12-يونيو-2017

سائق مصري يعمل لدى شركة أوبر في القاهرة (خالد ديسوقي/ أ.ف.ب)

تحت عنوان "معضلة أوبر والمنافسين: مطالب بالحصول على بيانات الركاب والسائقين"، نشرت صحيفة نيويورك تايمز تقريرًا يكشف عن ضغوط أجهزة سيادية مصرية للحصول على بيانات الركاب وتفاصيل رحلاتهم من شركات النقل الجديدة كأوبر وكريم، وكيف أن هذه الأجهزة تُخيّر تلك الشركات بين بقائها في مصر، وبين حظر أعمالها في أكبر أسواق الشرق الأوسط. والتالي هو ترجمة لأبرز ما جاء في تقرير الصحيفة الأمريكية:


مع سعي شركة أوبر نحو تفعيل خدمة التاكسي المشترك، أو ما يُسمى بـ"Ride Sharing" للتوسع في مصر، وما تشهده الخدمة من إقبال، يواجه مديرو الشركة التنفيذيون أمرًا مزعجًا من بعض الوزارات في الدولة، هذا الأمر المزعج هو تمكين هذه الوزارات من "Heaven"! 

و"Heaven" مصطلح يُستخدم داخل أوبر للإشارة إلى البرامج الداخلية التي توفر بيانات حيّة عن العملاء وتحركاتهم. في الواقع إنها بمثابة خريطة عملاقة لبيانات ضخمة عن كل العملاء.

تكشف الرغبة في التجسس على خدمات النقل، عن مدى طموحات السيسي في الرقابة الإلكترونية

هذه البرامج أو الـ"Heaven"، من شأنها أن تكون سلاحًا قويًا في أيدي الأجهزة الأمنية المصرية، التي قامت تحت قيادة الرئيس عبدالفتاح السيسي، بتكثيف التجسس على المواطنين كجزء من محاولة خنق المعارضة وترسيخ وجود السيسي في السلطة.

اقرأ/ي أيضًا: "عاوزينه للآخر".. كتائب السيسي الإلكترونية تحرجه من جديد

شركة أوبر رفضت الطلب المقدم إليها من الوزارات المصرية السيادية، معتبرةً أنه "عدوانية مفرطة"، في حين أن منافستها في الشرق الأوسط، شركة كريم، التي تتخذ من دبي مقرًا لها وتعمل في 55 مدينة، فإن لها برامج مشابهة لـ"Heaven" التي لدى أوبر.

وخلال اجتماع مع الباكستاني مدثر شيخة، الرئيس التنفيذي لكريم، قدّمت المخابرات العسكرية المصرية معاملة تفضيلية لكريم مقابل الحصول على خريطة بيانات الحية للعملاء والسائقين في الشركة، لتقول كريم إن هذا الأمر لم لم ينجح في أي مكان من قبل، دون تفسير لنوايا الحكومة المصرية. وعلى كُل يُحتمل أن يكون هذا الأمر مقننًا، سواءً وافقت الشركتان أم لا.

مشروع قانون للحصول على بيانات العملاء

هذا وقد يُطرح مشروع قانون في البرلمان المصري، عن خدمات النقل مثل كريم وأوبر، ليفرض ربط أجهزة الحاسوب الخاصة بتلك الخدمات والتي تشتمل على بيانات ضخمة ودقيقة عن العملاء وتحركاتهم؛ بأجهزة الهيئات الحكومية ذات الصلة، وهي الأجهزة الأمنية، وهو ما قد يثير مزيدًا من القلق حول ملف الحقوق والحريات في مصر في ظل النظام الحالي.

وبإمكان الأجهزة الأمنية المصرية بالفعل تتبع المواطنين عبر هواتفهم المحمولة، إلا أن التجسس على خدمات النقل، يكشف عن مدى طموحات السيسي في الرقابة الإلكترونية، في ظل ما تقوم به الأجهزة الأمنية من إلقاء القبض على مواطنين بسبب مواقع التواصل الاجتماعي وآرائهم عليها، فضلًا عن اختراقها لرسائل بريد إلكتروني خاصة بنشطاء.

من جانبها قالت كلير لوباتس من مُؤسسة "الخصوصية الدولية"، إنه "من الصعب تصور سبب وجود مشروع من هذا النوع، يسعى لجمع بيانات واسعة عن تحركات الناس، ما لم يكن ذلك جزءًا من جهود مراقبة أوسع"، مُضيفةً: "هذا ليس أمرًا مُبشرًا، بالنظر إلى سجل السيسي في مجال حقوق الإنسان".

وفي كانون الأول/ديسمبر الماضي، حظرت مصر تطبيق "Signal" للرسائل المشفّرة والذي كان يستخدمه الناشطون للتواصل فيما بينهم. وهذه هي المرة الأولى التي تفرض فيها رقابة بهذا الشكل على هذا التطبيق في بلد بأكمله.

