04-مارس-2024
عزمي بشارة خلال الحوار مع التلفزيون العربي

عزمي بشارة خلال الحوار مع التلفزيون العربي

أكد المدير العام للمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، الدكتور عزمي بشارة، في حوار خاص مع تلفزيون "العربي"، أنّ حلفاء إسرائيل باتوا يشعرون بحرج حقيقي من المجازر التي ترتكبها، وآخرها مجزرة شارع الرشيد، وبالتالي فإن إيقاف الحرب، ولو مؤقتًا، يخفف الحرج عنهم.

لكن بشارة رأى أنّ نتنياهو غير معني بذلك، فهو يخشى أن انقطاعًا طويلًا قد يصعّب العودة للحرب، مشيرًا إلى أنّه يفضّل تهدئة من النوع الذي تتحكم به إسرائيل أي تهدئ بمبادرتها وتعود للقصف متى شاءت.

وبيّن بشارة أن عجز الإدارة الأمريكية الحالية عن وضع حد لنتنياهو سيكون مسًا كبيرًا بهيبتها، خصوصًا بعد "تورّط" الرئيس الأمريكي، جو بايدن، في تحديد الإثنين موعدًا لحصول أمر ما.

هل "تمرّد" غانتس؟

وتوقف صاحب كتاب "في المسألة العربية" عند استضافة واشنطن لعضو مجلس الحرب بيني غانتس، معتبرًا أنّ الحديث عن "تمرّد" يقوم به الأخير ضدّ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ليس دقيقًا، لأنّ غانتس دخل كابينت الحرب من منطلق ما يعتبرونه هم مسؤولية قومية ليحافظ على وضعه كمنافس لنتنياهو، "لأنه في زمن الحرب أن تكون معارضًا يعني أنك لن تفوز بالانتخابات القادمة في إسرائيل".

بيّن عزمي بشارة أن عجز الإدارة الأمريكية الحالية عن وضع حد لنتنياهو سيكون مسًا كبيرًا بهيبتها، خصوصًا بعد "تورّط" الرئيس الأمريكي، جو بايدن، في تحديد الإثنين موعدًا لحصول أمر ما

وبهذا المعنى، رأى أنّ نتنياهو بدأ يدرك أنه أخطأ حين ضمّ معارضيه إلى مجلس الحرب، فهو يريد أن يستفرد بإدارة الحرب لاعتباره أنّ من يقود الحرب شعبيته ترتفع.

ولفت بشارة إلى أنّ إسرائيل مقبلة على أزمة حكومية وبرلمانية، وذلك على خلفية تجديد مرسوم إعفاء المتدينين اليهود من الخدمة العسكرية، والذي يحين وقت تجديده خلال أسبوع أو أسبوعين.

ما بعد الحرب في غزة

جدّد بشارة دعوته إلى إقامة قيادة فلسطينية موحّدة في إطار منظمة التحرير، تشكّل مرجعية سياسية لأي حكومة مقبولة دوليًا ومتوافق عليها وطنيًا يمكن أن تنشأ في المرحلة المقبلة، مشدّدًا على ضرورة استغلال فرصة وجود القضية الفلسطينية في سلم الاهتمام الدولي لفرض حل عادل نسبيًا، أو على الأقل إحباط أي إمكانية لفرض أوسلو جديد على قطاع غزة أسوأ من أوسلو القديم.

ونوّه في هذا السياق إلى أنّ القضية الفلسطينية لم تشهد تأييدًا كما هو الحال اليوم، وعلى ذلك قال: "لكن كلّ هذا نفوّته إذا كانت هنالك قيادة فلسطينية في غزة مكسورة الجناح مستعدة لإعطاء شرعية لقوى مدنية مستعدة أن تكون وكيلًا للاحتلال في قطاع غزة، وهو ما يتمّ التخطيط له، من دون أن تظهر ردود حاسمة عليه".

ولاحظ بشارة أنّه يُسمَح الآن لأطراف معينة أكثر من غيرها بإدخال المساعدات، في سبيل "تبييض صفحة فئات معينة ودول معينة لدى أهل غزة".

مشيرًا إلى أنّ الناس في غزة يريدون المساعدات بغض النظر من أين تأتي، وبالتالي "إذا لم تكن هناك وحدة وطنية فلسطينية يمكن أن تنجح هذه الفكرة".

وفيما رأى أنّ ما يعانيه السكان في غزة لا يمكن وصفه، حذر من أن المعاناة والخسارة إذا تغلّبت يمكن أن تنجح إسرائيل في فرض الهزيمة، "التي ستكون نتائجها السياسية واضحة وهي إملاءات إسرائيلية عربية أمريكية لإنهاء قضية فلسطين والعودة إلى التطبيع". لكنه أكد على احتمالية أن تتغلب القوة والإرادة للإصرار على حل عادل.

