07-يناير-2018

عزمي مجاهد أحد الإعلاميين الذين تضمنتهم التسجيلات المسربة (يوتيوب)

نشرت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية تقريرًا قالت فيه إنها حصلت على تسجيلات مسربة، تكشف عن توجيه من يقول عن نفسه إنه ضابط مخابرات مصري، لعدد من الإعلاميين المصريين، لتهدئة الرأي العام تجاه إعلان ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة للاحتلال الإسرائيلي، ما يُستنتج منه القبول الضمني للمسؤولين المصريين بإعلان ترامب، وإن أنكروه علنًا. في السطور التالية ترجمة بتصرف للتقرير.


عندما أصدر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الشهر الماضي، قرارًا بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، أجرى ضابط مخابرات مصري مكالمات هاتفية بنبرة هادئة مع عديد من الإعلاميين مقدمي البرامج الحوارية في مصر.

كشفت تسجيلات مسربة عن توجيه من يقول عن نفسه إنه ضابط مخابرات مصري، لإعلاميين مصريين، بإقناع المشاهدين بقرار ترامب الخاص بالقدس

وقال الضابط أشرف الخولي لمقدمي البرامج، إن "مصر، شأنها في ذلك شأن جميع إخواننا العرب، ستنكر هذا القرار علنًا"، مُضيفًا أن الصراع مع إسرائيل ليس في مصلحة مصر الوطنية. موجهًا مقدمي البرامج بأنه بدلًا من إدانة القرار، يتعين عليهم إقناع المشاهدين بقبوله، مُشيرًا إلى أنه يتعين على الفلسطينيين أن يرضوا بمدينة رام الله التي تقع في الضفة الغربية المحتلة، والتي تعتبر حاليًا معقل السلطة الفلسطينية.

اقرأ/ي أيضًا: رؤوس القائمة السوداء.. دولة أُخرى تفكر في نقل سفارتها بإسرائيل للقدس

وتساءل أشرف الخولي في حديثه للإعلاميين المصريين: "ما الفرق بين القدس ورام الله حقًا؟"، وذلك بحسب أربعة تسجيلات صوتية لمكالماته الهاتفية التي حصلت عليها صحيفة نيويورك تايمز. ليجيب بدوره الإعلامي عزمي مجاهد بالموافقة، وهو نفسه الذي أكد صحة التسجيل الخاص به لنيويورك تايمز.

وكانت دول عربية مثل مصر والسعودية وغيرهما، قد أدانت في العلن، وعلى مدار عقود، ​​معاملة إسرائيل للفلسطينيين، بينما كانت تقبل بشكلٍ ضمني استمرار الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية.

لكن تحالفًا، يقول أطرافه إنه خاضع لمقتضيات الأمر الواقع، لمواجهة من يسمونهم بالأعداء المشتركين، وعلى رأسها الثورات العربية، فضلًا عن إيران والإخوان المسلمين؛ أدى في الوقت الحالي إلى توجه قادة عرب، تحديدًا في السعودية ومصر والإمارات، إلى التعاون الوثيق، الذي ربما لم يسبق له مثيل، مع من يفترض أنه عدوهم، أي إسرائيل، ويتضح ذلك من المقاربات الصارخة في موقفهم على كافة المستويات تقريبًا.

هذا ويعتبر قرار ترامب بشأن القدس، قد أخلّ بالافتراض الأساسي بأن الولايات المتحدة ترعى محادثات السلام على مدى 50 عامًا، كما أنّه تحدٍ لعقودٍ من المطالب العربية بأن تكون القدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية. وأثار قراره مخاوفًا من حدوث رد فعل عنيف في الشرق الأوسط، لتسارع الحكومات العربية بالإدانة علنًا للقرار، ربما إدراكًا منها للتعاطف الشعبي مع القضية الفلسطينية.

أعقب قرار ترامب انتفاضة فلسطينية تعاملت معها قوات الاحتلال بعنف غاشم (EPA)
أعقب قرار ترامب انتفاضة فلسطينية تعاملت معها قوات الاحتلال بعنف شديد (EPA)

وقالت وسائل إعلام مصرية مؤيدة للنظام، إنّ الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي قد احتج شخصيًا للرئيس ترامب، فيما رفض كبار رجال الدين المصريين المقربين من النظام، لقاء نائب الرئيس الأمريكي مايك بينس، وقدمت مصر قرارًا إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة يطالب بإبطال قرار ترامب، واعترضت الولايات المتحدة على القرار، على الرغم من أن الجمعية العامة اعتمدت قرارًا مماثلًا، بشأن الاعتراضات الأمريكية، بعد ذلك بعدة أيام.

