30-أكتوبر-2017

نسوة ريفيات يحملن المياه بطرق تقليدية في منطقة بني مسكين (فرانكو أوريجليا/Getty)

في الوقت الذي توشك فيه وكالة الفضاء الأمريكية، ناسا، على إيجاد طريقة لتزويد المستوطنات المستقبلية على كوكب المريخ بالماء الصالح للشرب، لا تزال بلدان في هذه الأرض عاجزة تمامًا عن توفير المياه النقية لقسم من مواطنيها، كالحال مع المغرب، الذي اندلعت في بعض مناطقه مؤخرًا موجة جديدة من الاحتجاجات الشعبية، لكن هذه المرة ليست مرتبطة بـ"حراك الريف"، وإنما ما بات يسمى بـ"ثورة العطش".

اندلعت في بعض مناطق المغرب مؤخرًا موجة جديدة من الاحتجاجات الشعبية، عُرفت بـ"ثورة العطش" لعدم توفر مياه صالحة للشرب فيها

زاكورة، البلدة الواقعة في الجنوب الشرقي للمغرب، كانت أبرز هذه المناطق التي خرج سكانها إلى الشارع تنديدًا بالانقطاع المتكرر للمياه الصالحة للشرب، لكن هذا المطلب البسيط قاد إلى اعتقال عشرات المحتجين منهم، غير أن زاكورة ليست المنطقة الوحيدة التي عرفت مظاهرات "العطش"، بل أيضًا حدث نفس الأمر في بني ملال وأزيلال ووزان وصفرو وسطات، مما حوّله إلى حراك شعبي يشغل الرأي العام المغربي من جديد.

اقرأ/ي أيضًا: "احتجاجات العطش".. المغاربة بين شحّ المياه والقمع الأمني

المغرب مهدد بالعطش

تهديد شبح العطش ليس بعيدًا عن المغرب، بالنظر إلى التقارير التي سبق أن دقّت ناقوس الخطر، لكن على ما يبدو فإن كابوس العطش أصبح يهدد فعليًا مناطق في البلاد، حتى قبل موعد التوقعات الدولية المرتبطة بالأخطار الطبيعية.

في 2013، كشف البنك الدولي عن نتائج دراسة استمرت لمدة سبع سنوات، بالتعاون مع وكالة ناسا ومركز إيرفن بجامعة كاليفورنيا، أظهرت أن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، حيث يقع المغرب، تفقد احتياطاتها من المياه العذبة بشكل متسارع، إذ تفيد بيانات الأقمار الصناعية تقلص حجم احتياطي المياه العذبة في المنطقة بحوالي 143.6 كيلومتر مكعب خلال المدة التي استغرقتها الدراسة، علمًا أن سكان هذه البقعة من العالم يتوفرون على أقل من 2% من الموارد المائية المتجددة في الأرض، بينما يشكلون 6% من ساكنة العالم.

مثلما يُدرج تقرير الأمم المتحدة المغرب داخل خريطة التوزيع العالمي لندرة المياه المتزايدة، نتيجة الاستغلال المفرط وفقر التدبير، والتغيرات المناخية، حيث يذكر أن المغرب شهد على مدى العقود الأربعة الأخيرة تراجعاً بنسبة 50% في الحصة السنوية الإجمالية للفرد من الموارد المائية المتجددة، ما جعله يحذر من أن الثروة المائية في المملكة لم تعد مستدامة.

ويتوفر المغرب على 22 مليار متر مكعب من الموارد المائية العذبة، تتوزع بين 81% من المياه السطحية، و18% من المياه الجوفية، يستهلك السقي الفلاحي وحده 90% من هذه المياه  العذبة، مقابل 9% للاستعمالات المنزلية و1% فقط للأنشطة الصناعية، أما حصة الفرد المغربي السنوية فلا تتعدى 720 متر مكعب في اليوم، بعدما كانت تصل إلى 2500 متر مكعب خلال الثمانينيات، وسبق لرئيس الحكومة المغربية أن اعترف بوجود 37 منطقة تعاني من العطش، معظم هذه الأماكن تتواجد بالجهات النائية.

اقرأ/ي أيضًا:  تونس.. هل تتحقق انتفاضة العطشى؟

حصة الفرد المغربي السنوية من المياه العذبة لا تتعدى 720 متر مكعب في اليوم بعدما كانت تصل إلى 2500 متر مكعب خلال الثمانينيات

هل يجد المغرب حلاً لكابوس العطش؟

تنبه التقارير الواردة وغيرها إلى أن المغرب وبلدان أخرى سيشهد أزمة مياه بحلول عام 2025، بفعل الجفاف وانحسار المياه الجوفية والاستغلال المفرط والسيئ للمياه، في الوقت الذي تزداد فيه حاجيات سكان المملكة للماء، مما يحتم على الحكومة المغربية إعداد خطة استراتيجية لإدارة الموارد المائية المحدودة بشكل فعال، تجنبًا لشبح العطش الذي بدأ يلوح في الأفق.

وكرد على "احتجاجات العطش" التي نشبت في عدد من المناطق المغربية، سارعت الحكومة تحت ضغط الرأي العام إلى تشكيل لجنة وزارية لمعالجة مشكل الخصاص في الماء، واعدة بإيجاد حلول ملائمة خلال الأشھر المقبلة.

يحث مختصون الحكومة المغربية على تأميم جميع مصادر المياه بالمغرب بما فيها المعدنية كحل لمشكلة نقص المياه

طرحت هذه اللجنة، وفق ما نقلت يومية "الصباح" المغربية، مقترحات بدائل جديدة لتوفير المياه، مثل إنشاء محطات لتحلیة میاه البحر ومحطات لمعالجة المیاه العادمة، بعدما ظهر أن التعويل على مياه السدود لوحدها اختيارًا غير كافيًا لتحقيق الأمن المائي، غير أن إنجاز مشاريع بتلك الضخامة يتطلب موارد مالية مكلفة، وهو ما ينذر بزيادات مطردة في أسعار الماء الصالح للشرب من أجل توفير التمويل لها، وبالتالي إثقال كاهل المواطنين بمزيد من الفواتير الملتهبة.

بالمقابل، يحث مختصون الحكومة على تأميم جميع مصادر المياه بالمغرب بما فيها المعدنية، كحل لمشكلة المياه، بدل بيعها للمواطنين بأسعار باهظة في الوقت الذي تعاني فيه قرى من العطش، مع توزيع الثروة المائية بشكل عادل بين المناطق المغربية، وتقديم مصلحة الساكنة وحاجتهم للماء الصالح للشرب على شراهة المشاريع الضخمة العائدة للخواص التي تهدر كميات كبيرة من المياه، كالشأن مع مناجم المعادن والضيعات الفلاحية الكبرى، بالإضافة إلى تخصيص الموارد المالية والبشرية اللازمة لتأمين حاجة كافة المواطنين إلى الماء العذب.

فهل تنجح الحكومة المغربية، التي تخصص أربع وزارات متعلقة بالماء، في حل مشكل العطش كليًا، أم أنها ستتجه كالعادة نحو حلول ترقيعية سرعان ما يظهر فشلها في معالجة الأزمة على المدى المتوسط والبعيد؟

اقرأ/ي أيضًا:  

عطش في الجنة! نظرة على واقع شح المياه في أجمل جزر العالم

العطش قادم.. فهل توافق مصر على اتفاقية "عنتيبي"؟