وشدّد على أنّ الموضوع في نهاية الأمر موضوع إرادة وحكمة سياسية وواقعية. وبلغته قال: "الآن لا تستطيع أن تطعم الناس شعارات، والناس ترفض المتاجرة بقضيتها، لكن المطلوب الموازنة بين الاهتمام بالقضايا الحياتية واليومية، والإصرار على العدالة"، منبّهًا إلى أنّ "هناك خطة عمل وفيها شركاء عرب"، على حدّ وصفه.

استخدام إسرائيل للاسامية لربح المعركة في أوروبا

وتحدث بشارة عن اللاسامية بوصفها ظاهرة أوروبية لها مصادر مختلفة، أهمها مصدر ديني، منذ العصر الوسيط، كما لها أسباب اجتماعية في سياق محاولة شق صفوف النضال الاجتماعي، إضافة إلى جذورها العرقية.

ولفت بشارة إلى أنّ كل هذه العوامل "لا تعرفها منطقتنا"، مشيرًا إلى أنّ الحضارة الإسلامية بعيدة جدًا عن أوروبا في هذا الموضوع، حتى لو كان هناك اضطهاد للأقليات في بلادنا. وأوضح أنه لم يكن هناك عداء لليهود بوصفهم يهودًا أو تمييز لهم عن بقية الأقليات، مشيرًا إلى أنّ الفلسطينيين لم يقاوموا الاستعمار الاستيطاني لأنّ المستعمرين يهود، "ولو كان المستعمرون مسيحيين أو بوذيين أو هندوسيين لقاوموهم أيضًا"، وبالتالي فإنّ "اليهودية ليست هي السؤال".

ومع تأكيده أنّ قضية اللاسامية لم تعد موجودة في أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية، ليس فقط لأنّ القوانين تمنع ذلك، بل لأنّ الناس باتوا مقتنعين بأنّ ما تم في الهولوكوست جريمة حقيقية يجب ألا تتكرر، شدّد على أنّ إسرائيل تصرّ على استخدام اللاسامية لربح المعركة في أوروبا وتقمّص دور الضحية.

ورأى أنّ ذلك "مريح أيضًا لأوروبا لأنه يحررها من عقدة الذنب ويلقي بها على جانب آخر تمامًا"، موضحًا أنّه "بدل أن تحاسب نفسك على التاريخ تزيح التهمة إلى مكان آخر وحضارة أخرى، وهو ما يلتقي مع تنامي العداء للمهاجرين العرب والمسلمين".

وقال: "إسرائيل بهذا الموضوع ركبت على موجة عداء أصلًا موجودة وعلى رغبة الأوروبي بالتحرر من عقدة الذنب".

رأى عزمي بشارة أنّ المبادئ والأخلاقيات لم تكن يومًا هي المقرّر في السياسة، موضحًا أنّ "محاسبتنا للسياسة من منطلقات أخلاقية ضرورية لكن هذا لا يعني أنّ الدول تتحرك بموجب الأخلاق"

ورأى أنّ تهمة اللاسامية أصبحت تُستخدم كنوع من الإرهاب والقمع الفكري، تحدّث عن "جانب غير مظلم" في الأمر، وهو حاجة إسرائيل إلى استخدام أدوات الدولة لقمع المعارضين لها في أوروبا، بمعنى أن إسرائيل باتت مضطرة لاستعمال أدوات قمعية للتعامل مع معارضيها في أوروبا.

وأوضح أنّ قضية إسرائيل كان يفترض أنّها أصبحت حتى بعد حرب 1967 "قضية منتصرة في أوروبا"، لكنّ الأمر لا يبدو كذلك اليوم، حيث بات الإسرائيلي يسعى إلى إخافة الناس وتهديدهم لمنعهم من التعبير عن رأيهم. وقال: "أصبحت حجج إسرائيل ضعيفة لدرجة أنها تستخدم القوة، وبالتالي فإنّ محاولة فرض هذه الأدوات من جديد دليل ضعف ويثبت أنّ فيها تطهّرًا ذاتيًا أننا نلقي بالذنب على الآخرين".

ورأى بشارة أنّ المبادئ والأخلاقيات لم تكن يومًا هي المقرّر في السياسة، موضحًا أنّ "محاسبتنا للسياسة من منطلقات أخلاقية ضرورية لكن هذا لا يعني أنّ الدول تتحرك بموجب الأخلاق".

وقال: "هم مُحرَجون الآن، وبهذا المعنى فإنّ النضال الآن في المجتمعات الغربية مهم، لأنّ عملية طوفان الأقصى أظهرت مدى أهمية الحلف الغربي لإسرائيل التي لا تستطيع الصمود لأسبوع من دونه".

واستنادًا إلى ما تقدّم، شدّد بشارة على وجوب صياغة القضية بلغة العدالة والحرية والمساواة وغيرها من المبادئ التي يدّعي الغرب أنه يتبنّاها، وذلك لإثبات أن ما يقومون به يخالف هذه المبادئ، معتبرًا أنّه لا يجب الاكتفاء بالخطاب، بل أن يكون هناك قدرة على التأثير على المصالح.

