26-يوليو-2019

بورتريه لـ عبد الرحمن بدوي

ألترا صوت – فريق التحرير

ولد الدكتور عبد الرحمن بدوي لعائلة ريفية غنية في قرية شرباص بمحافظة دمياط. والتحق بكلّية الآداب في جامعة القاهرة، بعد إكمال تعليمه الثانوي. عاش بدوي حياة عاصفة. إذ كان مثارًا للجدل والاتّفاق والاختلاف بين جيله والأجيال اللاحقة. إلّا أن هناك اتفاق عام على أنه رائد مجاله بكلّ ما للكلمة من معنى. كما حصل الدكتور بدوي، تقديرًا لإنجازاته المتميّزة، على جائزة مبارك للعلوم الاجتماعية.

مسيرته المهنية

عُيّن بدوي معيدًا في قسم الفلسفة بكلّية الآداب في جامعة القاهرة في 15 تشرين الأول/أكتوبر 1938. كما كان مساعدًا للأستاذ لالاند أثناء إعطائه الدروس لطلاب السنة الأولى للماجستير في مناهج البحث العلمي والميتافيزيقيا. وحصل بدوي على درجة الماجستير مع أطروحة باللغة الفرنسية تحت إشراف البروفيسور لالاند ثم الأستاذ ألكسندر كور، بعنوان "مشكلة الموت في الوجودية" في تشرين الثاني/نوفمبر 1941، التي طُبعت باللغة الفرنسية عام 1964 في مطبعة المعهد الفرنسي للآثار الشرقية في القاهرة باعتبارها من منشورات كلّية الآداب في جامعة عين شمس. ودرّس بدوي المنطق، وجزءًا من تاريخ الفلسفة اليونانية ومناهج البحث العلمي إلى جانب نصوص من الفلسفة اليونانية. ثم غادر جامعة القاهرة إلى جامعة عين شمس عام 1950.

علّق طه حسين على أطروحة عبد الرحمن بدوي "الزمان الوجودي" أثناء مناقشته لها قائلًا: "لأوّل مرّة نشاهد فيلسوفًا مصريًا"

كما حصل على درجة الدكتوراه في الفلسفة من جامعة القاهرة على أطروحته بعنوان "الزمان الوجودي" في 29 أيار/مايو 1944، التي علّق عليها طه حسين أثناء مناقشته لها قائلًا: "لأوّل مرّة نشاهد فيلسوفًا مصريًا". حيث ناقش بدوي فيها مشكلة الموت في الفلسفة الوجودية والزمان الوجودي. ‏ونُشرت الرسالة على شكل كتاب عام 1945.وعُيّن في نفس العام محاضرًا في قسم الفلسفة بكلّية الآداب في جامعة القاهرة، ثمّ رُقّي إلى أستاذ مساعد في يوليو 1949. ثمّ انتقل إلى كلية الآداب بجامعة عين شمس في 14 أيلول/سبتمبر 1950، حيث أسّس وترأّس قسم الفلسفة هناك. ثم عُيّن أستاذ كرسي عام 1955، وظلّ رئيسًا للقسم حتى مغادرته الجامعة في أيلول/سبتمبر عام 1971. وانتدب أستاذًا للفلسفة الإسلامية إلى "كلية الآداب العليا" بالجامعة الفرنسية في بيروت من 1947 إلى 1949.

اقرأ/ي أيضًا: فواز حداد وممدوح عزام.. عن الروائي والرواية في الحرب

عمل بدوي مستشارًا ثقافيًا ورئيسًا للبعثة التعليمية المصرية في برن بسويسرا من آذار/مارس 1956 إلى تشرين الثاني/نوفمبر 1958. وكان أستاذًا زائرًا في قسم الفلسفة ومعهد الدراسات الإسلامية بكلية الآداب في جامعة السوربون من فبراير إلى تشرين الأول/أكتوبر من عام 1967. وعلى مدى السنوات الست التالية (1967-73)، عمل بدوي أستاذًا للمنطق والفلسفة الحديثة بالجامعة الليبية في بنغازي. كما عمل في كلية اللاهوت والعلوم الإسلامية بجامعة طهران خلال العام الدراسي 73-74. كما درّس الصوفية والفلسفة الإسلامية لطلاب الدراسات العليا إلى جانب إلقاء محاضرات عامة حول الصوفية الإسلامية لأساتذة وطلاب الكلّية مرة كل يوم أحد. وكانت حصيلة هذه المحاضرات كتابه "تاريخ الفلسفية الإسلامية من البداية وحتى القرن الثاني الهجري". ثم انتقل إلى جامعة الكويت كأستاذ للفلسفة المعاصرة والمنطق والأخلاق والتصوّف في كلية الآداب عام 1974.

