10-يناير-2024
متطرفون يهود يقتحون باحة الأقصى تحت حراسة الشرطة الإسرائيلية

(Getty) متطرفون يهود يقتحمون باحة الأقصى تحت حراسة شرطة الاحتلال

هناك رمزية كبرى للمسجد الأقصى عند الفلسطينيين الواقعين تحت الاحتلال، تتجاوز مكانته الدينية، ما يعني أن تأثير الحدث الموثق من داخل المسجد يتجاوز السياق الزمكاني، وقد يكون "القشة" التي دفعت المنطقة لحرب.

في ظل التطور التكنولوجي المتسارع، باتت الصورة الملتقطة من داخل الأقصى بشقيها المرئي والثابت ذات دلالة كبرى، دفعت المستعمر لتسخير الأدوات اللازمة لمنعها وطمسها، ومعاقبة وملاحقة ملتقط الصورة من النشطاء والمرابطين، لتصبح "معركة الصورة" مركزية في حرب الرواية المفتوحة مع الاحتلال.

في 30 نيسان/أبريل 2022، عرض رئيس "حركة حماس" في غزة، يحيى السنوار، صورةً لجنود إسرائيليين دخلوا المسجد الأقصى بأحذيتهم، وفي حينها هدد الاحتلال قائلًا: "هذه الصورة أو صورة مثيل لها في قبة الصخرة، ممنوع أن تتكرر". يمكننا فهم هذا التهديد أو التصريح، أن الصورة باتت عنصرًا في "معادلات المقاومة" بل فتيلة نار لسلاح المقاومة.

الصحافة في انتفاضة الأقصى (الانتفاضة الثانية)

اندلعت انتفاضة الأقصى عام 2000 على إثر تصدي المصلين لاقتحام رئيس وزراء الاحتلال آنذاك أرئيل شارون لباحات المسجد الأقصى، نظرًا لقدسية المكان وقيمته العليا في وجدان الفلسطينيين بخلاف ديانتهم. لذا هب المتواجدون للتصدي بكافة الوسائل المتاحة، وتجاوز الحدث المكان (المسجد الأقصى) معلنًا عن اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية، والتي شهدت حدوث نقلة نوعية للمقاومة الفلسطينية.

قامت في حينها لجنة التراث الإسلامي التي كانت تتخذ من مصلى باب الرحمة مقرًا لها منذ تأسيسها في العام 1992، باستحداث منصب جديد، الإعلام والعلاقات العامة، وعينت الدكتور عبد الله معروف مسؤولًا عن هذه المهمة. ويقول معروف إن مهمته تمثلت بتزويد المؤسسات الإعلامية بالأخبار والمعلومات عن ما يدور داخل المسجد الأقصى، إلى جانب إطلاق موقع إلكتروني خاص بالمسجد الأقصى، إلى جانب الإرشاد الأثري للبعثات التي تزور المسجد للتعرف عليه وعلى معالمه.

في ظل التطور التكنولوجي المتسارع باتت الصورة الملتقطة من داخل الأقصى بشقيها المرئي والثابت ذات دلالة كبرى، دفعت المستعمر لتسخير الأدوات اللازمة لمنعها وطمسها

ويضيف معروف أن الاحتلال شدد على دخول الكاميرات داخل ساحات المسجد مما دفعهم ذات مرة لإدخال كاميرا إلى ساحات المسجد بشكل غير معلن وتم إخفاؤها عن الأعين، لتستخدم وقت الحاجة، واستخدمتها عدة جهات إعلامية. وفي وقت لاحق لهذا النشاط، مارست سلطات الاحتلال ضغطًا وتضييقًا على عمل هذه اللجنة وصلت إلى إغلاقها عام 2003، ومعها أغلق مصلى باب الرحمة.

بهذا الإغلاق أحكم الاحتلال السيطرة على "الصورة"، ومنع نقل وتوثيق ما يجري داخل المسجد الأقصى: اقتحامات المستوطنين، الحفريات الأرضية التي تهدد قوام المسجد وتسرع هدمه، بناء الجسور لتسهيل الاقتحامات، والتنكيل والزوار، والعمل على خطة تدريجية تستهدف نسخ تجربة المسجد الإبراهيمي بتقسيمه زمانيًا ومكانيًا.

