10-يوليو-2018

يستخدم النظام الصيني فكر ماو تسي تونغ لتبرير سطوته (Getty)

تستخدم الأنظمة الشمولية مؤسسات التعليم المدرسي والجامعي، من أجل تعبئة الطلبة والترويج لخطابات أيديولوجية تعزز من وجود النظام، وقد تكررت الإشارات إلى توظيف النظام الصيني لفكر ماو تسي تونغ، من أجل تثبيت وجوده، وترويج العداء للحريات الغائبة في البلاد، على الرغم من ابتعاد إستراتيجية الحزب الشيوعي الصيني اليوم عن خط ماو تسي تونغ وإرثه. ويوضح هذا التقرير المترجم  عن صحيفة "نيويورك تايمز" آليات هذا التوظيف من خلال الأنظمة الجامعية في الصين.


بناء على تعليمات المعلم اجتمع 17 طالبًا جامعيًا في جامعة تسينغهوا في بكين في صباح يوم الأحد الماضي لحضور محاضرة "فكر ماو تسي تونغ والنظام النظري للاشتراكية ذات الخصائص الصينية"، وهو عنوان مطول لإحدى الدورات التي تعد جزءًا من منهج الحكومة الإلزامي للتعليم الأيديولوجي في الصين.

 تكررت الإشارات على توظيف النظام الصيني لفكر ماو تسي تونغ، من أجل تثبيت وجوده، وترويج العداء للحريات الغائبة

كان الطلاب يضعون وشوم على شكل تنين ويرتدون قمصان غير رسمية، وظهرت عبارة "اضطراب الوسواس القهري" على ظهر قميص كان يرتديه أحد الطلاب، وكانوا يلعبون ألعاب الفيديو الدموية على هواتفهم قبل دخول الفصل. لكنهم رددوا جميعًا داخل حجرة الفصل رقم 106-B، شعار الحزب.

قال تشانغ تينغ كاي، وهو طالب يدرس الهندسة المعمارية ويبلغ من العمر 19 عامًا، واصفًا اضطرابات الثورة الثقافية في عهد ماو، "لقد تعلمنا أن الديمقراطية لا يمكن أن تدوم طويلًا هنا".بينما قال ماو كوانو، البالغ من العمر 20 عامًا، وهو طالب يدرس الهندسة الميكانيكية: "يمكن للديمقراطية أن تتحول بسهولة إلى شعبوية، مثلما حدث في تايوان".

اقرأ/ي أيضًا: انفوغرافيك: دمويون غيروا وجه التاري

كانت وحدة الرأي هذه تسعد قادة الحزب الشيوعي، الذين يعارضون في كثير من الأحيان الأخطار الناجمة عن الليبرالية ذات الطابع الغربي. لكن الحزب يواجه تحديات جلية في سعيه لإلهام جيل جديد من الشيوعيين.

وفي حين أن الطلاب يثنون علنًا على تلك الفصول التي تتناول دراسة المسائل الأيديولوجية مثل هذا الفصل، فإن أكثرهم يصف هذه الدورات في الجلسات الخاصة بأنها دعائية فارغة ومملة وغير مرتبطة بالواقع، ولا يشاركون إلا على مضض.

ففي إحدى المحاضرات، شاهد الطلاب الأعمال الدرامية التاريخية وتصفحوا مواقع التواصل الاجتماعي على أجهزة الكمبيوتر المحمول الخاصة بهم، بينما تحدث الأستاذ عن أهمية دراسة أيديولوجية ماو. وفي محاضرة أخرى، انخرط الطلاب في الدردشة مع أصدقائهم وعملوا على حل المسائل الفيزيائية.

تكتسب هذه الدورات، التي وجد بعضها منذ عقود، أهمية أكبر من أي وقت مضى بالنسبة للرئيس تشي جين بينغ والحزب الشيوعي الصيني. ففي حين، يعيد التركيز على زعيم الحزب الشيوعي الصيني ماو تسي تونغ، إحياء فترات مضطربة من التاريخ الصيني، فإن الكثيرين في الصين ما زالوا ينظرون إلى ماو على أنه بطل. كما تساعد العناصر الفلسفية التي تبناها في مقولة مثل التشكيك في الأفكار الأجنبية والدعوة إلى ترسيخ السلطة المركزية، على إضفاء الشرعية على أجندة الرئيس الصيني الحالي.

لذا وبضغط من الرئيس شي الذي يُعد أقوى زعيم حكم الصين منذ عقود، يعمل الأساتذة على جعل الدورات التي تتناول دراسة الأيديولوجية أكثر صلةً بحياة الطلاب ويسعون إلى بث روح الفكاهة في المحاضرات وتخليلها بالأمثلة المستلهمة من الثقافة الشعبية.

