09-فبراير-2022

برزت طرابلس بشكل لافت خلال احتجاجات تشرين (تويتر)

تفاجأ أهالي مدينة طرابلس شمال لبنان، في الـ 30 من كانون الثاني/ يناير بالأخبار المتداولة حول مقتل عدد من الشبان الطرابلسيين في العراق، في ظل تضارب المعلومات حول عدد القتلى وهويتهم وطريقة موتهم.

 الأخبار القادمة من العراق أعادت الحديث في لبنان حول قضية الموقوفين الإسلاميين وضرورة تسوية أوضاعهم، وكذلك مسألة تجنيد شبّان من شمال البلاد للقتال إلى جانب تنظيم الدولة 

ونقلت وكالة الأنباء العراقية عن مصدر أمني نبأ مقتل ثلاثة لبنانيين على الأقل أثناء قتالهم في العراق بضربة جوية استهدفت خلية إرهابية بمدينة العظيم على حد تعبيرها. جاء ذلك، بعد أن كان وزير الداخلية اللبنانية بسام المولوي قد أكد في مقابلة تلفزيونية في 13 كانون الثاني/ يناير الماضي، معلومات صحفية تشير إلى مغادرة 37 شابًا من طرابلس للالتحاق بتنظيم الدولة.

تقارير صحفية أشارت أيضًا في الفترة نفسها إلى وجود "مافيات تضمّ بعض الأشخاص من جنسيات مختلفة تعمل بنشاط على نقل الشبان الراغبين إلى العراق، وذلك بعد أن يتم إقناعهم بالانضمام إلى تنظيم الدولة عبر التواصل معهم بواسطة شبكة الإنترنت، وربما تأتي الاتصالات التي تهدّدهم بأن عليهم ملفات إرهابية لدى الأجهزة الأمنية لتدفعهم إلى القيام بهذه الخطوة".

هذه الأخبار القادمة من العراق أعادت الحديث في لبنان حول قضية الموقوفين الإسلاميين وضرورة تسوية أوضاعهم، وكذلك مسألة تجنيد شبّان من شمال البلاد للقتال إلى جانب تنظيم الدولة الإسلامية، كما عاد الخطاب الطائفي الذي يسمّ مدينة طرابلس بالإرهاب، ويتهمها بأنها تشكل بيئة حاضنة للجماعات الجهادية التكفيرية. وهو خطاب لا تنفك الآلة الإعلامية الطائفية تلجأ إليه بين الحين والآخر لاستثماره وتحقيق مكاسب سياسية من خلاله، وتبرير إهمال هذه المنطقة وحرمانها من الخدمات، وتقديم المحاكمات العادلة لمن يعرفون باسم "الموقوفين الإسلاميين".

غبن وإهمال

في الوقت الذي ينشغل فيه اللبنانيون بالأزمة الاقتصادية والمعيشية الخانقة التي تشهدها البلاد، وبينما بدأت بعض الجهات توجه سهامها إلى طرابلس على أبواب الانتخابات النيابية، كان أهالي المدينة يؤكّدون على الظلم اللّاحق بأبنائهم. في هذا السياق، أعد موقع صحيفة العربي الجديد تقريرًا شاملًا كشف من خلاله أسرار التحاق شبان لبنانيين بداعش في العراق، واستطلع من خلاله آراء ذوي القتلى هناك، بالإضافة إلى أهالي المعتقلين الإسلاميين، حيث تحدثوا عن الظلم الي لحق بأبنائهم، والأسباب التي أوصلتهم إلى هذا المكان، والافتراءات في الرواية الرسمية بحقهم.

أكد الأهالي للصحيفة رفضهم إلباس المدينة ثوب الإرهاب، خاصةً وأن مدينتهم كانت في طليعة المشاركين في انتفاضة 17 تشرين وأُطلق عليها من الناشطين لقب عروس الثورة. وتشير نساء المدينة أنهن يخفن اليوم  على أبنائهن في سن المراهقة مع ارتفاع حالات الاختطاف، في ظل الوضع الاقتصادي المتدهور، حيث أن معظم الشبان هم إما عاطلين عن العمل، أو يعملون باليومية.