صحافة المواطن.. الرباط التوثيقي

بعد "عولمة الصورة" وسهولة التقاطها ونشرها عبر الإنترنت باستخدام الهاتف، إلى جانب ظهور وسائل التواصل الاجتماعي (2009) وازدياد تأثيرها، كان الفلسطيني القابع تحت احتلال سادي يمنعه حتى من الوجود، منخرطًا في "المقاومة الرقمية" موظفًا ما لديه من إمكانيات ليخبر العالم حقيقة ما يعيشه المسجد الأقصى، متجاوزًا القيود والبوابات التي تمنع دخول الكاميرات.

لا تخفى على أحد حُرمة المسجد الأقصى، إذ يُعد المكان الأكثر قدسية عند الفلسطينيين عامةً في سياقِ وطني، ولاعتبارات دينية، لذلك سعى المقدسيون والفلسطينيون ممن يستطيعون الوصول للمسجد الأقصى إلى "الرباط" في المسجد، وخصوصًا بالأوقات التي تشهد اقتحامات المستوطنين - الفترة الصباحية.

ولأجل ذلك سارع الفلسطينيون لتأسيس هيئة المرابطين في العام 2009، وبحسب ما يقول مديرها يوسف مخيمر، أنها أُسِّست بهدف عرقلة وتنفيذ تهويد المسجد الأقصى زمانيًا ومكانيًا. لذلك قامت الحركة الإسلامية (الشمالية) في الداخل بإنشاء مؤسسات مختصة في خدمة المسجد: مسيرة البيارق، مسلمات من أجل الأقصى، مؤسسة عمارة الأقصى الإعلامية.

إلى جانب إطلاقها مشروع "مصاطب العلم" عام 2010 الذي هدف لنشر العلم بين المرابطين في الفترات الصباحية. منذ ذلك الوقت بات "الرباط" في المسجد الأقصى علنيًا بعد أن كان سريًا. واستمر حتى 2015، حين اعتبره الاحتلال نشاطًا "إرهابيًا" محظورًا، وبدأ ملاحقة المرابطين والناشطين واعتقالهم، وطال الحظر الحركة الإسلامية التي حملت شعار "الأقصى في خطر".

لطالما تحولت ساحات المسجد، خاصةً في رمضان، لساحة اشتباك ومواجهة مع الاحتلال ومستوطنيه المقتحمين، بينما توكل مهمة نقل الحدث للمواطنين المتواجدين في الحدث، ويتحول دور وسائل الإعلام من ناقل للحدث لمنظم ومُدير للسيل الجارف من الفيديوهات والصور القادمة من "مواجهات الأقصى"، حين يصبح مصدر الفيديوهات هو "متداول - نشطاء".

يقول الباحث ومسؤول العلاقات العامة السابق في المسجد الأقصى، الدكتور عبد الله معروف، إن التغطية من خلال السوشيال ميديا هي جزء من فكرة الرباط داخل المسجد الأقصى، لولا أهمية الرباط "التوثيقي" لما لاحق الاحتلال المرابطين؛ لأنهم يسهمون في حماية المسجد الأقصى عن طريق لفت أنظار الناس.

يحدثنا الشاب المقدسي عبد العفو بسام عن "رباطه الصحفي" داخل المسجد، منذ العام 2011: "تغطيتي بدأت بسيطة محدودة بالهاتف والكاميرا وأنشر على مواقع التواصل الاجتماعي متمثلة بالصور الجمالية بالإضافة إلى توثيق الاقتحامات، إلى أن أصبحت أعمل مع وكالات محلية ودولية".

لاحقًا بات بسام موظفًا في دائرة الأوقاف الإسلامية بقسم الإعلام، إلا أن دوره لم يكن صحفيًا، بل كان موظف علاقات عامة للقسم الخيري في الأوقاف: "اخترت هذه الوظيفة بالرغم من كونها بعيدة عن عملي الصحفي بعض الشيء، إلا أنني فضلت البقاء بالقرب من المسجد الأقصى".

