01-يونيو-2021

قدّمت أزمة كورونا فرصة للقيادات النسوية على مستوى العالم (intosaijournal)

يلعب المنظور الجندري دورًا مهمًا في صياغة استراتيجيات العلاقات العامة المعاصرة والاتصال، وتناول بناء استراتيجية الاتصال من زوايا مختلفة يساهم في فتح آفاق جديدة والولوج إلى معارف علمية تساهم في الوصول إلى الأهداف المبتغاة، وهذا يتطلب بالضرورة تقديم مفهوم الجندر والنظرية النسوية والتي تعطينا منهجًا نقديًا في العلاقات العامة، وتساهم في كيفية اعتباره رافدًا مساعدًا لتطوير استراتيجيات علاقات عامة نجاعة وفعالة.

لا يتمحور مفهوم الجندر بالضرورة حول كونك رجلًا أو امرأة، إنما حول كيفية بناء هويتنا الذكورية أو الأنثوية

فمفهوم الجندر لا يتمحور بالضرورة حول كونك رجلًا أو امرأة، وإنما حول كيفية بناء هويتنا الذكورية أو الأنثوية، ويتعلق أيضًا بكيفية النظر إلى ذاتك من خلال جملة من الاختلافات الثقافية والاجتماعية والنفسية، والتفكير بالسياق لمجريات الحياة العملية والاجتماعية للمرأة في مجتمعات محددة ومختلفة عن بعضها سواء كانت غربية أو آسيوية، فالجندر يتعلق في كيفية ممارسة الأفعال وليس فيما نملك من خصائص. فصورة المرأة في المجتمعات الغربية تختلف عن صورتها في المجتمعات الآسيوية الإيرانية أو الافغانية أو الماليزية أو التركية.

اقرأ/ي أيضًا: الصراع الجندري داخل نخبة ثورية في المنفى

أما النظرية النسوية فتمكننا من التفكير بشكل نقدي حول النوع الاجتماعي وارتباطه بمفهوم القوة والسيطرة وانعكاسات ذلك على الحياة اليومية، وكذلك في ممارسة العلاقات العامة. ونعني بالتفكير النقدي في هذا المضمار والسياق الاستخدامات اللغوية البلاغية التي تعطي في حقيقة الأمر أفكارًا محددة وانطباعات ودلالات معينة لترى ما وراء الحقيقة، وعلى سبيل المثال، من الدراج وبطريقة تلقائية استخدام كلمة "هو" عندما نتحدث عن "المدير العام". وفي ذات المثال فإن النظرية النسوية ترى في ذلك مفهومًا من مفاهيم القوة مرتبط بهذا الإسقاط المفاهيمي، ما يدفعك للتفكير بالمدير العام كرجل في الوقت الذي يمكن المدير العام أن يكون امرأة أيضًا، وهو ما بطريقة ما الاستسلام للثقافة المؤسساتية السائدة والتي ترتبط بهيمنة الرجل إلى حد مع كمدير أو كقائد، وما ينطوي على ذلك من تمييز أو تهميش لشرائح مجتمعية محدد وهي المرأة.

المنظور النسوي يتحدى المعرفة القائمة على الاستثناء بينا في حقيقة الأمر هي قائمة على الشمول الكلي، فعندما نتحدث عن الرجل فإننا نعني ذلك النساء أيضًا، فاستخدام المصطلحات العامة يحتم علينا على سبيل المثال أن نقول الفلسطينيون، ولكن هذا لا يعني بالضرورة الرجال فقط وإنما نشمل بذلك النساء والرجال على حد سواء. فما نعتقد أنه حقيقة بشأن المجموعات المهيمنة لدى الرجال فهو كذلك بالنسبة للنساء. فالنظرية النسوية لا تتمحور على موضعة المرأة على المراكز الهامشية وإنما تعبر أيضًا عن المجموعات التي لا تحظى بالامتياز والريادة، في الحياة الاجتماعية والمهنية، خاصة المرأة وكيف يمكن أن تلعب دورًا فعالًا ومحوريًا في المجتمع والعمل.