بدلًا من تتبع عناصر داعش، تتركز الجهود الأمنية المصرية في تتبع وحصار الشباب المصري "ذوي المهارات التكنولوجية" 

وفي شباط/فبراير الماضي، قالت مجموعة بارزة من الحقوقيين، إنهم تعرضوا لأكثر من 100 هجوم إلكتروني، عبر رسائل إلكترونية خادعة للحصول على كلمات المرور الخاصة بحساباتهم. هذا الهجوم استهدف مجموعة "سيتيزن لاب" الكندية التي يعمل معها نشطاء مصريون.

ومُؤخرًا تصاعدت وتيرة الانتقادات الموجهة للسيسي على مواقع التواصل الاجتماعي. وفي نيسان/أبريل الماضي حكمت محكمة في الإسكندرية، على محمد رمضان، وهو محامٍ، بالسجن لمدة 10 سنوات على خلفية تهمٍ شملت "إهانة الرئيس على فيسبوك"، كما أُلقي القبض على رجل في القاهرة، بسبب تعليقاته على فيسبوك عن آية حجازي، الناشطة الاجتماعية التي أُطلق سراحها بعد تدخل ترامب شخصيًا لدى السيسي، كونها تحمل الجنسية الأمريكية.

وتسوق الحكومة المصرية تبريراتها في استخدام هذه التدابير القاسية، بتعرضها للتهديد من قبل مسلحي تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، الذين قتلوا أكثر من 100 مصري قبطي في الأشهر الستة الماضية، وكان آخرهم الذين لقوا حتفم في حافلة المنيا.

لكن على ما يبدو فإن الجهد الأكبر للدولة، مُوجهٌ نحو الشباب المصري ذوي المهارات التكنولوجية، وهي نفسها المجموعة التي خلّفت الثورة المصرية في 2011، والتي أطاحت بالرئيس المخلوع محمد حسني مبارك.

سائق مصر يعمل في أوبر، يتحقق من خريطة رحلته (خالد ديسوقي/ أ.ف.ب)
سائق مصر يعمل في أوبر، يتحقق من خريطة رحلته (خالد ديسوقي/ أ.ف.ب)

وبالعودة إلى شركتي كريم وأوبر، فإنهما يتقاسمان طوعًا بيانات العملاء مع مسؤوليين سياديين في كثير من الدول، على أساس كل حالة على حدة، استجابة لطلب قانوني. لكن الخبراء يقولن إن الوصول إلى "Heaven" أو نظام مماثل، قد يعطي الأجهزة الأمنية المصرية قدرات أوسع لتتبع العديد من المواطنين بشكل دقيق ينتهك خصوصيتهم، بفعل رقابي واسع المدى والتأثير.

مصر سوق مهم لا تُرفض شروطه!

و تعتبر مصر سوقًا مهمًا لا يمكن تجاهله من قبل هذه الشركات، بعد أن حاولت محاولة فاشلة أن تدخل الصين، وبعد نجاحها في دخول أمريكا اللاتينية وأجزاء أخرى من آسيا، والأهم من ذلك، في الشرق الأوسط السوق الآخذ في النمو. كما أن مصر تعتبر سوقًا مهمًا نظرًا لارتفاع أعداد السكان بها ولانخفاض قدرتهم على امتلاك سيارات خاصة، وقد أصبحت القاهرة ثالث أكبر مدينة تعمل بها أوبر من حيث عدد الرحلات، بعد لندن وباريس.

جاء أول تلميح لما ستقوم به شركة كريم في تشرين الأول/أكتوبر، عندما اقترح وائل فخراني المدير السابق للشركة في مصر، في مقابلة تلفزيونية، أنه قد يُشارك بيانات من الشركة من وزارة الداخلية. وبعد أسابيع، عقد الفخراني أول اجتماعي في مقر الاستخبارات العسكرية في مدينة نصر بالقاهرة.

تعتبر مصرًا سوقًا هامة نظرًا لارتفاع أعداد سكانها وانخفاض قدراتهم على امتلاك سيارات خاصة

وتقوم كل شركات خدمات نقل الأفراد بالضغط على الحكومة لتعديل مشروع القانون الخاص بهم، والذي يخضع حاليًا للمراجعة القانونية. وتؤكد أوبر أن القانون "الغامض" الخاص بمشاركة بيانات العملاء مع الحكومة، ربما يُؤثر في الاستثمار الأجنبي بمصر.

اقرأ/ي أيضًا: لماذا تهمل مصر الاستثمار المحلي؟

ومن غير المرجح أن يتعرض  مشروع القانون لمقاومة كبيرة في البرلمان المحصّن بمؤيدي السيسي. وعليه فإذا مُرر القانون بشكله الحالي، فإنه قد لا يترك للشركات سوى خيارٍ واحد من بين اثنين: الامتثال للقانون ومشاركة بيانات العملاء مع الحكومة، أو خسارة سوق مربحة جدًا. 

 

اقرأ/ي أيضًا: 

المجتمع المدني في قبطة أمن الدولة بقانون جديد.. 3 أسئلة تشرح الكارثة

"بعد سوريا والعراق".. مصر على لوائح الهجرة إلى كندا