04-مارس-2024
فوتوغرافيا لـ غطفان غنوم/ سوريا

الصورة للكاتب

"كما ينبت العشب بين مفاصل صخرةْ

وُجدنا غريبين يومًا

صديقان نحن، فسيرى بقربيَ كفًّا بكف

معًا، نصنع الخبز والأغنيات

فحسبي، وحسبك أنا نسير...

معًا، للأبد"

تطل هذه اللوحة الشعرية البديعة التي ابتدعها محمود درويش في ذهني كلما رأيت عشبة فلقت صخرة، وبرزت بنضارتها من خلال تلك القساوة معلنة عن رغبة جارفة في الحياة.

لطالما التقطت صورًا لتلك الأعشاب في أثناء تجوالي.

وياله من تكثيف شعري، من الغربة تبتدئ رحلة حياة شرطها الصداقة والحب، مليئة بالأغاني، مكتفية بالمشي والصحبة نحو الأبد معًا.

لعل نبوءة شاعر ورؤيته تتحقق يومًا ما، فيجد الفلسطيني نجاته المنشودة وخلاصه. هو المحق الوحيد وهو الذي رأى الشمس والقمر وأحد عشر كوكبًا ساجدين وهو الذي كلما قتل واقفًا عاشت قضيته واتسع أفقها

لطالما قال الشعراء ببساطة شديدة ما نظن بأننا نستطيع قوله لكننا نعجز عن ذلك في النهاية، وحسبنا أننا مررنا بتجارب مماثلة، ليقع الكلام خفيفًا على أرواحنا المرهقة.

هل سأغامر بالقول إنها لم تكن صدفة أبدًا أن يكون محمود درويش فلسطينيًا؟ هل سيعتبر ذلك ضربًا من ضروب الهذيان؟ وكم ينبغي للشاعر أن يعجن في شعره قضية شعبه وحب وطنه حتى يكون شاعر وطن كفلسطين؟ ماذا سيقول الشاعر الآن لو كان حيًّا؟ أسئلة كثيرة بعضها ساذج وبعضها يستحق التوقف عنده تنتابك أمام هذا الوضع العربي المثير للريبة والمؤلم تجاه ما يحدث في فلسطين منذ شهور؟

قبل سنوات قليلة اعترفت أمريكا بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني، فلم يثر ذلك سوى زوبعة تصريحات في فنجان العرب، واكتفوا بهز فناجينهم وهز رؤوسهم ولم يهزوا أكتافهم سوى باللامبالاة.

ثم تتالت الويلات على ذلك الشعب العربي المعذب، دونما شفقة أو رحمة، ودون أن تنال قضيته الاهتمام الذي تستحقه وهي القضية العالقة منذ أكثر من نصف قرن، حتى وصلنا إلى حرب الإبادة التي تشن على شعب كامل دون رادع.

فهل يفيد بعد الآن عتب الإخوة؟

"إخوتي لا يحبُّونني

لا يريدونني بينهم يا أَبي

يَعتدُون عليّ ويرمُونني بالحصى والكلامِ

يرِيدونني أَن أَموت لكي يمدحُوني

وهم أَوصدُوا باب بيتك دوني".

هل أصبح موت الفلسطيني راحة ضمير بالنسبة لإخوانه؟ وهل باتت المقتلة الرهيبة رهيبة لأنها استطالت أكثر من اللازم في حين كان المطلوب اختصارها زمنيًا حتى لو كانت نتائجها مفجعة؟ ما المطلوب إذن؟ ألف تغريبة وملايين الخيام الجديدة؟ استسلام كامل ممهور بفرح النجاة من الموت؟ إعلان أبدي بقبول الذلّ؟ هل أصبح شرط المحبة هو موت الفلسطيني؟

يقول درويش في قصيدته "يحبونني ميتًا": "يحبّونني ميّتًا ليقولوا: لقد كان منّا، وكان لنا".

ابحث عن إجابات في قصائد كما تبحث الأعشاب عن انفراجات بين الصخور المطبقة على وجودها! لعل شيئًا من الشعر يلبي حاجة النفس للأجوبة بعد أن أثقل الهم على صدورنا، وأرهقتنا تفاهة هذا الزمن المر الذي أصبح فيه الذئب أرحم من الإخوة.

لعل نبوءة شاعر ورؤيته تتحقق يومًا ما، فيجد الفلسطيني نجاته المنشودة وخلاصه. هو المحق الوحيد وهو الذي رأى الشمس والقمر وأحد عشر كوكبًا ساجدين وهو الذي كلما قتل واقفًا عاشت قضيته واتسع أفقها.

"سأكون ما وسعَتْ يدايَ من الأفق

سأُعيدُ ترتيبَ الدروب على خُطاي

سأكون ما كانتْ رؤاي

أنا من رأى".