فلسطينيون يؤدون صلاة الجمعة في شارع أغلقته قوات الاحتلال في القدس، 1 كانون الأول/ديسمبر 2023
فلسطينيون يؤدون صلاة الجمعة في الشارع بعد منعهم من الوصول إلى الأقصى، القدس 1 كانون الأول/ديسمبر 2023

يتحدث بسام عن "ثمن" لهذا العمل يتمثل في التقييدات والملاحقة من الاحتلال.

"لم يسبق لي أن سمعت بصحافة المسجد الأقصى من قبل، أما إذا ما فكرت بمعانيها، فأنا أمارسها منذ سنوات، بالتأكيد هي صحافة مهمة ومطلوبة من كل الناس". عن سؤالي له حول إذا ما سمع من قبل بصحافة المسجد الأقصى.

بعد انخفاض الكلفة الذي طرأ على عملية "صناعة الصورة" بات لا تحتاج لمعدات وتقنيات كثيرة للحصول عليها، بل باتت الكاميرا في الهاتف تكميلية، مما يعني سهولة صناعتها بالرغم من أهميتها ورمزيتها وما يمكن أن تحدثه، إلا أن "الإنسان الحداثي - الرقمي" بات صحفيًا.

بدأ المسجد الأقصى يشهد توافد المصورين الجماليين نظرًا لما يشكله المكان من جمال معماري وزخرفته المميزة، وقبته الذهبية اللامعة، وتلك البيوت التي تطل عليه. وهذه صحافة يمكننا تسميتها بالجمالية، تُعرف "سكان القرية الصغيرة" أو رواد الإنترنت، على هذا المكان الجميل. لكن الوجه الآخر لصورة الجمال، كان بشاعة الاحتلال المتمثلة بملاحقة الفلسطينيين والمقدسيين والتنكيل بهم، وطرد وتهجيرهم، وسرقة بيوتهم المطلة شبابيكه على ساحات المسجد. وهذا مسعى المشروع الاستيطاني الإحلالي، وجوهره.

يتحدث الناشط بسام عن الأداء الإعلامي في المسجد الأقصى: "عاطفي، الناس بتحب تشوف المسجد الأقصى بجماله، ولكن المطلوب متابعة أخباره في كل وقت، والاغلاقات ومنع الترميم، واقتحامات المستوطنين، إلا أن الناس يتعاملون مع المسجد الأقصى كردود أفعال لأحداث كبيرة"، داعيًا وسائل الإعلام إلى تصنيف التغطية داخل المسجد الأقصى كنوع من الأولوية العالية، إلى جانب الإسناد من المواطنين في التغطية.

الهبات المقدسية

شهدت الأعوام بين 2012 - 2015 ذروة التغطية الإعلامية داخل المسجد الأقصى. وفي الوقت نفسه، كان الاحتلال يسعى لفرض التقسيم الزماني والمكاني من خلال سلسلة إجراءات، مهمشًا أهمية التغطية الإعلامية وتأثير الرباط التوثيقي من داخل المسجد الأقصى في قلوب الفلسطينيين والمسلمين.

دفعت التغطية الوضع إلى هبة شعبية عارمة تجاوزت البُعد الفصائلي، قوامها العمل المقاوم الفردي، مما أرغم الاحتلال على التراجع عن سياسته في المسجد الأقصى، وبدأ "كعادته" العمل بشكل هادئ استراتيجي. إلا أن مكانة المكان تفرض الفطنة والبصيرة التي لا تغمض.

هبة باب الأسباط 2017.. فاتحة الخير

عندما نفذ ثلاثي أم الفحم الفعل المقاوم، بالاشتباك مع جنود الاحتلال داخل ساحات المسجد الأقصى، استغل الاحتلال الحدث لفرض واقع جديد ومواصلة المشروع الاستعماري الاستيطاني بتهويد الأقصى أو لنقل "أسرلته".

تمثل انتهاك الاحتلال للمكان بوضعه البوابات الإلكترونية على باب الأسباط وتركيب كاميرات، الأمر الذي تصدى له الفلسطينيين الباقون في أراضيهم المهجرة عام 1948، والمقدسيون، ومن استطاع التسلل والوصول للقدس من سكان الضفة الغربية.

