15-أكتوبر-2023
لاجئات فلسطينيات قرب مركز للأونروا في أحد مخيمات غزة عام 1956

(Getty) لاجئات فلسطينيات قرب مركز للأونروا في أحد مخيمات غزة عام 1956

لم يحمل العدوان الإسرائيلي على المدنيين في قطاع غزة القتل والدمار فقط، بل تصدر خطاب التهجير (الترانسفير) المشهد الدامي الذي يعيشه الفلسطينيون منذ أكثر من أسبوع، بعد إطلاق جيش الاحتلال عمليته الإرهابية "السيوف الحديدية" ضد قطاع غزة.

لا تزال مشاهد خروج بعض أهالي شمال ووسط القطاع من منازلهم هربًا من الاستهداف المنهج من قبل الطيران الحربي الإسرائيلي -الذي لاحقهم بالقصف ما أدى إلى سقوط 70 شهيدًا، وأكثر من 200 مصاب، جلّهم من الأطفال والنساء- تدمي القلب، وكأنها تعيد مشاهد التهجير التي حصلت في حرب 1948، وعدوان 1967.

ولم تكن دعوة جيش الاحتلال للأمم المتحدة بضرورة إخلاء نحو 1.1 مليون فلسطيني منازلهم في شمال قطاع غزة، وانتقالهم إلى جنوب القطاع، مرتبطة بسير العملية العسكرية الإسرائيلية ضد قطاع غزة، أو بقرار من حكومة الحرب الإسرائيلية الحالية في تعاملها مع الوضع في القطاع، بل كانت استمرارًا لنهج متجذر يعتبر التهجير فكرة عظيمة ساهمت في قيام هذا الكيان المغتصب عام 1948.

وتأكيدًا على أن هذا الأمر يتجذر كذلك في الخطاب السياسي الإسرائيلي، فقد خرج علينا عضو الكنيست الإسرائيلي عن حزب "بيتنا"، نائب وزير خارجية الاحتلال الأسبق داني أيالون، خلال مقابلة مع قناة الجزيرة الإنجليزية، بدعوة لتهجير سكان قطاع غزة إلى صحراء سيناء، ومطالبة مصر باستقبالهم، مثلما استقبلت تركيا أكثر من مليوني سوري فروا من نظام بشار الأسد.

لم تكن دعوة جيش الاحتلال للأمم المتحدة بضرورة إخلاء نحو 1.1 مليون فلسطيني منازلهم في شمال قطاع غزة فكرة مرتبطة بسير العملية العسكرية الإسرائيلية، بل هي استمرار لنهج متجذر 

وإمعانًا في هذا الخطاب العنصري تجاه الفلسطينيين، أكد أيالون أنه لا يقول لأهل غزة "انزلوا إلى الشواطئ أو أغرقوا أنفسهم.. لا قدّر الله.. اذهبوا إلى صحراء سيناء". وواصل عضو الكنيست كلامه، الذي هو دعوة صريحة للتهجير، بالقول: "هناك مساحة لا نهاية لها تقريبًا في صحراء سيناء، وهذه ليست المرة الأولى التي سيتم فيها ذلك، حيث سنقوم نحن والمجتمع الدولي بإعداد البنية التحتية، وتتضمن 10 مدن بها طعام وماء".

التهجير من قطاع غزة

بدأ مشروع تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة بعد احتلاله من قبل الجيش الإسرائيلي إثر هزيمة 1967، فقد كشفت وثائق سرية للحكومة الإسرائيلية في ذلك الوقت تخطيطها لضم القطاع إلى "إسرائيل"، لكن كانت هنالك مشكلة واحدة تعيق هذه الخطة، وهي مشكلة وجود 250 ألفَ لاجئ يقيمون في قطاع غزة بعد تهجيرهم في نكبة 1948، بسبب خشيتهم من ازدياد عددهم الذي يشكل تهديدًا لفكرة "الدولة اليهودية". فقد اقترح رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك، ليفي أشكول، ووزير أمنه موشي ديان، تشجيع هجرة الفلسطينيين من قطاع غزة إلى الخارج، وذلك بفرض ظروف حياتيه صعبة، والحفاظ على مستوى من الفقر يدفع الفلسطينيين للبحث عن فرص عمل انطلاقًا من مبدأ من يهاجر من فلسطين لا يعود.