وعندما نتحدث عن الحركة النسائية فلا بد من الرجوع إلى تاريخها التي انطلقت في المجتمع الغربي، حيث حاربت النساء ليس فقط لتمكينهن من التصويت في الانتخابات، وانما لتمكينهن من الحصول على فرص متساوية في العمل، وذلك من خلال تطور مفهوم الليبرالية النسوية، ومن ثم الراديكالية النسوية التي تحدثت عن أهمية تغير الثقافة والخطاب السائدتين حول محورية دور الرجل على حساب استثناء المرأة، ما أدى إلى إحداث التغييرات على دور المرأة وتطلعاتها، ومن ثم الانتقال نحو نظرية ما بعد الحداثة والتي عززت الوجود التنافسي للمرأة بمعنى أنها تخطت المفهوم الراديكالي الذي يتحدث عن ضرورة إشراك المرأة في الحياة العملية والمهنية،  ثم إلى المرحلة الأخيرة والمتمثلة فيما يعرف ما بعد النسوية، والتي تحدثت عن ترك المفاهيم النسوية بسبب ما آلت إليه الأحداث من حصولها على الفرص المتساوية والحقوق المكتسبة وباتت جزءًا أصيلًا في تركيبة المجتمع، وباتت تحتل مراكز قيادية وتصنع سياسات وتقود مما كبيرة بما فيها الأدوار السياسية على مستوى الدول والعالم، بالرغم من استمرار محاربة التمييز ضد المرأة ولا سيما في الإعلام.

تمكننا النظرية النسوية من التفكير بشكل نقدي حول النوع الاجتماعي وارتباطه بمفهوم القوة والسيطرة وانعكاسات ذلك على الحياة اليومية

فيما يتعلق بدور المرأة في العلاقات العامة فما زالت الصورة النمطية عن المرأة تتشكل وفقًا للتصورات والانطباعات المجتمعية المتعلقة بالثقافة الوطنية السائدة، وما زال النقاش يتمحور حول الجندر كمنظور معرفي يعاني من سطوة الرجل في تولي الأمور القيادية، وطبيعة التنافس تبع في الأساس من امتلاك القوة والسطوة والسيطرة، لا سيما في ممارسة العلاقات العامة، وما زالت الرؤية في ممارسة العلاقات العامة للنساء تنطلق من التمييز ضد توليها المناصب العليا بالرغم من الإنجازات المرتبطة بكينونة المرأة في مجالات العمل كافة بما فيها العلاقات العامة. ويلي خبراء العلاقات العامة الاهتمام في التمييز تجاه المرأة في ممارسة العلاقات العامة، وخاصة في كيفية ممارسة العلاقات العامة. ويشير ممارسو العلاقات العامة إلى أن النوع الاجتماعي والدور الذي يناط به ينطلق بالأساس من الصورة النمطية السائدة بشأن المرأة في سياقات ثقافية تحدد لها ما هو مقبول وغير مقبول وظيفيًا القيام به.

اقرأ/ي أيضًا: إشكالية التمثيل والوصاية.. هل يستطيع التابع أن يتكلّم؟

العديد من الباحثات في مجال العلاقات العامة من منظور نسوي منهن: ليندا الدوري، ليندا هون، باميلا كريدون، لانا راكو.. يرين بأن نسبة كبيرة من مُمارسات العلاقات العامة في الولايات المتحدة هن من النساء، مشيرات في هذا السياق إلى أنه بينما تزيد نسبة النساء العاملات في الوظائف التقنية في العلاقات العامة، إلا أن فرصهن تتراجع في الأدوار الاستراتيجية بالرغم مما وصلت اليه مكانة المرأة في العالم اليوم. وما زالت هناك العديد من الأمثلة حول العالم بشأن ما تتعرض له المرأة خلال عملها في العلاقات العامة، لا سيما فيما يتعلق بتراجع دورها الوظيفي في المؤسسات جراء الظروف الخاصة بالإنجاب من جانب، بالإضافة إلى النظرة الجنسية الشهوانية، وحصولها على راتب أدنى مقارنة مع ذات الوظيفة المناطة بالرجل. وهو ما يفتح النقاش على مصراعيه لمحاولة تغير النظرة المجتمعية تجاه مكانة المرأة في العمل بشكل عام وفي ممارسة العلاقات العامة بشكل خاص وتمكينها.