حياته السياسية

كان بدوي مشاركًا نشطًا في السياسات الوطنية بالإضافة إلى مشاركاته الأكاديمية. إذ كان عضوًا في حزب مصر الفتاة (1938-40)، ثم عضوًا في اللجنة العليا للحزب الوطني الجديد (1944-52). واختير في كانون الثاني/يناير 1953 كعضو في لجنة الدستور المكلّفة بصياغة الدستور المصري جديد. حيث تألّفت اللجنة من سياسيين ومثقّفين وقانونيين مختارين (50 عضوًا). حيث ساهم بدوي بصورة خاصّة في الأحكام المتعلّقة بالحرّيات والواجبات، مع أصراره هو وآخرون على موقف ديمقراطي ليبرالي، رغم رفض النظام الجديد وثيقتهم النهائية. أكملت اللجنة عملها في أغسطس 1954. ومع ذلك، تمّ التخلّي عن مشروع الدستور واستعيض عنه فيما بعد بدستور 1956. ادّعى بدوي في وقت لاحق أن جمال عبد الناصر "أجهض تجربة مصر الليبرالية، التي كان من الممكن لها التطوّر إلى ديمقراطية كاملة". وغادر بدوي البلاد عام 1966، ولم يعد إليها إلّا في أواخر حياته.

فلسفته

حصل بدوي على شهادة البكالوريوس في الفلسفة بتقدير امتياز في أيار/مايو 1938. حيث درَسها على أيدي أساتذة فرنسيين مشهورين في ذلك الوقت مثل ألكسندر كور، وأندريه لالاندي، والمستشرق بول كراوس. تأثّر بدوي بكراوس، وسعة اطّلاعه الكبيرة، ومنهجه الفيلولوجي الشامل، ومكتبته الغنية بأعمال المستشرقين، ممّا لفت انتباهه إلى مسألة تأثير التراث اليوناني على العالم الإسلامي.

تبنّى بدوي، الفيلسوف الموسوعي، الوجودية وساهم في تكوينها منذ تأليفه كتابه "الزمان الوجودي" عام 1943. إذ كتب الكتاب كرسالة للحصول على الدكتوراه في الفلسفة من كلية الآداب بجامعة القاهرة عام 1944. وبعد نجاحه في الدفاع عن أطروحته، وصفه الدكتور طه حسين بأوّل فيلسوف مصري في مصر والعالم العربي في العصر الحديث.

تختلف نسخة بدوي من الوجودية، وفقًا لوصفه الخاصّ، عن هيدجر وغيره من الوجوديين، من حيث إعطاءها الأولوية للفعل على الفكر، وتأسيسها معنى الوجود على كل من العقل والعاطفة والإرادة معًا، وعلى التجربة الحياتية القائمة على المشاعر الداخلية الأكثر قدرة على فهم الوجود الحي. ونظرًا لكون أعمال سارتر وهايدجر حول ذلك الموضوع، كانت لا تزال جديدة ومحلّية، فقد كان محتّمًا أن يصبح بدوي معروفًا في جميع أنحاء العالم العربي باعتباره حامل الشعلة للوجودية، وللإنصاف، لم يكن بدوي راضٍ أبدًا عن كونه مجرّد تابع، لذا حاول إظهار الأصالة في محاولته تأصيل أفكاره داخل ثقافته، خاصّةً في كتابه "الإنسانية والوجودية في الفكر العربي".

أتقن بدوي العديد من اللغات الأوروبية، ونشر أكثر من 120 كتابًا. واعتقد أن الغرب والإسلام يكمّل أحدهما الآخر ويتوافقان في سلسلة مشتركة

أتقن بدوي العديد من اللغات الأوروبية، ونشر أكثر من 120 كتابًا. واعتقد أن الغرب والإسلام يكمّل أحدهما الآخر ويتوافقان في سلسلة مشتركة. وبالإمكان إيجاد تطويره لتلك الأطروحة-التي قد تتعارض مع عقائد المسلمين المعاصرين-في كتبه الخصبة كـ"التراث اليوناني في الحضارة الإسلامية"، و"أرسطو عند العرب"، وكذلك ترجماته التي لا حصر لها للفكر اليوناني. كما كتب عن ديون أوروبا الثقافية للعرب وأثر الثقافة العربية على أوروبا. ومن الأهمّية بمكان، ذكر ترجمته لديوان غوته "الديوان الشرقي للمؤلّف الغربي"، الذي كتبه الألماني كإشارة إلى إعجابه بالثقافة العربية الإسلامية. ومن بين أعمال بدوي الأخرى هناك "شخصيات قلقة في الإسلام"، والتاريخ المثير للجدل "تاريخ الإلحاد في الإسلام". ومع ذلك، دافع بدوي في أعماله اللاحقة عن القرآن الكريم والنبي محمّد وخصّص مساحة للرد على المستشرقين الذين هاجموا الإسلام. إذ ألّف كتاب "دفاع عن القرآن ضد منتقديه" و"دفاع عن محمد ضد المنتقصين من قدره".