وبالفعل فقد هاجر عشرات الآلاف من سكان قطاع غزة إلى دول العربية، وبالأخص دول الخليج، ودول العالم، وفقدوا هوياتهم وتحولوا إلى لاجئين.

الوحدة السرية

في شباط/فبراير 1968، كلف أشكول عيدا سيرني بالإشراف على مشروع التهجير، وذلك عبر إيجاد دول تستقبلهم، لكن من دون أن يتضح أن لحكومة "إسرائيل" يدًا في الموضوع، وكتب الصحفي الإسرائيلي يزهار بار عن أن اختيار سيرني لهذه المهمة جاء لعلاقتها مع إيطاليا، وتجربتها في تنظيم هجرة سرية لليهود بعد الحرب العالمية الثانية.

ويشير بار إلى لقاء جمع أشكول مع سيرني، الذي سألها عن عدد الفلسطينيين الذين قامت بتهجيرهم؟ فردت سيرني، قائلةً: "يوجد في غزة 40 ألف عائلة لاجئة، إذا تم تخصيص ألف ليرة للعائلة فيمكن حل المشكلة. هل كنت ستوافق على إنهاء مشكلة القطاع بمبلغ 40 مليون ليرة؟ سألت، وأجابت حسب رأيي هذا ثمن معقول جدًا".

ووفق وثائق ظهرت فيما بعد، فإن سيرني لم تكتفِ بتشجيعِ الهجرةِ من قطاع غزة نحو الأردن، بل إنها نجحت في إرسال لاجئين إلى البرازيل والبارغواي في قارة أمريكا اللاتينية. وأشرفت عن العملية وحدة سرية، اتخذت من شارع عمر المختار مقرًا لها، وكانت تقدم للمرحّلين تذكرة سفر بلا عودة إلى دول مختلفة في أمريكا اللاتينية، ولا سيما باراغواي، بوساطة وكالة سفر مقرها تل أبيب كانت تعدهم بمساعدة مالية وبمعاونة على الاستقرار بعد أن يصلوا، وهو وعد لم يتم الوفاء.

استمر عمل هذه الوحدة نحو ثلاثة أعوام، ثم انهارت فجأةً بعد وقوع حادث تمثل في قيام أحد المرحلين بالذهاب إلى القنصلية الإسرائيلية في أسنسيون في باراغواي، في 4 مايو/أيار 1970. اسمه طلال بن ديماسي، وكان قد وُعد بمساعدات المالية لم يتلق منها شيئًا. طلب مقابلة السفير، فلما رُفض طلبه أخرج مسدسًا وأطلق النار على سكرتير السفير وأرداه قتيلًا. وبحسب الوثائق التي تم تداولها فيما بعد تمكنت هذه الوحدة السرية من ترحيل ألف فلسطيني سرًا.

كما كشف المؤرخ الإسرائيلي من جامعة حيفا، يؤآف غلبور، تفاصيل هذه الخطة قائلًا: "في نهايةِ صيف عام 67، تم البدء بتأسيس مشروع تشجيع هجرة اللاجئينَ بغزة عبر سياسات حكومية إسرائيلية، وأُجريتْ اتصالات مع شركات هجرة يهودية وغيرِ يهودية، وتلك الشركات كانتْ تملك وكلاء من العرب، يعرفون الناس في مخيمات اللاجئينَ، والوكلاءُ يبحثونَ عن أشخاص مرشحين محتملين للهجرة."

التضييق على المقدسيين

تشير صحيفة "هآرتس" إلى أن سلطات الاحتلال مارست ما عُرِف بـ"الترانسفير الهادئ" بحق ربع مليون فلسطيني، وذكرت الصحيفة أن سلطات الاحتلال منعت، منذ 1967 وحتى 1994، أكثر من 100 ألف فلسطيني من قطاع غزة من العودة إلى بيوتهم، حيث سافروا إلى الخارج للتعليم أو العمل، بالإضافة إلى 140 ألف فلسطيني من سكان الضفة الغربية الذين مُنعوا من العودة إليها، بعد إقامتهم في الخارج لمدة تزيد على 3 أعوام ونصف، مما يعني أن عملية "الترانسفير الهادئ" شملت حوالي ربع مليون فلسطيني.