ومن التجارب الواقعية تجاه مكانة المرأة في عمل العلاقات العامة والإعلام، تناقض خطاب المؤسسات الإعلامية  بشان دور ومكانة المرأة، وعلى سبيل المثال فإن مؤسسة بي بي سي البريطانية تؤكد أنها تتعامل بحيادية وموضوعية، ولكن على أرض الواقع الحقيقة غير ذلك، ما دفع العديد من المذيعات ومقدمات البرامج التلفزيونية إلى الاستقالة بسبب عدم شعورهن بالاحترام والتقدير، بالإضافة إلى عدم التزام بي بي سي بتنفيذ سياساتها الإعلامية التي تدعي أنها تعطي من خلالها فرصًا متساوية في التوظيف وفي العمل بالاعتماد على المهارات والقدرات الوظيفية، لكن في الحقيقة يتم استغناء المؤسسة عن المذيعات بعد تقدمهن في العمر لصالح استقطاب مذيعات في السن الشباب، وهذا ما يعكس تناقضًا جوهريًا.

بالرغم من وجود العديد من الدراسات المرتبطة بأهمية تعزيز مكانة المرأة في المستويات الاستراتيجية في التخطيط والتنفيذ لاستراتيجيات العلاقات العامة، إلا أن أزمة تفشي وباء كورونا تعتبر فرصة للتطرق للدور الريادي لعدد من القيادات النسوية على مستوى العالم، حيث تجلت ممارسات رئيسة وزراء نيوزلندا جاسيندا أرديرن، والمستشارة الألمانية انجيلا ميركل، وغيرهما كرئيسة وزراء تايلند والدنمارك والنرويج وفنلندا وآيسلندا، في إدارة أزمة تفشي وباء كورونا بالنجاح مقارنة مع كثير من الدول التي يتربع على عرش قيادتها رجال. وهذه التجربة ستشكل انعطافًا محوريًا وجوهريًا بشأن مكانة المرأة، ليس فقط في تبوئ مناصب قيادية وإنما في نجاحها في إدارة أزمة أربكت الكيان العالمي ككل، مشكلة بذلك حالة حقيقية ومهنية تفرض على الباحثين في حقول العلاقات العامة دراستها والبناء عليها كأنموذج نجاح في إدارة الأزمة بعمق واقتدار، ويؤهلها لأن تكون موضع ترحيب في وضعها في مركز صنع القرار.

سجّلت القيادات النسوية في عدد من دول العالم تعاملًا ناجحًا ومتقدمًا مع أزمة فيروس كورونا

اقرأ/ي أيضًا: 9 نساء قويات من أزمنة أقل نسوية

وتنبع هذه الحالة الفريدة والاستثنائية بأن هذه النخبة من القيادات لم تربطهن علاقات شخصية ببعضهن البعض أو مجموعات ضغط، وجمعتهن قدرتهن كلٌّ على حدة في إدارة أزمة كورونا كل في مكانها. وترحيب الجمهور المستهدف "شعوبهن" بتعليماتهن، وما صدر عنهن من قرارات وسياسات لاقت قبولًا واستحسانًا شعبية واسعًا، تخطى حدود دولهن ليصل إلى شعوب الدول الأخرى التي عانت من الارتباك والتشتت وغياب الرؤية الناضجة والقرارات الحكيمة للسيطرة على تفشي انتشار الوباء. ما دفع الإعلام الغربي إلى إيلاء اهتمام كبير بهذه التجارب الفريدة في إدارة الأزمات، ونشرت كبريات الصحف العالمية النيويورك تايمز الإندبندنت تقارير استحقت القراءة والمتابعة لأخذ العبرة والحكمة في كيفية إدارة هذه الجائحة العالمية واتخاذ القرارات الهامة والمفصلية بحنكة، بالإضافة إلى قدرتهن على رسم سياسات وتنفيذها في خضم الأزمة، وذلك من قبل رياديات فرضن ذواتهن على العالم كله.

 

اقرأ/ي أيضًا:

مساواة لفرض اللامساواة.. مناصرة المرأة كأداة تمييز

"دموع بيضاء ندوب سمراء" لروبي حمد.. كيف خانت النسوية البيضاء النساء الملونات؟