وصحيح أن العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز، قد ندد علنًا بقرار ترامب، إلا أنّه في الفخاء، وقبيل القرار بفترة وجيزة، استدعى ولي العهد والحاكم الفعلي للبلاد، محمد بن سلمان، رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، لإرغامه على قبول صفقة كارثية بالنسبة للقضية الفلسطينية، تقتضي إنشاء دولةٍ فلسطينية بلا القدس ولا الضفة، ومحدودة السيادة، وعرض عليه لقبول الصفقة عشرة مليارات دولار، وهو ما يبدو أن عباس قد رفضه.

وفيما يخص التسريبات التي حصلت عليها نيويورك تايمز الخاصة بتوجيه ضابط مخابرات مصري، أو هكذا يقول عن نفسه، لإعلاميين مصريين، فيبدو أنّ الإعلاميين الذين قد حدثهم، استجابوا لأوامره، فيما صمتت أيضًا معظم الأصوات الأخرى في وسائل الإعلام المملوكة للدولة والمؤيدة للحكومة في جميع أنحاء العالم العربي صمتًا لافتًا للنظر، كما لم تبدِ أي شكل من أشكال التعاطف بشأن وضع القدس. إلا أن مثل هذا الرد كان أمرًا لا يمكن تصوره حتى قبل عقدٍ من الزمان، ناهيك عن الفترة الممتدة بين عامي 1948 و1973، عندما خاضت مصر وحلفاؤها العرب ثلاث حروب ضد إسرائيل.

من جانبه، وصف شبلي تلحمي، وهو باحث في شؤون منطقة الشرق الأوسط بجامعة ميريلاند ومعهد بروكنجز، قبول الدول العربية للقرار، بأنه "موقف تحوّلي"، قائلًا: "لم أعتقد أن هذا يمكن أن يحدث قبل عقد من الزمن، نظرًا لأن القادة العرب كانوا سيعلنون بشكلٍ واضحٍ أنهم لن يتعايشوا مع مثل هذا القرار".

وأضاف شبل تلحمي أن القادة العرب أشاروا بدلًا من ذلك إلى أنهم قلقون بشأن استقرارهم، وفي حين أنهم قد لا يرحبون بذلك القرار، إلا أنهم سيجدون طريقة للعمل معه ومع البيت الأبيض الذي الذي يبدي استعدادًا لمخالفة ما كان محرمًا في السياسة الخارجية الأمريكية، بحسب شبلي تلحمي.

في حين أكّد عزمي مجاهد لنيويورك تايمز صحة التسجيلات، عاد ونفى ذلك في تصريحات صحفية واتهم نيويورك تايمز بالفبركة!

وفي حين لم يتسنّ لنيويورك تايمز الوصول للضابط المسمى أشرف الخولي، إلا أنّ الإعلامي عزمي مجاهد قد أكد صحة التسريبات في اتصال أجرته معه نيويورك تايمز، وقال إنّه اتفق مع الخولي، وهو ضابط برتبة نقيب، بناءً على تقييمه الشخصي لضرورة تجنب تجدد أعمال العنف، وليس بناءً على أوامر جهاز المخابرات.

اقرأ/ي أيضًا: الإعلام المصري.. خارطة مشبوهة

وأضاف عزمي مجاهد: "أنا وأشرف أصدقاء، ونتحدث سويًا طوال الوقت"، وتعليقًا على قرار ترامب ومهاتفة الخولي له بشأنه، قال: "اندلاع انتفاضة جديدة سوف يكون أمرًا سيئًا، وليس لدي مشكلة في قول جميع ما سمعته من الخولي في المكالمة الهاتفية على الملأ".

أما بالنسبة لمن يخالفونه الرأي، فقال عزمي مجاهد عنهم: "يجب أن يكون لدينا حافلات تقل جميع هؤلاء الذين يقولون إنهم يريدون القتال من أجل القدس، لتنقلهم إلى القدس بالفعل. فإذا كنت قويًا بما فيه الكفاية، فلتذهب إلى القتال إذن. الناس مرضى بالشعارات وبكل هذه الأمور. أما أنا، فأهتم بمصلحة بلدي فحسب".

المثير للاهتمام، أن عزمي مجاهد عاد لينفي تصريحاته لنيويورك تايمز، وادعى أنّها "حرفت" التصريحات، مهددًا بالتقدم بشكوى للهيئة العامة للاستعلامات المصرية، بحق مكتب الصحيفة بالقاهرة. وقال عزمي في تصريحات صحفية: "التقرير كاذب جملة وتفصيلا، ومدير مكتب نيويورك تايمز لديه توجهات ضد أجهزة الدولة، ويحاول الإساءة إليها عبر تقارير تدعي التضيق على حرية الصحافة والإعلام في مصر". 

بل إنّ عزمي مجاهد نفى أيضًا أن يكون على معرفة بشخصٍ يُدعى أشرف الخولي ويعمل ضابطًا في المخابرات المصرية. قال: "ما أقوله في برنامجي من دماغي، ولا أعرف اسم ضابط يدعى أشرف الخولي"، مُضيفًا أن الصحيفة حرّفت تصريحاته: "لا يمكن أن أدعي معرفتي بشخصية وهمية لا تربطني بها صلة"!

