14-أغسطس-2023
نتال

لم يتقاضى المعلمون اليمنيين رواتبهم منذ سنوات.

"هرمنا وضاعت حياتنا ونحن في انتظار الراتب"، بهذه الكلمات يبدأ المعلم علي الحميري حديثه مع ألترا صوت، إذ يقول إن المعاناة التي تجرعها منذ توقف راتبه لا تخطر على بال أحد، فقد جرب ممارسة أعمال أخرى كثيرة بحثًا عن مصدر دخل آخر منذ انقطاع راتبه لكنه لم يجنِ غير الكثير من التعب والقليل من الرزق لأسباب عديدة منها تقدمه بالسن وتدني الأجور.

عمل الحميري مدرسًا في إحدى مدارس صنعاء لأكثر من 20 سنة وقد خدمها على أكمل وجه، غير أنه مكافآته أتته على شكل تهميش وحرمان له من مرتبه، على حد قوله. ولا يتوقف الأمر هنا، إذ يقول إن عليه الاستمرار في عمله وإلا زجت به السلطات الحاكمة في صنعاء في السجن وفصلته من عمله موجهة له اتهامات كثيرة منها خيانة الوطن والتخابر مع السعودية، وهي التهمة التي تلصقها السلطات بكل من يعارضها أو يطالب بحق من حقوقه.

سياسية التجويع

السلطات في مناطق سيطرة جماعة أنصار الله (الحوثيين) كانت قد فصلت كثيرًا من المعلمين من عملهم واستبدلتهم بآخرين من المتطوعين التابعين للجماعة، الأمر الذي بات يؤثر على سير العملية التعليمية في البلاد.
ويعاني حوالي 120 ألف مدرس في اليمن منذ حوالي 8 سنوات من أوضاع مأساوية بسبب انقطاع مرتباتهم لا سيما أولئك الذي يسكنون في مناطق سيطرة جماعة أنصار الله (الحوثيين)، وهم الأكثر عددًا بحكم الكثافة السكانية والأكثر تهميشًا.

يعاني حوالي 120 ألف مدرس في اليمن منذ حوالي 8 سنوات من أوضاع مأساوية بسبب انقطاع مرتباتهم لا سيما أولئك الذي يسكنون في مناطق سيطرة جماعة أنصار الله (الحوثيين)، وهم الأكثر عددًا بحكم الكثافة السكانية والأكثر تهميشًا.

 أما في المناطق الأخرى الواقعة تحت سيطرة الحكومة الشرعية، فتصرف مرتبات المعلمين جزئيًا، إذ يفيد البعض هناك إلى أنهم كانوا يستلمون المرتبات إلى وقت قريب كل شهرين، غير أن الوضع اختلف منذ أشهر بسبب تردي الأوضاع الاقتصادية وتوقف تصدير النفط.

من جهتها، لا تكتفي سلطات أنصار الله (الحوثيين) برفض دفع رواتب المعلمين في مناطق سيطرتها، بل هي تتهم من يستلمون مرتباتهم من الحكومة الشرعية بالخيانة. يقول أحد المعلمين، الذي رفض الكشف عن اسمه لأسباب تتعلق بسلامته، إنه كان يستلم مرتبه من مكتب التربية والتعليم في الجزء من محافظة تعز الخاضع لسيطرة الحكومة الشرعية، وقد كان يحصل عليه عبر تحويلة مالية تصله إلى مكان سكنه في مناطق سيطرة الحوثيين بعد أن يُخصم أكثر من 60% من قيمته لسداد تكلفة عمولة التحويل بسبب تفاوت أسعار العملة. 

يقول هذا المعلم لألترا صوت إن السلطات التابعة للحوثيين اعتقلته وأبقته في سجن في مدينة الصالح لأكثر من عام، كما ألصقت به تهمة التخابر وفصلته من وظيفته. وعند خروجه من المعتقل ألزمته بعدم استلام أي رواتب من الجانب الآخر ومنعته من السفر للمناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة الشرعية.

سرقة باسم المعلم؟

في عام 2017 أنشأ الحوثيون في المناطق الخاضعة لسيطرتهم صندوقًا لدعم المعلم والتعليم، وكان يهدف إلى صرف مرتبات المعلمين ودعم العملية التعليمية. لكن الجماعة ظلت حتى عام 2019 تتذرع بعدم نجاح فكرة الصندوق وعدم إنشائه بشكل رسمي إلى أن نوقشت مشروعية الصندوق من قبل مجلس النواب نهاية العام وصُدِّق على قانون إنشائه والذي صدر عام 2020 ثم بدأ العمل به لتخصص إيرادات ضخمة للصندوق الذي عُين وزير التعليم في حكومة الحوثيين، يحيى الحوثي، رئيسًا له.