ووثق المرابطون رباطهم وتحديهم لشرطة الاحتلال، الذي استمر أربعة عشر يومًا، على منصات التواصل الاجتماعي بطرق عديدة، بالصور والفيديوهات والتدوينات المكتوبة، توافدت القنوات بالقرب من تجمهر الجموع.

انتعش مصلى باب الرحمة عام 1992، مما دفع لجنة التراث الإسلامي لأن تتخذ منه مقرًا لها، إلا أن الاحتلال لم يهدأ له بال حتى أعلن عن إغلاقه في 2003، مانعًا الفلسطينيين من الوصول له

حقق المقدسيون بنصرهم واقعًا جديدًا، عندما قرروا الدخول من باب الأسباط ثم التوجه إلى باب حطة، محملين بدحر المخطط الاحتلالي على باب الأسباط، ليكلل صمودهم بالدخول من باب حُطة، بتاريخ 27 يوليو 2017.

اجتاحت الصور والفيديوهات الموثقة لمشهد النصر المقدسي، ليجتاح "محتوى النصر" حوائط مواقع التواصل الاجتماعي، أما وسائل الإعلام دخلت مع المصلين لتوثيق الحدث بالضوابط المهنية، والمرابط يوثق "نصره" بالضوابط الوطنية المقدسية.

هبة مصلى باب الرحمة.. توالي الانتصارات

انتعش مصلى باب الرحمة عام 1992، مما دفع لجنة التراث الإسلامي لأن تتخذ منه مقرًا لها، إلا أن الاحتلال لم يهدأ له بال، حتى أعلن عن إغلاقه في 2003، مانعًا الفلسطينيين من الوصول له.

إلا أن الفلسطيني، ولا سيما المقدسي، الذي استرجع مسجده في "عقله" يبدأ "رحلة الاسترجاع" بتحويل الذهني إلى واقعي. أراد الاحتلال إحكام سيطرته على المصلى بوضعه القفل على البوابة المؤدية للمصلى باب الرحمة، وهو ما تم رصده بعيون "المرابطين التوثيقية" التي لا تنام ولا تسهى، مستنجدين بزوار المسجد الأقصى والفلسطينيين ممن يستطيع الوصول والمقدسيين. ردوا مستجيبين معلنين انطلاق هبة شعبية جديدة عنوانها استعادة "قدسية باب الرحمة". تكللت بإعادة فتحه في 22 شباط/فبراير 2019.

فرضت معركة باب الأسباط ثم مصلى الرحمة، معادلة صحفية جديدة، لتستمر شرطة الاحتلال بالتقييد على المقدسيين وملاحقتهم واعتقالهم، مستهدفةً النشطاء منهم، لمنع ووقف هذا السيل الجارف من الهبات الشعبية، ولا سيما بعد ترديد المتظاهرين عبارات تدفع باتجاه استكمال الفتح، بفتح باب المغاربة المغلق منذ احتلال القدس 1967.

بدأت تتشكل معالم جديدة للصحافة والرباط داخل المسجد الأقصى، لأن فكرة النصر ليست قصة خيالية بل واقعًا عايشه المقدسي، لذلك لا مبرر للتوقف عن الاستمرار في الرباط وتوثيق الانتهاكات، ويرافق هذا تصاعد وتزايد في أهمية وسائل التواصل الاجتماعي، خصوصًا بعد الثورات العربية، ثم الهبة الشعبية الفلسطينية (2015 - 2017).

أنتج تأثير منصات التواصل الاجتماعي شخصية المؤثر/الناشط المقدسي، الذي يواصل التقاط صور وصناعة فيديوهات جمالية للمسجد الأقصى، ومحتوى آخر عما يتعرض له المسجد من انتهاكات وممارسات احتلالية تهويدية، إلى جانب الدور التعبوي بالحشد للقدوم للمسجد الأقصى.

وقد تراجع دور وتأثير الإعلام التقليدي لحساب الإعلام الرقمي، حيث يمكنك افتتاح وسيلة إعلام بمجرد أن تنشئ صفحة على منصات التواصل الاجتماعي، على عكس الإعلام التقليدي حيث تكلف عملية إنشاء وسيلة إعلام آلاف الدولارات إلى جانب مبنى واستوديو وكاميرات وطاقم.