هذا وأجرت نيويورك تايمز اتصالين باثنين من الإعلاميين الذين تحدث إليهم الخولي في التسجيلات المسربة، الأول مفيد فوزي والذي سرعان ما أنكر المشاركة في أي محادثة تليفونية من هذا القبيل، وأغلق الهاتف على الفور. أما الآخر، فهو سعيد حساسين، عضو البرلمان المصري، والذي توقف عن الرد على الرسائل الهاتفية، وتراجع عن إجراء مقابلة جرى التخطيط لها سابقًا، وذلك بعد تواصل الصحفي مع مجاهد وفوزي بشأن هذه المكالمات.

ويُشار إلى أنّ التسجيلات التي حصلت عليها نيويرك تايمز قد قدمت إليها من معارضٍ مصري داعمٍ للقضية الفلسطينية، لكنه لم يكشف عن مصدره هو الذي حصل منه على التسريبات. 

وكان واضحًا تطابق صوت الخولي في التسجلات الأربعة مع كل من عزمي مجاهد ومفيد فوزي وسعيد حساسين والممثلة المصرية يسرا، كما كان واضحًا تطابق أصوات الأربعة مع التسجيلات العامة لهم.

بالإضافة إلى أن النقاط التي تحدث عنها النقيب الخولي في كل مكالمة تتشابه تمامًا مع حديثه مع عزمي مجاهد، فقد بدأ الخولي حديثه مع حساسين بقوله: "لقد هاتفتك فقط لأخبرك بماهية موقفنا العام، لذا إذا كنت بصدد الظهور على شاشة التلفاز، أو إجراء مقابلة ما، فها أنا أخبرك بموقف جهاز الأمن القومي في مصر، وما أوجه الاستفادة من موضوع إعلان القدس عاصمةً لإسرائيل، حسنًا؟!". كان رد حساسين بحسب التسجيل: "مرني سيادتك، أنا تحت أمرك".

استجاب سعيد حساسين لضابط المخابرات قائلًا: "أنا تحت أمرك" (مواقع التواصل الاجتماعي)
استجاب سعيد حساسين لضابط المخابرات قائلًا: "أنا تحت أمرك" (مواقع التواصل الاجتماعي)

يُكمل النقيب الخولي حديثه قائلًا: "نحن سوف نندد بالأمر مثل جميع أشقائنا العرب"، قبل أن يضيف: "بعد ذلك، سوف يُصبح الأمر واقعًا. ولن يستطيع الفلسطينيون أن يقاوموا، ولا نريد الدخول في حرب. فلدينا ما يكفينا كما تعرف"، ربما يُشير في ذلك إلى الإرهاب الذي تعانيه مصر مع فشل الأجهزة الأمنية في القضاء عليه.

يوضح النقيب الخولي أن "أخطر نقطة بالنسبة لنا هو موضوع الانتفاضة"، قائلًا إن "اندلاع الانتفاضة لن يكون في صالح الأمن القومي المصري، لأن قيام الانتفاضة كفيل بإحياء الإسلاميين وحماس. ومن ثم ستُولد حماس مرة أخرى من جديد".

يُنهي النقيب الخولي حديثه بقوله: "في نهاية المطاف، لن تختلف القدس كثيرًا عن رام الله. المهم هو إنهاء معاناة الشعب الفلسطيني"، مُضيفًا: "لابد من تقديم تنازلات، وإذا توصلنا إلى تنازل بخصوص القدس، فتُصبح رام الله عاصمة فلسطين، وذلك من أجل إنهاء الحرب وعدم موت المزيد من الأشخاص، فسوف نذهب من أجل ذلك".

التسجيلات المسربة تكشف توجيه ضابط المخابرات للإعلاميين باتهام قطر بتعاونها مع إسرائيل بعد أن يهدئوا الرأي العام بشأن قرار ترامب!

وفي حديثه مع عزمي مجاهد، قال الخولي له أمرًا مثيرًا للاهتمام، فقد اتهم الخولي قطر بالضلوع في تعاون مع إسرائيل، أو أراد بذلك توجيه عزمي مجاهد لقول ذلك في برنامج. قال الخولي بوضوح: "سوف تقول أيضًا إن هناك علاقات سرية تربط بين تميم وقطر وإسرائيل. أنت تعرف كل ذلك"، فأجابه عزمي مجاهد قائلًا: "علاقات واضحة"، ثم أضاف: "من دواعي سروري، من دواعي سروري. سوف أضع ذلك في الحلقة القادمة إن شاء الله".

 

اقرأ/ي أيضًا:

"لا أرى لا أسمع لا أتكلم".. خطة الإعلام المصري

الإعلام المصري على الفلسطينيين لا معهم