ويقول فنغ وتشونغ، المدرس الرئيسي بدورة "فكر ماو تسي تونغ" في أحد الأيام بعد انتهاء المحاضرة: "نحن نسعى إلى جعل النظريات مثيرة من جديد".

وعلى الرغم من أن المدارس الإعدادية والثانوية حققت نجاحًا في تدريس المناهج الوطنية، فإنه بحلول الوقت الذي يصل فيه الطلاب إلى الجامعة، يصبحون أكثر ميلًا للنقد والتمرد والواقعية في النواحي الدنيوية. كما يتعارض مفهوم المناهج الإجبارية مع قيم الحرية الأكاديمية التي يبجلها العديد من هؤلاء الطلاب.

وقد يتمكن الطلاب في قاعة المحاضرات في بكين من سرد النقاط الرئيسية التي وردت في المحاضرات حين يُطلب منهم ذلك من قبل شي ليو تشيانغ، طالب الدراسات العليا الذي يشرف على قسم النقاشات. إلا أن بعض الأسئلة حول النقاط الأكثر دقة في نظريات ماو قوبلت بصمت طويل. واعترف بعض الطلاب بصراحة أنهم لم يكونوا مُستعدين للإجابة على مثل هذه الأسئلة المعقدة.

إن الكثيرين في الصين ما زالوا ينظرون إلى ماو على أنه بطل

ويعتري الحزب الشيوعي قلق عميق حول "النقاء الأيديولوجي" لهذا الجيل من طلبة الجامعات، الذين لا يجمعهم سوى رابط هزيل عبر آبائهم وأجدادهم بحقبة ماو وقيم الثورة. كما وصفتهم وسائل الإعلام المملوكة للدولة بأنهم يتمتعون بروح السخرية والاستقلالية واللامبالاة تجاه السياسة.

ففي ظل حكم شي، فرض المسؤولون جرعات أعلى من التعليم الأيديولوجي في الجامعات الصينية التي يزيد عددها عن 2.500 جامعة.

وأصبح يتعين على الطلاب الآن إتمام ما يصل أحيانًا إلى خمس دورات من هذا التعليم الأيديولوجي للتخرج من الجامعة، من بينها فصل عن الماركسية، وآخر عن الأخلاق ودورة عن تاريخ الصين الحديث، ودورة بعنوان "دراسة الأوضاع والأهداف المتصلة بالسياسات"، وهي دورة تتناول القضايا المعاصرة مثل النزاعات الإقليمية في بحر الصين الجنوبي والسياسات المتعلقة بالأقليات الإثنية.

وفرضت إدارة شي عقوبات على الجامعات من بينها جامعة تسينغهوا التي درس فيها سابقًا، بسبب كونها متساهلة للغاية، وأرسلت الحكومة مفتشين لتثبيط أي نقد قد يوجه إلى الحزب الشيوعي في الحرم الجامعي.

وفي نفس الوقت، حث المسؤولون أساتذة الجامعات على إعادة التفكير في الكيفية التي يدرسون بها الأيديولوجيا، محذرينهم بأن الطلاب ليست لديهم الرغبة في الاستماع لنظريات عفا عليها الزمن. وبدأت بعض الكليات في تقديم دروس عن الرؤية العالمية الخاصة بالرئيس شي، والمعروفة بفكر شي جين بينغ.

يساعد البروفيسور فينغ في قيادة دفة هذا التحول. وفي عام 2015، بدأ في تقديم دورات تدريبية عن الأيديولوجيا الماوية على منصة إيديكس، وهي منصة تعليم رقمي مفتوحة تمولها جامعتا هارفارد ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، وبهذا يكون واحدًا من أوائل الأساتذة الصينيين الذين اختاروا الانترنت فضاءً لتدريس الدورات الخاصة بالأيديولوجيا.

حث المسؤولون في الصين أساتذة الجامعات على إعادة التفكير في الكيفية التي يدرسون بها الأيديولوجيا

يدرس فينغ، وهو خطيب مفوه يرتدي أحيانًا زيًا شبيهًا بذلك الذي اعتاد أن يرتديه ماو، الآن أفكار ماو تسي تونغ عبر محاضرات فيديو رقمية تتناول موضوعات مثل "ضرورة إضفاء الثقافة الصينية على الفكر الماركسي"، و"الروح الحية لفكر ماو تسي تونغ". ويكلف طلابه بقراءة كتب ليست فقط من تأليف ماو، بل وكذلك مؤلفين غربيين مثل ألكسيس دي توكفيل وصامويل هانتنغتون، عالم السياسة الأمريكي.

