25-ديسمبر-2016

بوتشيش بوحجر (1980)

عرف المسرح الجزائري محطاتِ تحوّلٍ كثيرةً، منها محطّة عام 2007، حيث عيّنت الجزائر عاصمة للثقافة العربية، فكان أن توفّرت الأموال والإرادات، وتمخضت عن ذلك عشرات الأعمال المسرحية التي كشفت الغطاء عن عشرات المواهب، في مختلف العناصر المسرحية، من تمثيل وإخراج وموسيقى وكتابة وسينوغرافيا، ولئن باتت تلك المسرحيات شطرًا من الذاكرة، إذ لم تعرض مجدّدًا، فقد بقيت تلك النخبة المسرحية الجديدة، على قيد النشاط والحركة.

استطاع بوتشيش بوحجر أن يضع نفسه ضمن الطبقة الأولى من الممثلين الشباب

في مجال التمثيل، استطاع بوتشيش بوحجر (1980) أن يضع نفسه ضمن الطبقة الأولى من الممثلين الشباب، الذين ما إن شاركوا في عمل مسرحي، إلا وأهلوه لإحدى الجوائز، وقد أكد ذلك بافتكاكه جائزة أفضل ممثل في "المهرجان الوطني للمسرح المحترف" عام 2013، ومهرجان نابل التونسية ومهرجان آسفي بالمغرب عام 2016.

اقرأ/ي أيضًا: مرثية لفتح النور بن إبراهيم

في المسرحيات التي مثّل فيها أعطى انطباعًا بأنه لا يمثل دوره بل يعيشه، حتى أنه يختلط عليك أيهما الواقع وأيهما التمثيل في حياته، "إذا حدث أن أحببت الدّور، فإنني لا أضطر إلى بذل جهد في تجسيده، لأنني أصبُحُهُ عفويًا، يبقى فقط أن أتنفس وأتحرّك وأتكلّم. هل نحتاج إلى مخرج لنقوم بما نقوم به في حياتنا العادية؟ التمثيل معايشة وتماهٍ وليس تقمّصًا". من بين تلك المسرحيات "ما تبقى من الوقت" لعبد الإله مربوح، و"سيدي الحلوي" لأحمد بن عيسى، و"أنا والماريشال" لسعيد بوعبد الله و"القرص الأصفر" لربيع قشي.

يميل بوتشيش إلى اللغة العربية الفصحى في أدواره، وله كفاءة عالية في نطقها والذّوبان فيها وإيصال رسالته/عاطفته عن طريقها. "إذا حدث أن كان كاتب النص عميقًا ومبدعًا، فإنه يجعلني أحلّق لا أتكلّم، ذلك أن الكلمة والجملة الجميلتين تلعبان على لسان الممثل، ما تلعبه المنشطات في أوصال الرياضي. إن اللغة في الفن، ليست حاملة أفكار ورسائل فقط، بل هي غاية جمالية في حدّ ذاتها".

دراسة بوتشيش لعلم النفس، جعلت تعامله مع اللغة والجسد والمتلقي، ينبع من معرفة عميقة بخصائص هذا الثالوث. "المسرح ليس تهريجًا ولا بضاعة ولا رسالة أخلاقية، كما يعتقد المنخورون بالأيديولوجيات التي ثبت فشلها الذريع في الواقع المعيش، بل هو فرجة ومتعة للحواس كلها، ولا يمكن تحقيق ذلك إلا بتحرير تلك الحواس، والإيمان بحقها في أن تترجم المشاعر والعواطف إلى مشاهد يتلقاها الناس بعذوبة تامّة".

ينتمي بوتشيش بوحجر إلى النخبة المسرحية الساخطة على واقع المسرح في الجزائر، إذ لا يخلو منشور من منشوراته، أو تدخل من تدخلاته، من الإشارة إلى مواضع النقص والاختلال، مع اقتراح الحلول لذلك. "سخطي نابع من معاينتي لجرعة زائدة من الارتجال والإهمال والانفراد بالرؤية والقرار وأكل حقوق الفنان وغياب استراتيجية مدروسة تضمن النجاعة للفعل المسرحي". يضيف: "متى يصبح الفنان المنتج للفعل المسرحي هو العمود الفقري في المشهد، لا الإداري الجاف الذي يرعى الرداءة والركود حتى تستمر سلطته؟".

بوتشيش بوحجر: في مقابل انتقادنا للمنظومة المسرحية الحكومية، علينا أن نتحلّى بروح المبادرة

اقرأ/ي أيضًا: "مسرح القوس" في الجزائر.. الأسرة البديلة

من هنا، يدعو بوتشيش إلى غربلة شاملة للمشهد المسرحي، حتى لا يبقى إلا الجيد والعميق والمخلص. "الفن لا يقبل الأذرع المكسورة ولا يتعاطف مع محدودي الموهبة، ولا يهمه إن كانت السلطة السياسية راضية عن مقولاته أم لا، لأنه يخضع لأصول وشروط مختلفة تمامًا". ويدعو إلى مزيد من المسارح في البلاد، خاصة في التجمّعات الصغيرة، "في فرنسا توجد هذه المسارح بكثرة، فلماذا نقلدها في أشياء كثيرة، ما عدا رعايتها للفن والفنانين؟".
 
دفعت هذه الروح ماريشال المسرح الجزائري عام 2007 إلى تأسيس أوّل مسرح خاص في الجزائر، أسماه والعاملون معه "مسرح البسمة"، ويسمّى مقره الذي يتسع لـ111 مقعدًا في مدينة حمّام بوحجر "المعبد"، لأن نخبة من المسرحيين والكتّاب تأوي إليه، والطريف أنه كان مصنعًا للخمور في العهد الفرنسي، تمّ إنجازه عام 1957، وبعد أن تخلّى عن نشاطه، اقتحمه بوتشيش مع رفاقه، ورمّموا شطرًا منه بأموالهم الخاصّة، وغرسوا حديقته، وأنجزوا فيه إقامة ومطبخًا للفنانين. "في مقابل انتقادنا للمنظومة المسرحية الحكومية، علينا أن نتحلّى بروح المبادرة، والسعي إلى تغيير ما يمكن تغييره على مستوانا، لأن الاكتفاء بانتظار الحكومة أن تعطينا، هو وجه من أوجه تزكيتنا لكل سياساتها".

اقرأ/ي أيضًا:

عزّوز عبد القادر.. أن تسحب أفريقيا إلى المسرح

الطيب صديقي.. رحيل المدرسة