31-ديسمبر-2017

رغم الوعود والتكاليف المتكررة، لا تزال مصر تواجه فشلًا أمنيًا في القضاء على الإرهاب (فيليب ووجازر/ أ.ف.ب)

مرّ شهر على الإلزام، أو الأمر الذي أصدره الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي لرئيس أركان الجيش المصري المعين حديثًا، الفريق محمد فريد حجازي، بالقضاء على الإرهاب في سيناء خلال ثلاثة أشهر.

مرّ شهر على المدة التي أمهلها السيسي للجيش المصري للقضاء على الإرهاب، ولم يحدث جديدًا، بل تصاعدت العمليات الإرهابية النوعية

وتعد شمال ووسط سيناء أكثر المناطق انتشارًا للمجموعات المسلحة الإرهابية في مصر، ومنذ 29 تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، توقيت إصدار الأمر، تشهد سيناء تصاعدًا لأعمال إرهابية نوعية، استهدفت في واحده منها قطبي الأمن في الدولة المصرية، أي وزير الدفاع صدقي صبحي ووزير الداخلية مجدي عبدالغفار، خلال زيارتهما المشتركة لمطار العريش، ثم تبعها عمليات أخرى في سيناء كعملية الكمين الذي استهدف الحاكم العسكري لمنطقة بئر العبد في سيناء.

اقرأ/ي أيضًا: هجوم مسجد الروضة بسيناء.. أكبر المجازر الإرهابية في مصر تتحدى الغياب الأمني 

وأخيرًا، عملية أعادت القاهرة لواجهة العمليات الإرهابية، بعد نحو عام كامل من غياب العمليات الكبرى، باستهداف شخصٍ مُسلح لكنيسة بمنطقة حلوان.

هذا ولم يُعلن السيسي أو أي من زملائه الخبراء العسكريين أو المتحدث باسم رئاسة الجمهورية أو المتحدث العسكري، السر وراء الثلاثة أشهر، ولماذا اختار السيسي هذه المدة تحديدًا دون غيرها كمهلة للقضاء على الإرهاب في سيناء، وهل كان للمهلة التي حددها السيسي أساس عسكري، خاصة وأن الرئيس من خلفية عسكرية، وكان مديرًا للمخابرات الحربية.

كذلك لا يُعرف على وجه الدقة، طبيعة الموقف في حال مرور الأشهر الثلاث دون القضاء على الإرهاب، خاصة وأنّ شهرًا من هذه الأشهر قد مرّ.

سر الشهور الثلاثة

خلال الاحتفال بذكرى المولد النبوي، وبعد أيام قليلة من مجزرة مسجد الروضة التي راح ضحيتها المئات في واحدة من أكبر العمليات الإرهابية التي عرفتها مصر، إن لم تكن أكبرها إطلاقًا من حيث أعداد الضحايا؛ وجه السيسي حديثه لرئيس أركان الجيش المصري محمد فريد حجازي، قائلًا له: "أنت ووزارة الداخلية، مسؤولان أمامي عن استعادة الأمن والاستقرار في سيناء، بما يقدمه رجال الشرطة والجيش من تضحيات من أجل الوطن".

وعاد ليؤكد مرة ثانية: "أنت مسؤول أمامي عن استعادة الأمن في سيناء خلال ثلاثة أشهر، باستخدام كل القوة الغاشمة"، حتى كانت كلمة "الغاشمة" محل جدل حول ما يعنيه السيسي تحديدًا من ورائها، ولكن ربما السؤال الأهم يتمثل في تعيين ثلاثة أشهر كمدة محددة لتنفيذ هذه المهمة!

ولم يكن جديدًا على السيسي إصدار تكليفات وأوامر بالقضاء على الإرهاب، ففي نيسان/أبريل 2015، ومع إعلانه حالة الطوارئ في سيناء، كلف السيسي، القوات المسلحة وهيئة الشرطة، باتخاذ ما يلزم لمواجهة أخطار الإرهاب وتمويله وحفظ الأمن في سيناء وحماية الممتلكات العامة والخاصة وحفظ أرواح المواطنين.

