28-مارس-2021

كتاب القدس.. التاريخ الحقيقي من أقدم العصور إلى الاحتلال الفارسي

تُعنى هذه الزاوية باستعادة كتاب من الكتب الفلسطينية، على اختلاف أنواعها، بهدف إعادته إلى حيز التداول من جديد، ذلك لأنّ الكتب لا تتقادم، ولأنّ معرفة فلسطين ضرورية في يومنا هذا أكثر من أي وقت آخر.


يطرح الباحث أحمد الدبش في مقدمة كتابه "القدس.. التاريخ الحقيقي من أقدم العصور إلى الاحتلال الفارسي" سؤالًا بسيطًا في كلماته، معقدًا في أبعاده التاريخية، إذا يتسائل عمّا إذا كان باستطاعة المؤرخين والآثاريين والباحثين تحرير الحقائق التاريخية المتعلقة بتاريخ فلسطين ومدينة القدس من الماضي المفبرك الذي تم تبنيه من الدراسات التوراتية.

لقد جاء الكتاب الصادر في حزيران/يونيو من العام 2020 عن مركز دراسات الوحدة العربية في بيروت في 254 صفحة من القطع المتوسط بواقع أربعة عشر فصًلا، جاء الأول بعنوان جغرافية مدينة القدس متحدثًا عن موقع المدينة وتضاريسها والمواقع المحيطة بها.

ويستعرض الدبش في الفصل الثاني المسوحات والتنقيبات الأثرية في مدينة القدس ما بين الأعوام 1738 إلى 2011 والتي بدأت على شكل رحلات للحجاج المسيحيين القادمين من الإمبراطورية الرومانية لتعقب خطوات المسيح وحوارييه (ص 29). ويشير الباحث إلى أن بعثات الحج هذه أصبحت معادية لأهل البلد بحلول القرن الثاني الميلادي وبدأت فكرة تحويل هذه المنطقة إلى أرض التوارة بالتشكّل، وعليه فقد تم إعداد "مسرح الأثريات" بما يتماشى والهوس التوراتي (ص 29).

ومع تتابع بعثات البحث والتنقيب التي وصلت فِلَسطين والباحثين العدّة الذين قاموا بكتابة ورسم العديد من المؤلفات والخرائط، لا سيّما بعد تأسيس صندوق استكشاف فلسطين عام 1865، يشير الدبش إلى أن كافة الجهود المبذولة في البحث العلمي من قبل هذه البعثات قد تم توظيفها في خدمة الأهداف التوراتية وذلك لإثبات حقيقة هذه الرواية، وأن كافة الحفريات التي تمت في مدينة القدس أن ما ذكره المنقبون هي تصورات وهمية افترضها الأثريون معتمدين على النص التوراتي لتفسير الآثار وفهمها (ص67،41).

ما بين الفصل الثالث والسادس من الكتاب يستعرض الباحث الحضارات التي مرّت على مدينة القدس، ويشير أيضًا إلى ما ورد من دلائل عن وجود الإنسان في بلاد الشام بشكل عام، وفلسطين بشكل خاص قبل المليون ونصف المليون عام (ص 69)، ثم يستعرض القدس في العصر البرونزي المبكر والمتوسط والمتأخر.

في الفصل السابع من الكتاب يتتبع الدبش كيفية اختلاق "أورشليم" في النصوص المصرية القديمة، حيث يورد أن هناك ظاهرة شائعة رافقت قراءة النصوص الأثرية المكتشفة تعمل على تزويرها وتحريفها بهدف إدخال اسم أو حدث ما ضمن النص الأصلي، من ثم يتم تعميم هذه القراءة المزورة وتكرارها لتصبح حقيقة (ص 115).

القدس في العصر الحديدي هو ما يتحدث عنه الفصل الثامن من الكتاب، حيث يبدأ الباحث من المرحلة الأولى نحو عام 1200 قبل الميلاد إلى المرحلة الثالثة نحو عام 586 قبل الميلاد، وفيه ما عُرف من تاريخ "توارتي" للمدينة أنها صغيرة قوية التحصينات يسكنها اليبوسيون وعاصمة لدولة مستقلة وأن الملك داود قد استولى عليها فيما بعد وجعلها عاصمة له، إلاّ أن الواقع الأثري للمدينة يحكي حكاية مختلفة تماًما عن هذا السرد التوارتي.