جاءت صفقة القرن، التي اعتبرت أن القدس هي العاصمة الموحدة لـ"إسرائيل"، بوصفها استمرارًا لسياسة الترحيل واستكمالًا لطرد الفلسطينيين من أرضهم

وتقول "هآرتس" إن الاحتلال استغل أيضًا ما أُطلق عليه "سياسة الجسور المفتوحة" لتطبيق هذه الخطة، حيث طرد عشرات الآلاف من المقدسيين الذين حاولوا العودة للمدينة بعد أن غادروها لأكثر من سبعة أعوام إلى الخارج، وبموجب هذه الخطة أصبح بإمكان الاحتلال سحب الإقامة من المقدسيين، بهدف تقليل أعداد الفلسطينيين وزيادة أعداد اليهود.

جرى سحب أكثر من 14710 هوية فلسطينية من الشطر الشرقي للقدس بين الأعوام 1967-2020. كما تم هدم أكثر من 1859 منزلًا ما بين عام 1967 و2016، إضافةً لخنق الوضع الاقتصادي للمقدسيين، وذلك بزيادة رفع الضرائب لجعل بقائهم في المدينة لبقائهم أمرًا يتجاوز طاقة تحملهم.

واستمرارًا لسياسة الترحيل، جاءت صفقة القرن، التي اعتبرت أن القدس هي العاصمة الموحدة لـ"إسرائيل"، وهو ما يعني استكمالًا لطرد الفلسطينيين من القدس. 

العودة لجذور مشروع التهجير

برزت الحركة الصهيونية في أواخر ثمانينيات القرن التاسع عشر في أوروبا كحركة قومية. ومع بداية القرن العشرين وضع معظم قادة الحركة الصهيونية بأن تصبح فلسطين وطنًا لليهود. واعتبروا أن البلاد خالية من البشر. أما سكانها الأصليون الفلسطينيون الذين كانوا يعيشون هناك فهم في نظرهم "كائنات غير مرئية"، أو إن لم يكونوا كذلك فهم جزء من عقبات الطبيعة التي يجب التغلب عليها أو إزالتها، فلا الصخور ولا الفلسطينيون كان يجب أن تشكّل عائقًا نحو الأرض التي أرادتها الحركة الصهيونية وطنًا قوميًا لها، كما جاء في كتاب التطهير العرقي في فلسطين للمؤرخ الإسرائيلي إيلان بابيه.

لذا فقد اعتبرت الحركة الصهيونية أن الخطر الديمغرافي هو أحد العوامل التي تهدد وجود دولتهم ذات الأغلبية اليهودية، ومن هنا طُرحت فكرة الترانسفير أو طرد الفلسطينيين من وطنهم، بوصفها حلًا للخطر الديموغرافي أو المشكلة السكانية منذ نشأة الحركة الصهيونية.

وبدأ التحضير لتهجير السكان الفلسطينيين وترحيلهم للدول العربية وفق خطط منتظمة، في سلم أولويات قادة الحركة الصهيونية، وارتبطت كفكرة منذ إنشاء المستوطنات الأولى في فلسطين، وتم صياغتها لتصبح خططًا قابلة للتنفيذ منذ ثلاثينات القرن الماضي.

خطط التهجير

بين عامي 1937 و1948، قُدمت عدة خطط للتهجير، منها: خطة سوسكين للترحيل القسري عام 1937، وخطة يوسف فايتس للترحيل في كانون الأول/ديسمبر 1937، وخطة بونيه في تموز/يوليو 1938، وخطة روبين في حزيران/يونيو 1938، وخطة الجزيرة بين عامي 1934 و1942، وخطة إدوارد نورمان للترحيل إلى العراق 1934 - 1948، وخطة بن – حورين 1943-1948، وخطة يوسف شختمان للترحيل القسري عام 1948. وتكفلت الوكالة اليهودية بالمهمة في الفترة الممتدة بين عامي 1937 و1948، في حين تكفلت حكومة الاحتلال بعد عام 1948 بالمهمة.

وفي عام 1945، وضعت عصابات "هاغانا" أربع خطط عسكرية عامة تقوم على نزع ملكية أراضي الفلسطينيين وطردهم، والخطط هي:

خطة أليف (الخطة أ): وضعت في شباط/فبراير 1945 لاستكمال السيطرة على أجزاء من الأراضي الفلسطينية.

خطة بت (الخطة ب): تم وضع هذه الخطة في أيلول/سبتمبر 1945، وظهرت في أيار/مايو 1947. وقد صممت لتحل محل خطة أليف.