وفي شباط/فبراير 2016، كلف السيسي الفريق أسامة عسكر، والذي كان قد ترقى للتو إلي رتبة فريق، وتولى منصب قائد القيادة الموحدة لمنطقة شرق القناة. وقال له السيسي: "أنا بشهد الناس عليك يا أسامة، أن أحداث سيناء الإرهابية لا تتكرر مرة أخرى، وأنت مسؤول أمامي وأمام المصريين. وأنت أيضًا مسؤول بشكل كامل عن تنمية سيناء". 

ثم في تشرين الثاني/نوفمبر 2016، وخلال اجتماع مع وزير الدفاع والداخلية ورئيس هيئة عمليات القوات المسلحة ورئيس المخابرات العامة ورئيس المخابرات الحربية، أصدر السيسي تكليفًا للحضور باتخاذ كافة التدابير اللازمة للاهتمام بأهالي سيناء وتطهير سيناء من الإرهاب.

مع كل التكليفات والأوامر والإلزامات التي أصدرها السيسي، ويُضاف إليها التفويض الذي طلبه في 2013، من الشعب لمحاربة الإرهاب؛ لا يزال الإرهاب يرتع في الأراضي المصرية، بلا رادع جاد، وبلا مواجهة حقيقية، بل يأخذ في تطوير نوعية عملياته وتوسيع دائرتها!

القاهرة من جديد

منذ مبايعة تنظيم أنصار بيت المقدس بسيناء، لتنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، وإعلان "ولاية سيناء" في 2014، وأغلب العمليات الإرهابية في مصر، تُنسب للتنظيم، إلا أنّ بعض العمليات التي وقعت في غرب البلاد تحديدًا، نُسبت لتنظيمات أخرى. 

ولعله من المفهوم بالضرورة، أن أيّ تكليف بالقضاء على الإرهاب في سيناء، يعني ضمنيًا القضاء عليه في باقي البلاد. لكن المواجهة الأمنية للإرهاب، سواءً في سيناء، حيث الإرهاب أكثر تنظيمًا وقوة، أو في باقي المحافظات المصرية، بما فيها العاصمة القاهرة؛ لم تُثبت كفاءةً حتى الآن. وفي حين قُضي على تنظيم داعش المتشدد بشكل كبير في العراق وسوريا على سبيل المثال، يزداد فرع التنظيم في مصر قوة، تُبرزها عملياته النوعية.

على مدار السنوات الماضية، أعطى السيسي عدة تكليفات بالقضاء على الإرهاب تمامًا، أيًّا منها لم يُنفّذ، ولا يزال الإرهاب يرتع في مصر

وتقريبًا منذ العملية التي استهدفت الكنيسة البطرسية بوسط القاهرة، لم تشهد العاصمة عمليات ذات تأثير، حتى عادت قبل نحو يومين، وفي اليوم الأخير للشهر الأول من مهلة السيسي للقضاء على الإرهاب، وذلك باستهداف كنيسة بمنطقة حلوان، في مشهد سجلته مقاطع فيديو صورها مواطنون، لمسلح كان يتمشى بكل أريحية في شوارع المنطقة بسلاحه الآلي.

اقرأ/ي أيضًا: لماذا عزل السيسي صهره محمود حجازي من رئاسة الأركان المصرية؟

وصحيح أنّ المُسلح لم يتمكن من اقتحام الكنيسة، إلا أنّه تسبب في سقوط ضحايا مواطنين من الأقباط، وفرد أمن على مدخل الكنيسة. وللعجب أنّ من كان في مواجهة المسلح هم مواطنون عاديون، في حين كان الصورة الأبرز الغياب الأمني الكامل، حتى أنّ في إحدى مقاطع الفيديو، تظهر عربة مدرعة تابعة لوزارة الداخلية، هربت من أمام المُسلّح، الذي التف حوله مواطنون وأخذوا منه سلاحه! مع هذا كله، تجدر الإشارة إلى أنّ أقرب قسم شرطة من مكان الواقعة، على بعد 900 متر فقط!

