاغاته ونحوه وصرفه عن قواميس اللغة، وهذا يقود إلى إنتاج وعي حاد لدى الممثل بالحركة، انطلاقًا من هذه البلاغة الجسدية.

اقرأ/ي أيضًا: حسن رابح.. الرقص في الريح

من هنا، تأخذ الكوريغرافيا عند عيسى شوّاط مصداقيتها من معطيات كثيرة، منها أن تفهم المقاصد الكبرى للعرض المسرحي، فتذوب فيه من غير أن تفقد خصوصياتها، وصولًا إلى الانسجام الجمالي والفكري بين العناصر المسرحية. منها كان عرض "هاملت" للمخرج ربيع قشي و"افتراض ما حدث فعلًا" للطفي بن سبع، جائزة أفضل عرض متكامل عام 2012، و"الملك يلعب" لعبد الرحمن زعبوبي، و"ذكرى من الألزاس" لمحمد فريمهدي عام 2013، و"سطو خاص" لفوزي بن إبراهيم عام 2014، و"درب التبانة" لميسوم العروسي عام 2015، جائزة أفضل عرض متكامل في المهرجان الوطني للمسرح المحترف"، و"الغلطة" لمولاي ملياني مراد محمد، رشحت لجائزة أفضل إخراج عام 2017 في المهرجان نفسه.

يستعدّ عيسى شواط للانخراط في تجربة كوريغرافية جديدة، بالاستثمار في الشعر الحداثي، بالنظر إلى تقارب المناخات والأسئلة. "ذلك أن القصيدة الحداثية الواعية بسياقاتها الجديدة بصرية بامتياز، وهو ما يجعلها أرضية جاهزة لأن تتحوّل إلى عرض كوريغرافي مشبع بالمشاهد والإشارات الفكرية والجمالية والفلسفية".

 

اقرأ/ي أيضًا:

إيما ستون: شخصيتي الحساسة لعنة في حياتي

محمد أمين رفاس.. مناضل شاب لأجل المسرح