خطة جيمل (الخطة ج): وضعت هذه الخطة التي معروفة أيضًا باسم خطة "مايو"، في شهر أيار/مايو عام 1946. وبرزت تشرين الأول/ ديسمبر 1947، في أعقاب خطة التقسيم التابعة للأمم المتحدة.

خطة داليت (الخطة د): وتعتبر الأكثر شهرة، وبدأ العمل عليها في آذار/مارس 1948، وكانت تستند لسلسلة من العمليات الخاصة، التي تم وضع معظم خططها في أوائل عام 1944، وكانت تقضي بتوسيع حدود الدولة اليهودية إلى ما أبعد من حدود خطة التقسيم التي اقترحتها الأمم المتحدة. فكانت هدفها العام هو الاستيلاء على أكبر مساحة ممكنة قبل إنهاء الانتداب البريطاني وإعلان دولة "إسرائيل". لكن الهدف الأساسي للخطة هو تأمين الاتصال بين المستوطنات اليهودية، وحماية المستوطنات التي تقع خارج حدود خارطة التقسيم، وإخلاء القرى الفلسطينية وتدميرها، وطرد سكانها منها.

اعتبرت الحركة الصهيونية أن الخطر الديمغرافي هو أحد العوامل التي تهدد وجود دولتهم ذات الأغلبية اليهودية، ومن هنا طُرحت فكرة الترانسفير أو طرد الفلسطينيين من وطنهم بوصفها حلًا للخطر

المجازر وتنفيذ خطط التهجير

وعلى إثر قيام حرب 1948، بدأت عصابات "شتيرن" و"الهاغانا" خطط التطهير العرقي. حيث قامت الأخيرة بتنفيذ الخطة داليت بعملية نخشون، ومن ثم عملية هارئيل، وكانت هاتان العمليتان تهدفان إلى احتلال وتدمير القرى الفلسطينية على امتداد الطريق الواصل بين يافا والقدس، ثم عملية حامتس لعزل واحتلال مدينة يافا والقرى المحيطة، وعملية يبوسي لاحتلال الأحياء السكنية الفلسطينية في القدس خارج حدود البلدة القديمة، بالإضافة إلى القرى الواقعة في القرى الشمالية والشرقية.

وفي الفترة الممتدة من بداية نيسان/أبريل إلى منتصف مايو/أيار 1948، نفذت العصابات الصهيونية 13 عملية عسكرية كانت 8 منها خارج حدود الدولة اليهودية التي رسمها تقسيم الأمم المتحدة عام 1947، وتم تدمير وحرق قرى الفلسطينية، وطرد سكانها.

وارتكبت العصابات الصهيونية 25 مجزرة بداعي التهجير، من بينها مجزرة دير ياسين، ومجزرة قرية الدوايمة التي أقدمت فيها العصابات الصهيونية على قتل 350 من سكانها بتهشيم رؤوسهم بالبلطات.

 في حين أقدم الجيش البريطاني على إخراج 413 ألف فلسطيني من مدنهم وقراهم قبل انسحابه، فيما تم طرد أهالي 50 قرية تحت ذريعة هجوم قادم لعصابات "هاغانا" و"شتيرن"، وفر أهالي 38 قرية خوفًا من الهجمات العصابات الصهيونية.

يعتبر المؤرخ الإسرائيلي إيلان بابيه أن مصطلح النكبة غير كافٍ لوصف ما حدث في فلسطين في ذلك الوقت، وأن المصطلح الأوفى والأكثر تطابقًا للوقائع هو مصطلح التطهير العرقي. فقد دمّرت أكثر من 531 قرية، و11 حيًا، وتم تهجير ما يقارب من 800 ألف نسمة، كانوا يعيشون في المناطق التي أصحبت تسمى "إسرائيل". وتحولوا إلى لاجئين في وطنهم، ولاجئين في الدول العربية المجاورة.

أما المؤرخ يني موريس، فأشار إلى أن خطة دالت، تضمنت "بصمات واضحة لسياسة التهجير على المستويين المحلي والوطني، وأن بن غوريون كان يريد بوضوح أن يبقى أقل عدد ممكن من العرب في الدولة اليهودية".

استمرار سياسة الترحيل

على الرغم من أن خطة الترحيل أفضت إلى طرد القسم الأكبر من سكان المدن والقرى الفلسطينيين، إلا أن القادة الكيان المحتل، اعتبروا أن خطة الترحيل لم يتم تطبيقها على نحو شامل، حيث أخفقت في طرد أقلية صغيرة بقيت متمسكة بأراضيها، لا سيما في الجليل. 