ولفت إلى أنّ مثل هذا التأثير يتمّ إما من خلال التأثير على السياسة الداخلية في الدول الغربية، "وهذا ممكن في الدول الديمقراطية مع صعوبته"، أو من خلال التأثير على المصالح الخارجية عبر الدول العربية، وهو ما اعتبره "أصعب"، لأنّ الدول العربية لن تتحرك، "ويجب أن تنتهي هذه التوقعات المقترنة بإحباطات وخيبات من الدول العربية"، وذلك على الرغم من حديثه عن وجود "قدرة عربية غير مستغَلّة"، وهو ما عزاه إلى "المصالح".

معركة الوعي

أشار بشارة إلى أنّ دائرة المتضامنين مع غزة والمشمئزين من الإجراءات الإسرائيلية وحتى طريقة إدارة الحرب تتسع، وشدّد على وجوب تقوية الحركات النضالية والحفاظ عليها، إذ قال: "يجب أن نحارب لنثبت صحة رأينا، وليس فقط أن نعبّر عنه، بمعنى أن نحارب لنقول هذا نظام أبارتهايد فعلًا، وهذه إبادة جماعية، وليس فقط أنّ من حقنا أن نقول ذلك".

وأوضح أنّ المطلوب بهذا المعنى هو الانتقال من الدفاع إلى الهجوم، منوّهًا بأنّ ما فعلته جنوب إفريقيا في محكمة العدل الدولية مثلًا أنها جعلت موضوع الإبادة موضوعًا رسميًا يمكن نقاشه، وذلك من خلال المحاججة العقلانية حول صحة الموقف.

ولفت إلى حصول شيء مهمّ وله أثر تراكمي بعد أحداث 11 أيلول/سبتمبر في الولايات المتحدة، فبعد تعرض المسلمين للكثير من المضايقات والملاحقات، نشأت عدّة مؤسسات وأثبتت نفسها، معربًا عن اعتقاده بأنّ الجاليات المسلمة والعربية في أوروبا ستفعل ذلك أيضًا دفاعًا عن مصالحها ضد هجمات اليمين المتطرف.

وأشار في السياق نفسه إلى أنّ "تعلّم فكرة جمع الأموال الصغيرة من الجاليات وإقامة صناديق تدافع عنهم وعن أبنائهم وعن حقوقهم هو أمر ناقص ويجب المبادرة إليه"، معتبرًا كذلك أنّ "موضوع ترتيب الخطاب في الموضوع الفلسطيني مهم جدًا لأن الطريق مليء بالفخاخ".

الموقف الشعبي العربي

وتوقف بشارة عند دعم المواطن في الدول العربية للغزيين، حيث اعتبر أنّ هذا المواطن مغلوب على أمره نتيجة لطبيعة الأنظمة وفشل الانتفاضات والثورات العربية وازدياد الاستبداد.

وقال: "لكي يتجاوز تأنيب الضمير أحيانًا الناجم عن عدم التحرك يخلق انتصارات وهمية، لكن من الصعب أن نتجنّب القول إنّه لا يوجد تضامن كافٍ في الوطن العربي مع فلسطين، وكان المتوقع أفضل من هذا".

وإذ ذكّر أنّه في بداية الحرب، كان يقول بأنّ "خروجًا شعبيًا عربيًا للتضامن مع الشعب الفلسطيني يمكن أن يؤثر حتى على الولايات المتحدة لأنها تخشى على استقرار أنظمة حليفة لها".

أشار إلى أنّه لا يشكّ بالتضامن العربي الشعبي مع فلسطين، وهو ما أثبتته استطلاعات الرأي التي أجراها المركز العربي في عدة دول عربية وبعيّنة تجاوزت 15 ألف.

وقال: "التضامن كاسح، وهناك إجماع على التضامن مع فلسطين، لكن الظروف في الدول العربية اليومية والمعيشية والمعاناة في بعض الدول كما في السودان واليمن وليبيا تلعب دورها، كما أنّ التضامن الشعبي في الدول السلطوية له ثمن وهو ثمن غالٍ".

وأكد بشارة أنّ التطبيع مستمرّ ولم يتوقف، فالدول التي طبّعت لم تتراجع، وبقيت الدول التي كانت مرشحة للتطبيع، وهذا يتوقف على كيفية التعامل مع الوضع، "فإذا نشأت سلطة تتحدث باسم المقاومة وباسم الضحايا وترفض التطبيع وتطرح الموقف الفلسطيني الموحّد سيكون من الصعب على أحد أن يواصل هذه الموجة".

وشدّد على أنّ الموقف الفلسطيني مهم جدًا وجوهري في هذا المضمار، "إذ لا تستطيع أن تطالب العرب بعدم التطبيع فيما تقوم أنت بالتنسيق الأمني مع إسرائيل".