08-مارس-2019

قد يتم استغلال حقوق المرأة لتشييء المرأة نفسها (تويتر)

"ابتسامتها لك لا تعني أنها توافق على ممارسة الجنس"، "الرقص معها ليس دعوة لتجاوز حدود اللياقة"، أما "عندما تقول لك لا فهذا يعني لا". بهذه الطريقة نشرت قناة ألمانية لائحة نصائح للاجئيين في البلاد، من أجل التعامل مع المرأة الألمانية. وفي نفس البلد حيث يعيش ملايين اللاجئين مثلًا، أو في بلدان أخرى، تتكرر الحالات التي يتعرض فيها المهاجرون لعنف جسدي أو رمزي، بحجة أنهم لا يلتزمون بقيم المجتمع المحلي، مثل القانون أو الموقف من حقوق النساء.

إن التعبير عن التضامن مع  المرأة، قد يتحول إلى عنصرية وإقصاء ضد أولئك الذين يتم تمثيلهم باعتبارهم معادين للمرأة؛ السود أو اللاجئين أو المسلمين، في توظيف للمساواة لفرض اللامساواة

ومن بين المحتوى الذي ينشره بعض مؤسسات "تأهيل اللاجئين" العرب والأفارقة في أوروبا، بشكل دوري، أو بعض القنوات المحلية، هناك ما يتضمن دائمًا منشورات توعوية للطرق التي على هؤلاء اللاجئين التعامل مع النساء من خلالها. وقد أصبح من المعروف أنك لو كنت لاجئًا، هاربًا من ويلات الحرب والاستبداد في بلادك، فإن افتراضات حول طريقة تصرفك إزاء المرأة، ستلاحقك دائمًا. أما عبارات من قبيل أن المرأة هي كائن مستقل ومتساوٍ، وأنها ليست مجرد جسد، فإنها جزء من عملية تأهيلك للدخول في الفضاء العام.

اقرأ/ي أيضًا: فلسطين.. نسوية وتمويل

وعلى أية حال، فإن استغلال قيمة "احترام المرأة" بهذه الطريقة، مع اختلاف معناها مع الوقت، ليس جديدًا كليًا، فقد كان جزء كبير من المبررات التي يستخدمها سكان بيض في جنوب الولايات المتحدة الأمريكية مثلا، لتنفيذ ما يسمى "بالإعدام خارج إطار القانون"، أو الإعدام الشعبي (lynchings) يعتمد على تُهم التحرش والاغتصاب، وعلى كون السود غير قادرين على التعامل "اللائق" مع النساء.

لا يتعلق الأمر بالتمايز المفترض مع اللاجئين أو مع السود وحسب، فحتى داخل المجتمعات المحلية نفسها، يبدو في هذه الأيام أن التعبير عن موقف مناصر للمرأة في الفضاء العام، أصبح جزءًا من السلوك القيمي الذي تسعى فئات أو طبقات اجتماعية معينة، للتمايز عن غيرها من خلاله. إلى درجة أصبح فيها فعل التضامن مع المسائل الحقوقية، جزءًا من "الذوق الرفيع" الذي تتميز به هذه الفئات عن غيرها، وكأن المرأة أو قضاياها لوحة لفنان "راق"، أو تمثال في متحف تحب الطبقات الوسطى ارتياده، للتعبير من خلاله عن موقعها داخل المجتمع ومنه.

المساواة لفرض اللامساواة

إن هذه النزعة، بشقيها، أي تلك التي يتبناها العنصريون ضد اللاجئين، أو أولئك الحريصون على "تأهيلهم" أو تلك التي تتبناها وتنشرها مؤسسات الصواب السياسي، وتنشأ على هامشها الحقوقي فئات اجتماعية ومهنية وطبقية كاملة، ومؤسسات أهلية عابرة للقارات، ما هي إلا نوع من فرض اللامساواة، من خلال قيمة المساواة نفسها.

بهذه الطريقة، فإن التعبير عن التضامن مع حقوق المرأة، يتحول إلى نوع من العنصرية والإقصاء ضد أولئك الذين يتم تمثيلهم باعتبارهم معادين للمرأة (السود أو اللاجئين أو المسلمين، إلخ)، في نوع من الاستثمار بالمساواة من أجل التأكيد على اللامساواة، أو على التباينات الثقافية والعرقية. فأنتم "لا تجيدون" المساواة أو "لا تدركونها" لأنكم من شعوب غير متحضرة، أو إنكم تتعاملون مع المرأة بالطريقة هذه أو تلك لأنكم متخلفون، إلخ.

تتحول المساواة هنا، إلى نوع من "المهارة" التي يتم اكتسابها، أو نوع من المعرفة التي يجب "إدراكها"، لكن هذا لا يحدث طبعًا من خلال "دورات التأهيل" ولا من خلال قراءة المنشورات التوعوية المذكورة، وإن كانت هذه ضرورة لا لتعليم أولئك "الجاهلين" بهذه القيم، وإنما للتأكيد على تميز أولئك "العارفين" بها. إنك ببساطة من أجل اكتساب هذه المهارة أو إدراك هذه القيمة بحاجة إلى العبور إلى مرحلة غير محددة أو مفهومة ضمنًا، قد تسمى "التحضر" بالنسبة للسود، أو الاندماج بالنسبة للاجئين، أو صفة تشبههما في المجتمعات المعاصرة.

تشييء المرأة من خلال مناصرتها

وقع عديد من الآراء التي أرادت التعبير عن مناصرة المرأة، في الشعر والرواية أو في الفن، في فخ تشييئها، فقد تحولت المرأة من الجسد الطاهر أو العفيف، إلى الجسد الجنسي، ثم إلى الزهرة أو الملاك، إلخ. بيد أن بعض عمليات مناصرة المرأة، كنوع من التمايز الاجتماعي المذكور، لم يكن مختلفًا كثيرًا.

اقرأ/ي أيضًا: "اشتراكيو اللاتيه".. هل بإمكانك أن تكون اشتراكيًا وغنيًا في نفس الوقت؟

وإذا كان عالم الاجتماع الفرنسي بيار بورديو، يلاحظ مثلًا أن استهلاك الثقافة، يمثل بالنسبة لجماعات اجتماعية معينة، نوعًا من التعبير عن ذاتها "الراقية" أو "الرفيعة"، على غرار أنماط معينة من الفن أو الأدب، فإن "استهلاك القيم" هذه، يبدو وكأنه يمثل نفس النوع من التعبيير.

لا تقف هذه المداخلة ضد التعبير عن المساواة بين الرجل والمرأة كنوع من قيمة أخلاقية متفوقة، وإنما تقر بذلك، ولا تعارض هذا المنطق، وإنما تشير إلى توظيف هذه القيمة، بما يعني استغلال حقوق المرأة، في نوع من التمييز والإقصاء وتمثيل التفاوتات الاجتماعية، يما يستدعي إعادة تشييء المرأة وحقوقها، فتصبح كما لو أنها لوحة لفنان معروف، أو قطعة فنية في معرض ترتاده مجموعات وفئات اجتماعية محددة.

 

اقرأ/ي أيضًا:

3000 ليلة.. نسوية الحركة الأسيرة

عالَمٌ بلا نِساء!