05-فبراير-2018

عمال في إنشاء سد النهضة (زاكرياس أبوبكر/ أ.ف.ب)

مستقبل ضبابي ينتظر المصريين، وهم يراقبون بحسرة جفاف نهر النيل، مفتاح الحياة في مصر. منذ عامين وأكثر وتقارير صحفية تتطرق لخطر جفاف النيل وتناقص منسوبه. في الأثناء، بقي الرد الرسمي باهتاً للغاية فيما يتعلق بمستقبل حصة المصريين من المياه، الأمر الذي جعل من قضية أمن قومي كقضية الأمن المائي المصري غامضة ومرتبكة، ولا ترقى إدارتها إلى المستوى المطلوب.

تؤكد دراسات حديثة أن مصر قد تكون واحدة من الدول التي ستعاني الجفاف في وقت ليس ببعيد بينما تميل السلطات المصرية إلى تقليل الاهتمام بتبعات القضية

الأمن المائي: هاجس عالمي ومصري خاصة

تركض "دول العالم الأول" لاهثة من أجل تأمين احتياجاتها من الغذاء، دولة مثل كوريا الجنوبية التي تستورد 70% من حبوبها، وتستحوذ على 1.7 مليون فدان في السودان لزراعة القمح، وهي مساحة تتجاوز ضعف مساحة جزيرة "رود آيلند" في الولايات المتحدة، وفي إثيوبيا استأجرت السعودية 25 ألف فدان لزراعة الأرز، أما الهند فقد استأجرت مئات الآلاف من الفدادين هناك لزراعة الذرة والأرز والمحاصيل الأخرى. وفي بلدان مثل الكونغو وزامبيا، تستحوذ الصين على أراضي لإنتاج الوقود الحيوي.

وفي تقرير نشرته نيويورك تايمز، منذ عدة سنوات، وُصفت مصر بأنها دولة ذات شعب من "آكلي الخبز"، ويستهلك مواطنوها 18 مليون طن من القمح سنوياً، وهي من أكبر مستوردي القمح في العالم.

وبينما تلهث الدول الغنية لشراء أراض في بلاد فقيرة لاستغلال مواردها بالزراعة، قد تضطر عواصم أخرى في إفريقيا، مثل كيب تاون أن تقطع المياه تمامًا في أواخر الربيع القادم عن أربعة ملايين شخص هم كل ساكنيها، وسيضطر السكان إلى الوقوف في طابور طويل محاطين بحراس مسلحين لجمع حصص من أغلى السلع في المنطقة: مياه الشرب. هذا المشهد البائس المرعب وصفته مجلة ناشيونال جيوجرافيك مؤخرًا، وهكذا ستكون كيب تاون أول مدينة سيراقبها العالم وهي تواجه "ساعة الصفر"، حيث ستخلو خزانات المياه في الشركات والبيوت، ولن يعود لصنابير المياه فيها أي وظيفة سوى الذكرى، على ما يبدو.

اقرأ/ي أيضًا: مصر على حافة العطش.. وإسرائيل تشرب نخب السلام

تحولت المدينة بأكملها إلى الاستنفار، وبات تخزين المياه من أجل حالات الطوارئ وبعض احتياجات المنشآت العسكرية على قائمة أولويات المدينة، فضلاً عن أن استخدام الصنابير لملء الأحواض أو الحدائق المائية أو غسل السيارات أصبح الآن غير قانوني في كيب تاون. وعلى الرغم من المحاولات المستميتة التي قامت بها المدينة من أجل حث مواطنيها على ترشيد استهلاك المياه، لكن كان الأمر من الصعوبة بحيث جعل المدينة تصل إلى "اليوم صفر" بشكل حتمي لا مفر منه، هذا بالإضافة إلى التغير المناخي والارتفاع الكبير في أعداد السكان، وعلى الرغم من كل هذا، فقد فازت المدينة بعدة جوائز دولية لإدارة الموارد المالية بل إنها حاولت إبراز "قائمة للعار" للمسرفين في استخدام المياه على مستوى البلاد، ولكن كل هذا لم يكن كافيًا!

تخوفات من مصير مشابه في مصر..

في دراسة نشرتها مدرسة ييل للدراسات البيئية الأمريكية، جاء أن "مصر قد تكون واحدة من الدول التي ستعاني الجفاف في وقت ليس ببعيد"، لكن يميل السياسيون والصحفيون، المقربون من السلطات في مصر، إلى تقليل الاهتمام بتبعات القضية.

من المعروف أن دلتا نهر النيل، منطقة منخفضة تنطلق من القاهرة على بعد مئة ميل تقريبًا من البحر. يعيش فيها نحو 45 أو 50 مليون شخص، وتمثل 2.5٪ فقط من مساحة الأراضي المصرية. ويعيش الباقون في وادي نهر النيل نفسه، وهو الشريط الأخضر المتعرج عبر مئات الأميال من الرمال الصحراوية، ويمثل 1 في المائة فقط من إجمالي مساحة الأراضي في البلاد.

اقرأ/ي أيضًا: أزمة جيوسياسية كبيرة حول السيطرة على النهر العظيم

مثلت كل من الدلتا ونهر النيل مصدر ثروة مصر وعظمتها سابقًا، إلا أن هذه الثروة تواجه خطرًا خاصة من خلال سد النهضة، الذي تبنيه إثيوبيا الآن

على الرغم من أن الدلتا والنهر معًا كانتا مصدر ثروة مصر وعظمتها سابقًا، إلا أن هذه الثروة تواجه خطرًا واسعًا، خاصة من خلال سد النهضة، الذي تبنيه إثيوبيا الآن على منابع النيل، وقد تحدثت الأبحاث التي عرضتها ذات المجلة العلمية، المذكورة سابقًا، عن أن تدفق المياه العذبة إلى النيل قد يقل بنسبة 25% مع فقدان ثلث الكهرباء التي ينتجها السد العالي في أسوان.

هذا إلى جانب تهديدات أخرى تعاني منها مصر مثل ارتفاع مستوى سطح البحر نتيجة التغير المناخي، حيث تحدثت ذات الدراسة أيضًا عن إحصائية أخرى أجريت عام 2014 تفيد أن ارتفاع نصف متر في مستوى سطح البحر يُقلص الدلتا بنسبة 19 في المئة، وهي منطقة تعادل لوس أنجلوس في الولايات المتحدة. وإذا ارتفع مستوى سطح البحر بمقدار متر واحد في هذا القرن، كما يعتقد كثير من علماء المناخ على الأرجح، فإن ثلث الدلتا يمكن أن يختفي تحت البحر الأبيض المتوسط. ولم يأخذ هذا التحليل في الاعتبار الآثار المحتملة للارتفاع الكبير الذي توقعته دراسة أخرى أجريت عام 2016 في مجلة نايتشر الأمريكية.

في التوصيات الأخيرة لتلك الدراسة: "إن مصر بحاجة إلى الاستثمار في تحلية المياه، مثل المملكة العربية السعودية، والري بالتنقيط الموفرة للمياه، مثل إسرائيل"، والحقيقة أن السؤال الأهم الذي يجب طرحه كيف ستستطيع مصر، بعد أن هددت قيادتها السياسية الحالية أمنها المائي وعرضته للخطر، أن تضمن حلولًا للمستقبل خصوصًا في ظل هوسها ببقائها في السلطة وانشغالها عن قضايا الأمن القومي الكبرى.

 

اقرأ/ي أيضًا:

تونس.. هل تتحقق انتفاضة العطشى؟

العطش.. الكابوس الذي يهدد سكان المغرب