اقرأ/ي أيضًا: حوار| رشا عمران: لم يستطع أي عملٍ أدبي أو فنّي حتّى الآن أن يُحيط بسوريا

ظلّ بدوي لأكثر من ستّين عامًا باحثًا متخصّصًا في مجال الفكر والفلسفة ككاتب مبدع ومفكّر ومترجم وباحث في التراث. قد يشارك أحيانًا في معارك فكرية أو ينعزل أحيانًا أخرى في منزله أو يعيش في منفى طوعي بعيدًا عن منزله، ومع كل هذا، كان مهتمًّا دائمًا بتشجيع التحديث والعقلانية والتنوير.

بدوي شاعرًا

كتب بدوي، بالإضافة إلى أعماله الفلسفية، مجموعة من الكتابات الإبداعية، التي تعكس موهبة شعرية فريدة وحادّة، وحسّ عاطفي، وثقافة أدبية وجمالية عميقة. من بين تلك الكتابات: "هموم الشباب"، "الموت والعبقرية"، "نشيد الغريب"، و"الحور والنور". كتب الأخيرة على شكل رسائل تفيض بالمشاعر والتأمّلات الفكرية والاعترافات الشخصية المتبادلة مع حبيبته سلوى (حورية من لبنان). عاش بدوي باعترافه قصّة حب لم تكلّل بالنجاح دفعته إلى التجوّل في جميع أنحاء العالم، بحثًا عن العزاء في الفن والجمال. يعتقد الكثير من النقّاد أن "سلوى" كانت محض "أداة" فنّية من إبداع بدوي عبّر من خلالها عن أفكاره وحججه الفكرية. وذلك الرأي مدعوم بحقيقة أن جميع الرسائل المتبادلة بين الطرفين، مكتوبة بالأسلوب والتقنية المنطقية نفسهما اللذين ينفرد بهما بدوي وحده.

بدوي مترجمًا

هناك مترجمون لا يساور القرّاء شكّ في جودة ترجماتهم، والدكتور بدوي من أولئك المترجمين، إذا كان له مشروع ترجمة شديد الأهمّية، من أجل نقل ثقافة الآخر، والحوار معها، باختيار أبرز الأعمال في كل ثقافة. مرتكزًا في ذلك على منهجية تقوم على محاولة عرض الفكر الأوروبي الحديث، وإعادة ترجمة التراث اليوناني، والجمع بين الاتّجاهين السابقين. ولم تقتصر ترجمة بدوي على لغة واحدة، إذ اتقن، كما قلنا سابقًا، عدّة لغات، كالفرنسية والإنجليزية والألمانية والإسبانية والفارسية والإيطالية وغيرها. كما لم تقتصر ترجماته على مجال واحد، بل امتدّت إلى مجالات عدّة كالفلسفة والرواية والشعر والمسرح والاستشراق والتاريخ

أعماله

كان بدوي طوال حياته المهنية كاتبًا غزير الإنتاج في الفلسفة والأدب والتحقيق منذ تأليفه كتابه الأول "نيتشه". وتجاوزت مؤلّفته الـ120 كتابًا، من بينها خمسة مجلدات باللغة الفرنسية، إلى جانب مئات المقالات والأوراق البحثية التي ألقيت في المؤتمرات العلمية الدولية باللغات العربية والفرنسية والإنجليزية والألمانية والإسبانية.

أشهر أعماله

في التأليف: "تاريخ الإلحاد في الإسلام"، "نيتشه"، "سيرة حياتي"، "موسوعة الفلسفة"، "دراسات في الفلسفة الوجودية"، "مذاهب الإسلاميين"، "شوبنهاور"، "مناهج البحث العلمي"، "موسوعة المستشرقين"...

الترجمة: "فاوست" لغوته، "دون كيخوته" لثيربانتس، "الأخلاق" لأرسطو، "الوجودية والعدم" لسارتر، "رسالة في التسامح" لجون لوك...

التحقيق: رسائل ابن سبعين، رسائل فلسفية للكندي والفارابي وابن باجة وابن عدي، صوان الحكمة لأبي سليمان السجستاني، عيون الحكمة لابن سينا، فضائح الباطنية لأبي حامد الغزالي.

 

اقرأ/ي أيضًا:

نبيل سليمان في رواية "تاريخ العيون المطفأة".. وجهات العمى

بابلو نيرودا في رواية جديدة لإيزابيل الليندي