وحول قضية اختفاء الشبان في طرابلس، تشير النسوة اللواتي تحدثن للعربي الجديد، إلى أن هذه الظاهرة بدأت قبل ثلاثة أشهر، وأن عمليات الخطف تمت جميعها في ظروف مشابهة، حيث كانت تسبقها دائمًا تحذيرات من ملفات أمنية تطاولهم، تليها نصائح لهم بالفرار من لبنان. وبحسب الأهالي، فإن الشبان اتصلوا بعد فترة بأهاليهم، وقالوا لهم إنهم في العراق، طالبين منهم مساعدتهم، قبل أيام من إعلان وزير الداخلية بسام المولوي عن تجنيد شبان لبنانيين للعمل مع داعش في العراق.

 الإفادات التي حصلت عليها العربي الجديد من ذوي القتلى الذين التقتهم، أظهرت أن القاسم المشترك بين عدد من الشبان المختطفين، هو أنهم كانوا مسجونين سابقًا بتهم عدة، وسجنوا لفترات وتعرضوا للتضييق ربطًا بـ"وثائق اتصال" الخاصة بالجيش، وهي أشبه ببلاغ بحث وتحرٍ جرى إلغاؤه في عام 2014 رسميًا، لكن يستمر العمل به على أرض الواقع. كذلك نقل الموقع عن والدة أحد القتلى، تحميلها الدولة والأجهزة اللبنانية مسؤولية اختفاء ابنها ومقتله، حيث قالت إن كلّ شاب يخرج من السجن يدمّر، حيث يمنع عليه العمل أو الانخراط في المجتمع، مشيرة إلى أن ابنها كان موقوفًا لدى الدولة اللبنانية، وهو ليس إرهابيًا، وأن شبان طرابلس "معترين "، وهم يخطفون بعمر الورود ويتم تجنيدهم للقتال في الخارج.

وضمن السياق نفسه، قالت أم عمر والدة أحد القتلى في العراق ويُدعى عمر سيف، إن ابنها اعتقل في لبنان بين عامي 2014 و2019، وإنها تلقت اتصالًا منه في اليوم الأخير من العام الماضي من رقم غير لبناني، وقد قامت بإبلاغ مخابرات الجيش بذلك لكنهم لم يقوموا بأي إجراء.

طرابلس تدفع الثمن دائمًا

تُعد طرابلس واحدة من أفقر المدن على شاطئ البحر المتوسط، بالرغم من أن عددًا من أبنائها يمتلكون ثروات هائلة، في مقدمهم رئيس الحكومة الحالي نجيب ميقاتي، والوزير السابق محمد الصفدي. تعرّضت طرابلس للتهميش على امتداد العقود الماضية، خاصةً إبان احتلال النظام السوري، ودفعت على الدوام ثمن مواقفها السياسية ومن بينها وقوف أهلها إلى جانب الثورة السورية.

وكشفت القوى الأمنية قبل سنوات تورط النظام السوري وحلفائه في لبنان بتفجير مسجدي السلام والتقوى، فيما تمّ الكشف عن تسجيل صوتي للوزير السابق ميشال سماحة حليف النظام السوري، يلمح فيه إلى نيته تنفيذ انفجارات في المدينة بهدف وسمها بالإرهاب.

تُعد طرابلس واحدة من أفقر المدن على شاطئ البحر المتوسط، بالرغم من أن عددًا من أبنائها يمتلكون ثروات هائلة، في مقدمهم رئيس الحكومة الحالي نجيب ميقاتي

المئات من شبان طرابلس يقبعون اليوم في الزنازين بتهم مختلفة، فيما يعرف باسم الموقوفين الإسلاميين، بدون أن تتم محاكمتهم أو السماح لهم بالتواصل مع محامين، ما يخلق شعورًا لدى أهل المدينة بالغبن والظلم، ويجعل منهم فريسة للمجموعات المتطرفة التي تعمل على تجنيدهم، في ظل ابتزازهم بملفات أمنية من شأنها أن تؤدي بهم إلى ظلمة الزنازين.

 

اقرأ/ي أيضًا:

"أطوار العمران" في طرابلس.. أركيولوجيا وجه المدينة المُغيب

 ميرا منقارة تنفض الغبار عن طرابلس