بعنوان "مملكة على الورق" يقوم الباحث في الفصل التاسع بتفنيد الرواية التي استندت عليها "إسرائيل" في إعلان الاستقلال بتاريخ 14/05/1948 والذي وردت فيه جُملة "إعادة بناء الدولة اليهودية" والتي تعني، وفق الرواية التوراتية مملكة داود وسليمان التي وُصفت حدودها بأنها امتدت لتغطي كل بلاد الشام وأنها كانت مقامة على الأراضي ما بين النيل والفُرات في الفترة ما بين 960 – 930 ق.م. وعلى الرغم من توافد بعثات التنقيب الأثري للوصول إلى دليل واحد فقط على وجود هذه المملكة المزعومة، إلاّ أنه لم يتمكن الآثاريون من العثور على أي شيء يمكن أن يُربط بقيامها في هذه المنطقة.

وكما هي قصّة مملكة داود وسليمان، فكذلك قصّة وجود هيكل سليمان في القدس، حيث يطرح الدبش في الفصل العاشر تساؤلًا منطقيًا عن أسباب عدم وجود أي دليل أثري على وجود هيكل سليمان، بينما تم العثور على حجارة وآثار تعود إلى ملايين السنين في مناطق مختلفة من فلسطين.

في الفصلين اللاحقين يبحث الدبش في تفاصيل روايات الحروب باتجاه القدس التي قام بها الملك المصري شيشناق والملك الآشوري سنخاريب وانتهاء بالملك البابلي نبوحذ نصّر والتي اعتمدت أيضًا على النصوص التوارتية دون أي دليل أثري حقيقي عليها. كما يناقش في الفصل الثالث عشر الآثار التي تم العثور عليها ونسبها إلى مملكة داود وسليمان ومعبده، إلاّ أن هذه الآثار التي تتحكم بها شبكة من المحتالين تتضمن ملفقي قطع أثرية ونصوص وناشرين صحفيين وخبراء لغات وعلماء تاريخ وغيرهم (ص 179)، قد تبين زيفها وأنه لا صلة لها بما تم الترويج له.

في الفصلين التاليين يمر الكاتب على الاحتلال الفارسي واختلاق العودة اليهودية، ثم يذكر سكّان القدس الذين مرّوا على المدينة، بدءًا من الكنعانيون وصولًا إلى الحوريين، ويختتم الفصل الأخير من بحثه بجملة وردت في كتاب المفكر الفرنسي بيير روسي "مدينة إيزيس : التاريخ الحقيقي للعرب" وهي: أليس هذا هَوسنا المحب للخصام الذي بدأ تفريقه شعبًا إلى شعوب أقرباء كالمؤابيين والمؤدنين أو العموريين، والكنعانيين، والآراميين، والسوريين.. إلخ ولماذا؟ لأننا نعني أن نميز فيهم خصومات عرقية وطائفية تجبرنا على أن نضع بينهما العبرانيين، وذلك لكي نقدم الدليل بكل ثمن على صحّة العهد القديم".

وكما وضّح الدبش في خاتمة بحثه التي عنونها "نقطة البداية" لكي يكون نقطة انطلاق نحو كتابة تاريخ القدس وفلسطين بعيدًا عن التصور التوراتي المشبع بالأوهام والقصص الخرافية، التي تم استغلالها لاحتلال فلسطين وطرد شعبها وخلق كيان مبني على الوهم، فإنه من الأهمية بمكان اليوم أكثر من أي وقتٍ مضى أن نلتفت باهتمامٍ كبير لهذا الجانب من التاريخ لتنقيته، وكتابته على حقيقته.

أحمد الدبش كاتب وباحث فلسطيني، له عدّة مؤلفات في التاريخ القديم منها: بحثًا عن النبي إبراهيم، فلسطين.. من هنا بدأت الحضارة من العصر الحجري القديم إلى العصر الحجري النحاسي، اختطاف أورشليم، يهودية الدولة، الحنين إلى الأساطير وغيرها من المؤلفات.

 

اقرأ/ي أيضًا:

مكتبة فلسطين: الجليل.. الأرض والإنسان

مكتبة فلسطين: تاريخ الناصرة