متال

ووفقًا للقانون، فإن %2 من إيرادات ضريبة القات تخصص للصندوق، ويضاف إليه أيضًا %1 من قيمة الرسوم الجمركية التي تضاف إلى الرسوم الجمركية للسلع والبضائع في المنافذ الرسمية، و%1 تضاف إلى قيمة تذاكر السفر البرية والجوية والبحرية الخارجية، بالإضافة إلى إضافة 5 ريالات إلى قيمة كل كيس إسمنت محلي وزنه (خمسين كيلو) معبأ أو سائبًا، و10 ريال تضاف إلى قيمة كل كيس إسمنت مستورد وزنه (خمسين كيلو) معبأ أو سائبًا، و 5 ريالات تضاف إلى قيمة كل عروسة سجائر محلية، و 10 ريالات تضاف إلى قيمة كل عروسة سجائر مستوردة، و%1 تضاف إلى قيمة كل فاتورة اتصال هاتفي (الثابت أو النقال) وخدمات الإنترنت، وريالًا واحدًا يضاف إلى قيمة كل كرتونة مياه معدنية أو نوع من العصائر والمرطبات والمشروبات الغازية المحلية، وريالان يضافان إلى قيمة كل كرتونة مياه معدنية أو نوع من العصائر والمرطبات والمشروبات الغازية المستوردة. 

كما تضاف مئتا ريال عند منح أو تجديد رخص الإقامة وتأشيرة الدخول والخروج وتصاريح العمل للأفراد غير اليمنيين، وريال واحد يضاف عن كل لتر من البترول والديزل، و %50 من قيمة الرسوم المدرسية السنوية التي تضاعفت قيمتها إلى أكثر من 1000%، وبالإضافة إلى كل هذه الإيرادات فإن القطاع التجاري الخاص ملزم بدفع مبالغ كبيرة للصندوق تحت مبرر دعم المعلم والتعليم.

ولكن رغم ضخامة الإيرادات التي باتت تضخ إلى الصندوق منذ سنوات، فإن حكومة الحوثيين لا زالت غير قادرة على الإيفاء بالتزاماتها ولم تصرف مرتبات المعلمين، إذ لا يستلم المعلم سوى مرتب واحد في السنة يتم صرفه خلال مرحلتين الأولى في عيد الفطر والثاني في عيد الأضحى.

حراك المعلمين

بعد أن عانى المعلمون الأمرين بسبب انقطاع مرتباتهم طوال السنوات الثمانية الماضية أعلن نادي المعلمين والمعلمات اليمنيين، وهي نقابة تمثل كل التربويين الذين يعملون في التعليم العام في اليمن، الإضراب الشامل في 20 تموز/ يوليو الماضي في عموم مناطق سيطرة الحوثيين حتى تستجيب الجماعة لمطالبهم.

وفي هذا الصدد يقول أبو زيد الكميم، رئيس نادي المعلمين والمعلمات، لألترا صوت إن مطالب النادي بسيطة جدًا وهي تسليم مرتبات المعلمين كاملة بشكل شهري من دون أي انقطاع، بالإضافة إلى تسليم المرتبات السابقة كاملة.

أحدث إضراب المعلمين شللًا شبه كامل للعملية التعليمية، إذ يشير الكميم إلى أن النادي بدأ بهذه الخطوة بعد أن تواصلت اللجنة التحضيرية في النادي مع قيادات النقابات التربوية ومديري المناطق التعليمية من أجل تنفيذ الإضراب، وقد لقي الإضراب استجابة واسعة في معظم المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين. كما تواصلت اللجنة التحضيرية مع مكتب زعيم جماعة الحوثيين وطرحت مطالبهم، وتواصلت أيضًا مع أعضاء مجلس النواب الذين أثاروا القضية بدورهم داخل المجلس للضغط على الحكومة لدفع رواتب المعلمين.

وقد استدعي وزير التربية والتعليم، يحيى الحوثي،  لحضور جلسة الاستجواب، لكنه رفض حضور جلسة مجلس النواب لأكثر من مرة لأسباب مجهولة. وكان من المقرر حضور الوزير الحوثي جلسة يوم الأحد 13 آب/ أغسطس الجاري.

وقال البرلماني أحمد سيف حاشد في تغريدة له على تويتر إن الحكومة لم تحضر إلى المجلس وإن نادي المعلمين والمعلمات قدم بلاغًا عاجلًا إلى مجلس النواب ضد وزارة التربية والتعليم بسبب تنصلها من صرف مرتبات المعلمين، إذ أصدرت عبر مكاتب التربية والتعليم توجيهًا إلى مديري المدارس بالعمل بالجدول الطارئ من أجل كسر الإضراب، كما حذر النادي  من عواقب هذا التوجيه على العملية التعليمية والطلاب.
 

من جهتها أعلنت السلطات عن توزيع حافز مالي للمعلمين في كافة المناطق بمقدار 30 ألف ريال (60 دولارًا) والتزام رئيس المجلس السياسي التابع للحوثيين بانتظام عملية دفع الحوافز شهريًا. في المقابل يؤكد الكميم على أن دفع الحوافز كان بهدف إسكات المعلمين عن المطالبة بحقوقهم، وأن حوالي 90% من المعلمين استلموا الحوافز وعادوا لمواصلة الإضراب الذي يهدف إلى حصولهم على مرتباتهم كاملة ومنتظمة.

من جانب آخر، نفذت السلطات عمليات اعتقالات واسعة للمعلمين والمشاركين في الإضراب في مناطق كثيرة، ويشير الكميم إلى أنهم يتعرضون للكثير من التهديدات وأن النادي رصد العديد من الاعتقالات التي أجرتها السلطات، كما يؤكد أن الفريق القانوني في النادي يتابع الموضوع، وقد أفرجت السلطات عن المعتقلين الذي استمر اعتقال بعضهم لأكثر من يوم، فيما يظل أمين عام النادي، محسن الدار، مختفيًا منذ أكثر من أسبوع ولا يعلم أحد مكانه حتى الآن.