ومن هذه المنصات الإعلامية: منصة القسطل التي نشأت في آذار/مارس 2020 التي "مركزت" المسجد الأقصى في تغطيتها الصحفية، وتُعرّف نفسها بأنها "منصة تعمل وفق نظام العمل الصحفي الحر، ولا تنتمي لأحد، ولا تتبع لأي جهة، تغطي الأخبار الفلسطينية، خاصة من مدينة القدس المحتلة". ويرصد الصحفيون العاملون معها الاقتحامات والمواجهات في شهر رمضان، وتتعرض صفحتها للحذف المتكرر، إلا أنها مستمرة في تغطيتها، نتيجة سياسات مواقع التواصل الاجتماعي التي تضيق على الفلسطيني استجابةً للاحتلال.

أما شبكة ميدان القدس الإخبارية، التي نشأت في نفس العام، فتقدم محتوى بصريًا ومكتوبًا تستعرض جمال القدس والمسجد الأقصى، إلى جانب ممارسات وانتهاكات الاحتلال وتسلط الضوء على مشروع تهويد القدس ومسجدها. إلى جانب صفحات أخرى ظهرت تباعًا، بعضها يظهر مؤقتًا ثم يختفي، مثل منصة "القدس بوصلة" التي أنشأت قبل عامين. 

سيف القدس.. معادلة جديدة

ضمن التحولات الحاصلة في المجتمع الصهيوني المتمثلة بصعود "اليمين" ووصوله للحكم، بدأ التحريض والدفع باتجاه سلسلة انتهاكات بحق القدس والمسجد الأقصى، رافقها تصدي وصمود مقدسي، دافعًا المنطقة لهبة شعبية عمت فلسطين التاريخية في أيار/مايو 2021، حيث لعبت السوشيال ميديا وصحافة المواطن دورًا هامًا في الحشد الشعبي للمواجهة والاشتباك مع الاحتلال، وتجاوز تأثير "الصورة" إلى أن وصل إلى استفزاز مشاعر قادة المقاومة، مما أدى لإطلاق قائد أركان المقاومة محمد الضيف، في أيار/مايو 2021، تحذيرًا للمستوطنين بالتوقف عن الانتهاكات، لتعلن المقاومة الفلسطينية في غزة المشاركة في الهبة عسكريًا. بعدما شاهدت المقاومة الفيديوهات القادمة من القدس التي توثق انتهاكات وممارسات الاحتلال الاستيطانية بسرقة منازل سكان الشيخ جراح بالقدس، بالإضافة إلى النداءات الشعبية للمقدسيين، حيث تصدر وسم "من شان الله.. يا غزة يلا" منصات التواصل الاجتماعي.

وباتت هواتف المواطنين، وما ينتجونه من محتوى على منصات التواصل، وكأنها أداة تحدٍّ وصمود ومقاومة في وجه المستعمر، من خلال السخرية من قدرات عناصر جيش الاحتلال، بل وتوثيق لحظات هزيمته وخوفه من المقاومة في غزة. ويصف الأكاديمي عبد الرحيم الشيخ السخرية بأنها فعل جمال ثوري.

باتت هواتف المواطنين أداة تحدٍّ وصمود ومقاومة في وجه المستعمر، من خلال السخرية من قدرات عناصر جيش الاحتلال، وتوثيق لحظات هزيمته من قبل المقاومة في غزة

انعكست تداعيات "سيف القدس" على المسجد الأقصى، وبات المقدسيون يشعرون بأن اعتداء شرطة الاحتلال عليهم وعلى المسجد، إذا ما وثق ونشر الانتهاك فإن "لندائه مستجيب"، وهذا خلخل "معادلة الردع" والذي عمل عليه المستعمر سنوات طويلة، وكسرته المقاومة والمقدسيين المؤمنين بجدوى المقاومة.

مشوار ملاحقة الاحتلال لصحافة المسجد الأقصى

يرغب الاحتلال بطمس أي صورة تخرج من المسجد الأقصى، منذ الإعلام التقليدي والكاميرات، وصولًا للهاتف وصحافة المواطن ومنصات التواصل الاجتماعي.