كما يحاول أثناء إلقائه المحاضرات المباشرة أن يبعث الحياة في الأفكار التي يدور حولها الحديث، من خلال مناقشة موضوعات مثل كتب ماو المفضلة وحث الطلاب على تقييم سياسات الزعماء الصينيين، مكافئًا أكثر المشاركين نشاطًا بأموال رقمية ترسل عبر تطبيق المراسلة وي تشات.

ومع ذلك، تبدو محاضرات السيد فينغ أحيانًا وكأنها من حقبة تاريخية مختلفة. على سبيل المثال، حين يصف موقف ماو من الثورة، ويشجب القوى الإمبريالية، و"الرأسمالية البيروقراطية" على "استغلالها للطبقات العاملة الكادحة دون رحمة".

تتباين هذه المشاعر تباينًا صارخًا مع الصين المعاصرة، حيث تتبنى الدولة الرأسمالية علنًا، وهو ما يولد شعورًا بأن الدروس الأيديولوجية أصبحت منعدمة الصلة بالواقع.

لكن فينغ يقول إن كلمات ماو لم تكن يومًا بالأهمية التي هي عليها الآن، حتى لو تغيرت الصين نفسها. وعلى سبيل المثال، قال في إحدى محاضراته، إنه ربما يجب على الطلاب النظر إلى دعوة ماو "للكفاح المسلح" إبان الثورة الشيوعية عام 1949، باعتبارها تذكيرًا بأهمية مجابهة مصاعب الحياة اليومية بقوة وعزم.

وكذلك قوله بأنه "ينبغي أن يتحلى الطلاب بالشجاعة لمواجهة الصعاب بالصلابة والشدة، ويتعين عليهم أن يتجرأوا على مجابهة التحديات الصعبة".

وسأل فينغ طلابه في محاضرة ألقاها مؤخرًا سؤالًا جدليًا: "إذا كنتم على جزيرة مهجورة، ما الكتاب الذي قد تحضرونه معكم؟"، تضمنت الإجابات أعمالًا كلاسيكية صينية مثل "حلم الغرفة الحمراء". بينما أشار طالب واحد فقط، ربما سعيًا للحصول على درجة أعلى، أنه سيحضر معه المرجع الذي تدرس منه الدورة عن فكر ماو تسي تونغ.

اقرأ/ي أيضًا: من موسكو إلى بكين.. تيه اليسار المصري

وتحول النقاش في قاعة بكين الدراسية من نظريات ماو إلى التساؤلات حول إن كان النظام الشمولي في الصين يقدم ما يكفي من السبل للناس للتعبير عن آرائهم ووجهات نظرهم. وقال أحد الطلاب، ويدعى شيونغ ينينغ، إن "حياتنا أبعد ما تكون عن الديمقراطية. عندما تتخذ الطبقات العليا القرارات، نشعر وكأننا معزولون تمامًا عن عملية اتخاذ القرار".

ووافقه في هذا الأمر تشانغ، وهو طالب يدرس الهندسة المعمارية، وأضاف قائلًا "حتى الآن لا نعرف لماذا تتخذ الطبقة العليا قرارات بعينها. قد تكون قرارات حكيمة، لكن إن لم نفهم سببها، قد تراودنا الشكوك والأفكار المضللة إزاءها".

وتساءل أحد الطلاب عما إذا كانت الصين ستخاطر بالمضي قدمًا نحو سياسة تقديس شخصية الزعيم، لكن النقاش تحول سريعًا ليعود مجددًا إلى الحديث عن نقاط قوة النظام الصيني.

وقال ماو، وهو طالب يدرس الهندسة الميكانيكية: "يحظى قائدنا الأعلى شي جين بينغ، بهيبة كبيرة ومكانة عالية، طالما ظلت قراراته معقولة بما يكفي، فلن يكون هذا الخطر كبيرًا إلى الدرجة التي قد يتصورها البعض".

أما خارج قاعة الدراسة، فقد عُلقت لافتة دعائية حمراء كبيرة على جانب أحد المباني، تحمل واحدة من عبارات الرئيس شي المفضلة، التي تذكر بمهمة الحزب ووجوده المطلق. تقول العبارة: "اعمل بجد من أجل تحقيق النجاح العظيم للاشتراكية ذات الخصائص الصينية في العصر الجديد".

 

اقرأ/ي أيضًا:

"الحل الصيني" يُزاحم أمريكا ببطء على قيادة العالم

مشكلة التعليم.. أكبر المخاطر التي تهدد اقتصاد الصين؟