الأكثر غرابة ربما، هو الجزء الثاني من القصة، أي قرار وزير الداخلية بعد الحادث بساعات قليلة، تكريم قيادات مديرية أمن القاهرة ومنطقة حلوان، لنجاحهم في التصدي للإرهاب! ربما يقصد وزير الداخلية عدم تمكن المُسلح من دخول الكنيسة، ولكن ذلك لا يتعلق بأي شكل بالجهود الأمنية، فلم يكن للأمن تواجد سوى فرد الأمن الذي قضى مقتولًا برصاص الإرهابي. فضلًا عن أنّ عملية الإرهابي كانت لها ضحاياها من المدنين، ويُضاف إلى ذلك كله أن توقيتها، أي وقت الاحتفالات بأعياد الميلاد، هو توقيت تقليدي جدًا لتنفيذ عمليات إرهابية تستهدف الكنائس والأقباط، ومع ذلك لم يكن هناك من يردعه سوى المواطنين العاديين!

في سيناء.. من سيقضي على الآخر أولًا؟

عقب عزل رئيس الأركان السابق محمود حجازي، وتعيين محمد فريد حجازي بدلًا عنه، نفذت عناصر إرهابية، تابعة لتنظيم ولاية سيناء، بواحدة من أكثر العمليات دموية في مصر على مدار العقود الأخيرة، وهي عملية مجزرة مسجد الروضة التي كان ضحاياها، وهم بالمئات، جميعًا من المدنيين.

وكعادته عقب الحوادث الكبرى، يسعي السيسي لإيهام الشعب بتعديل أو تطوير ما سيطرأ على المنظومة الأمنية الفاشلة، فكلف رئيس الأركان المعين حديثًا، بالقضاء على الإرهاب في سيناء خلال ثلاثة أشهر. وبعد التكليف، تحديدًا في 19 كانون الأول/ديسمبر، ولسبب لم يعلن عنه، زار كل من وزير الدفاع صدقي صبحي ووزير الداخلية مجدي عبدالغفار مطار العريش، معًا، فحاول تنظيم ولاية سيناء اغتيالهما باستهداف طائرتهما الخاصة بصاروخ من نوع "كورنيت" ما أدى لتدميرها بالكامل.

صحيح أن الوزيرين لم يلقيا حتفهمها، لكن الزيارة التي كان مقررًا لها أن تكون سرية، لم تكن كذلك بالنسبة للإرهابيين الذين استطاعوا أن يعرفوا موعدها، وأن يُحددوا موقع الطائرة، وأن يستهدفوها بصاروخ يُرجّح أنّ قاعدة إطلاقه لم تكن أبعد من عدة كيلومترات عن المطار!

كل تفاصيل هذه المحاولة تكشف بجلاء، فشلًا أمنيًا متراكمًا، كاد أن يودي بحياة من يفترض أنهما قطبا الأمن: وزير الداخلية ووزير الدفاع. ويُذكر أيضًا أن تلك المحاولة كانت بعد التكليف بالقضاء على الإرهاب بثلاثة أشهر، فيما يبدو أنها كانت إعلان تحدٍّ صريح من ولاية سيناء للسيسي وأجهزته الأمنية.

ثم بعد نحو تسعة أيّام، تمكن عناصر إرهابية من تنظيم ولاية سيناء، من استهداف العقيد أركان حرب أحمد الكفراوي، الذي وصفته بعد المصادر بالحاكم العسكري لمنطقة بئر العبد بشمال سيناء، هو وستة آخرون من الجيش المصري. والرتبة والمنصب دليل على أهمية الضابط وخطورة العملية. وفي نفس اليوم، قتلت مجموعة من الإرهابيين شرطيًا ومدنيًا خلال هجوم على قوة تأمين فرع بنك في وسط مدينة العريش.

زعم السيسي غير مرة، القضاء على الإرهاب بنسبة كبيرة، لكن تحركات الإرهابيين وتطور عملياتهم، يكشف كذب تلك المزاعم

يُذكر أنّه في تشرين الثاني/نوفمبر 2015، وخلال حوار مع قناة "بي بي سي" العربية، زعم السيسي تمكن القوات الأمنية من القضاء على 90% من الإرهاب بسيناء. وفي حزيران/يونيو 2016، زعم أيضًا أنّ الإرهاب محصور في منطقة محدودة بسيناء!

 

اقرأ/ي أيضًا:

لماذا كل هذا الفشل المصري في مكافحة الإرهاب؟

لعبة "القط والفأر" بسيناء.. داعش يتقهقر في كل مكان إلا مصر