يحدثنا الباحث د. عبد الله معروف أنه بعد معركة سيف القدس بات الاحتلال يحاول منع المستوطنين من توثيق ممارستهم للطقوس الدينية والاقتحامات خوفًا من اشتعال المنطقة من جديد.

"تم نفخ البوق في أيلول/سبتمبر 2022 في عيد رأس السنة العبرية". يروي معروف. هذا تغير في تعامل الاحتلال مع "الصورة" حيث يسعى لتنفيذ الطقوس دون تصويرها.

يمارس الاحتلال ضغطًا آخر على جبهة أخرى إلكترونية، تتمثل بالضغط على الشركات المتحكمة بوسائل التواصل الاجتماعي، وقد نتج عن ضغوطاته دفع شبكة ميدان القدس إلى توقف نشاطها، مع نهاية عام 2021، بسبب تقييدات فيسبوك، وقالت الشبكة في بيانها "لظروف قاهرة خارجة عن إرادة الشبكة، تعلن الشبكة آسفة عن إنهاء عملها، بعد عام ونصف من التغطية الإخبارية الشاملة داخل مدينة القدس، كنا فيها مع المقدسي في رحلة ألمه وأمله في قصص صموده ونجاحاته، سلطنا الضوء على مشاريع التهويد، ومجازر التهجير والتشريد، ورفعنا صوت القدس والأقصى عاليًا.. شكرًا لأقصاها الذي رفع ذكرنا حينما وجهنا عدستنا لتغطية جماله وما دار ويدور فيه من أحداث".

لا يمكن إهمال تداعيات "طوفان الأقصى" في السابع من تشرين الأول/أكتوبر، حيث استغل الاحتلال الحدث، وكونه غير مسبوق في سياق المواجهة، ليحكم قبضته على الأقصى مشددًا الدخول إليه.

إلى جانب تصنيفه لعدد من وسائل الإعلام التي تعنى بالقدس والمسجد الأقصى على أنها "إرهابية"، وجرّم التعامل معها، ففي نهاية تشرين الأول/أكتوبر، أعلن الاحتلال القسطل منصة إرهابية. وقد رفضت المنصة هذا الإعلان وتحدته معلنةً مواصلة مسيرتها الإعلامية بكشف جرائم الاحتلال.

يتحدى المقدسيون انتهاكات الاحتلال منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر المتمثّلة بمنعهم من الدخول للمسجد الأقصى والتنكيل بالمصلين، ما دفعهم لإطلاق المناشدات عبر منصات التواصل الاجتماعي، إلى جانب توثيق المنع والتقييدات. أما من استطاع الوصول والصلاة يدون على صفحته على منصات التواصل ما يبعث الأمل والتحدي والإصرار وثماره.

ووثق الناشط المقدسي، فراس أبو عصبة، دخوله إلى المسجد الأقصى بفيديو قال فيه "أه مكنش سهل أنا عبرت خمس حواجز، قدرت أني أفوت بفضل الله، وجودك هون هو نصر وجودك هون هو رفعة وجودك هو رباط في نهاية المطاف وجودك هون هو نصر إلك إنت، إمسك حالك وتعال اليوم وتعال بكرا وتعال الأسبوع على الأقصى، ما تتركوه وحيد".

خاتمة

يتجاوز الحدث الذي يتم توثيقه في المسجد الأقصى أهميته باعتباره محتوى عابرًا على منصات التواصل، بل تتجاوز الصورة من داخل المسجد الأقصى الواقع الافتراضي والواقع الاستعماري حتى، ليصبح سلاحًا وفتيلة حرب.

ولنا في كلمة "الضيف" بافتتاحية الحرب أسوة حسنة حين قال: "أردنا وضع حد لكل جرائم الاحتلال وانتهى الوقت الذي يعربد فيه دون محاسبة".

نفهم أن عربدة المستوطنين من داخل المسجد الأقصى التي تلتقطها عدسات المرابطين، والاعتداءات على النساء، هو ما راكم الغضب عند المقاومة، لتعلن عن طوفانها "طوفان الأقصى".