وفي أوائل الخمسينات، ظهر تيار يسعى لطرد الأقلية الفلسطينية من الأراضي التي احتلتها "إسرائيل" عام 1948، ومثل هذا التيار ثاني رئيس لدولة الاحتلال يتسحاق بن تسفي، ومدير إدارة الأراضي والتحريج في الصندوق القومي اليهودي يوسف فايتس، يمثلان هذا التوجه.

وكان هذان الشخصان من أشد دعاة الترحيل في ثلاثينيات القرن الماضي. فقد شدد بن تسفي بأن على "الحكومة الحصول على ولاء العرب للدولة. لكن إذا ما اكتُشف بعض العرب غير الموالين، فمن شأن ذلك أن يتيح لنا التعامل معهم على نحو مختلف، وطردهم".

وفي أوائل الخمسينات عمل رئيس الوزراء بن غوريون، ووزير خارجيته موشيه شرتوك، ويوسف فايتس، على مناقشة وإقرار مشروع لترحيل الفلسطينيين المسيحيين من قرى الجليل إلى دول أمريكا اللاتينية، وفي تشرين الثاني/نوفمبر 1951، أُرسل فايتس إلى الأرجنتين من أجل هذا المشروع. لكن خطة الترحيل هذه فشلت بعد رفضت الفلسطينيين المسيحيين الهجرة إلى الأرجنتين.

لم يتخل الكيان الصهيوني على فكرة ترحيل ما تبقى من الفلسطينيين في أراضي 48، ففي أواسط الخمسينات من القرن الماضي، وضعت الحكومة الإسرائيلية خطة لترحيل الفلسطينيين وتوطينهم في ليبيا

ولم يتخل الكيان الصهيوني على فكرة ترحيل ما تبقى من الفلسطينيين في أراضي 48، ففي أواسط الخمسينات من القرن الماضي، وضعت الحكومة الإسرائيلية خطة لترحيل الفلسطينيين وتوطينهم في ليبيا. وقد نوقشت الخطة في اجتماعات شارك فيها مسؤولون في أعلى المستويات، وانبثقت عنها لجنة شارك فيها عدد من أعضاء لجان الترحيل الأولى، وبالفعل تم ترحيل المئات من الفلسطينيين إلى ليبيا، ولا سيما من بعض القبائل الفقيرة التي رشت الحكومة الإسرائيلية شيوخها. وقد حُلّت هذه اللجنة بعد أزمة السويس عام 1956.

اليسار كما اليمين

اشترك في فكرة الترحيل كل من اليمين واليسار الصهيوني، فقد قدم حزب العمل آراءه بخصوص فكرة الترحيل، ودعا أبرز قادته يتسحاق رابين دولته، حين ترأس الحكومة الإسرائيلية عام 1974، إلى أن "تخلق في غضون السنوات العشر أو العشرين المقبلة أوضاعًا من شأنها أن تجذب اللاجئين إلى الهجرة الطوعية الطبيعية من قطاع غزة والضفة الغربية إلى الأردن".

ولم يكن موقف رابين إلا امتدادًا لمواقف اتخذتها الحكومة الإسرائيلية بعد حرب 1967، التي كان يسيطر عليها حزب العمل التي اعتبرت وجود الفلسطينيين هو "مشكلة سكانية"، وطرحت مسألة توطين اللاجئين الفلسطينيين في الدول المجاورة، ولا سيما في سوريا والعراق. كما طرح نائب رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك يغآل آلون بأن يُنقل اللاجئون الفلسطينيون إلى صحراء سيناء.

مع صعود حكومة اليمين المتطرف للحكم في "إسرائيل" حاليًا، ودخول وزراء يجاهرون باعتماد سياسة الترحيل كحلّ للوضع القائم في الأراضي المحتلة، على غرار بن غفير وسموتريتش، اللذين يمثلان الوجه الحقيقي لسياسة الحكومة الإسرائيلية، ثمة انزلاق خطير حتى داخل المجتمع الإسرائيلي نحو هذا الاتجاه، وسط انحياز فاضح للرواية الإسرائيلية للصراع، وفي غياب حل عادل للقضية الفلسطينية سيبقى الترحيل في صميم فكرة بقاء دولة الاحتلال.