05-يونيو-2019

غونستانت برميكه/ بلجيكا

تصوير مجسم

صوتٌ خافتٌ، بدأ بالتمادي والارتفاع متدرجًا الى أن تضخّم محدثًا ضجيجًا لا يتسعه حيز وجوده، هي أفعالٌ تجاوزت ضجيج مدينةٍ شعبيةٍ ملأها دخان مركباتٍ وأصوات سكانٍ، أفعالٌ تجاوزت آثار حربٍ وما فعله من حطامٍ على بقعة ارضٍ، أفعالٌ بدايتها دمارٌ، ونهايتها كان تصوير ذكرى حربٍ في مجسماتٍ حوت مناظر يصعب رؤيتها، مناظر أحدثت تأثيراً على لون الايام التي تليها.

لم يتصف لون الايام بعد تلك الاحداث سوى بالبهتان والجمود.. وكان التأثير أعمق من رؤيةٍ ماديةٍ للسماء أو للون المكان، أحدثتْ ظلامًا داخليًا ترك بقعةً متسخةً على قماشةٍ بيضاء.

مصدر الضجيج لم يكن سوى أفكارٍ تزاحمتْ متداخلةً بين اليومٍ وأمس، محاولةً تناسي ما مضى، ساعيةً لتحسين غد، لكنها كانت أفكارًا شائكة، لم تعرف سوى التخطيط الهائج الذي يمحو أكثر مما يرسم، أصبح وباءً أحدثه العقل الخارجي، ونقله للعقل الباطني الذي بات يصور الأفكار في مجسماتٍ يراها في مغمض العينٍ ليحدث ذاك الظلام في الصباح الباكر.

وسادة.. وأصوات في العتمة

هل أحدثكم عن عداوة جرت بين وسادة وقائد اعتاد الشموخ، ذاك القائد كان مختلفًا. إنه الاكثر قوة. سميته قائد رأسي، اعتاد أن يكون قائدًا نبيلًا، لم يبحث إلا عن الخير، لكن لشدة تلك العداوة بت أظن أن الوسادة من الجن والثاني كان نوعًا لطيفًا من الإنس.. ومن هنا قد بدأ الصراع، الذي أصبح مشهدًا اعتاد التكرار، شعرت بنفس الاصطدام على الوسادة، صوت سمعته من أعماق عقلي أحسسته من قلب القائد، وكأنني متطفلة في منطقة تخصني، كأنني شخص غير مرحب به، أو على الأقل في إحدى الليالي المظلمة التي صاحبتها أصوات متكررة، نغمة مزعجة متتابعة، هل كان هناك اتفاق بين الصوت والصورة؟ أم أن المشهد اعتاد المثالية؟ لكني لا أدري إن كان صوتًا حياً أو اختلاقًا من عقلي لأني لم أكد أعلم في أي عالم أنا، أشعر بأنني معلقة بين اليوم والأمس، بين الحاضر والماضي، تمنيت أن أسمع شخير نفسي حتى أتأكد بأنني رسيت على برّ.

هبت الريح مع ضجيج الأفكار، عدت أسرد أحداث سنين ماضية، ذكرى كنت في صراع لمحوها، لكن الوسادة تهدم بناء كدت أنجزه في أعوام، نعم أعوام، لأن كل يوم كان يتمتع بالسخرية مني متخذًا العرض البطيء نفسه، لكن لحظة لم أكن وحيدة، سمعت صوتًا آخر يحدثني، أو ربما صوتين، صوتَ جسدي وصوتًا آخر بداخلي، جسدي الضعيف لم يتحفني إلا بصوت الاحتكاك بينه وبين الفراش، لكن الصوت الآخر كان حائرًا مترددًا، هل أستسلم أم أستمر بالعراك؟

لكنني أدركت بأنه عراك عقيم، لم يكن انسحابي هزيمة، كان جزءًا من المعركة، سميتها التفافًا من خلف الجبل، تركت الوسادة أشعرتها بأنها لم تكن سوى وسادة وغادرتها، فعادت لي مرة أخرى ترفع الراية البيضاء.

 

جرعة نوم زائدة

تسقط نائمًا في الظلام إلى نهاية سوداء معتمة

كطفلٍ رضيع تحرك بأربعة أطراف..

كانت هذه حيلتي

بعد جهدٍ وقفت وتبعثرت خطواتي مثل غيمة في سماءٍ متقلبة

مع كل خطوة أشعر بأشواك تخترق قدمي متلذذة بما فيها من ألم

وقفت ثابتة لأتلذذ بذاك الألم الذي نشر برده على أقدامي

كانت دمائي المنسكبة أفضل من بحيرة باردة في صيفٍ حارق

شحنات سوداء تخرج مع كل قطرة..

وصلت مصفرة شاحبة اللون لأصبح غربالًا

محطةً وقفت بها في طريقي إلى الشفافية، المحطة الثانية إلى.. لا وجود أشبه بنسيم رياح هادئ فقير لم يعرف سوى التطفل بين كائنات لم يعلم أنها تنتظر موعده.

سأجعل الزهرة ملاذي ومأواي

وصف الجمال كان نصيبها

ليس لسبب غير انها لم ترى في الليل ذابلة ولا عابسة

احتفظت بصورتها في أعين ناظريها حتى أنها كانت يومًا ضحيةً لعاشقين اختبروا حبهم بها لينتهي دورها سريعًا متساقطة بين الأيدي مبعثرةً بفعل الهواء

اختارت التحلل بدلًا من الانهزام

ظلت أفضل من فكرة إنسان اختفى تحت التراب

كلامٌ مبعثر..

خيوطٌ مقطعة..  

كانت جرعه نومٍ زائدة.

 

اقرأ/ي أيضًا:

أخاديد الهيام

نوبةُ سعالٍ يغذيها الغبار