25-نوفمبر-2017

تشتهر الصين بأن مناهجها الدراسية تعتمد على التلقين والحفظ (كيفين فراير/Getty)

الترا صوت- فريق الترجمة 

غالبًا ما يروج أن المدارس الصينية كئيبة، ويعتقد بأنها تقدم نظامًا تعليميًا مميزًا وصارمًا، لكن الأرقام والدراسات تؤكد عكس ذلك، وتبرز ضرورة إصلاحها سريعًا لتفادي انعكاسات على التطور الاقتصادي الصيني في العقود القادمة. فهل ستتجه الصين إلى الاستثمار في التعليم؟ في هذا التقرير، المترجم من الرابط التالي، فكرة أوضح عن الأمر.


وضع الرئيس الصيني، شي جين بينغ، مؤخرًا رؤيةً جريئة لتحويل بلده إلى اقتصاد كامل النمو بحلول عام 2050، مع التركيز بشكلٍ خاص على تشجيع الابتكار والتكنولوجيا. وبالنظر إلى المستوى الحالي لعامل رأس المال البشري في الصين، وبعض التغيرات التي تلوح في الأفق في الاقتصاد العالمي، فإن تنفيذ تلك الرؤية يمكن أن يكون أصعب مما يتوقع.

وفقًا لتعداد عام 2010، تخطت نسبة الصينيين الذين لم يستكملوا الدراسة بعد المرحلة الإعدادية الـ 65 في المائة وهو ما يعكس افتقار جزء هام من الشعب للمهارات الكفيلة بزيادة التطور الاقتصادي

تنتشر وجهة نظر في الغرب أن مناهج المدارس الصينية تعتمد على الرياضيات والعلوم، التي يظن البعض أنها تُفيد الطلاب أثناء عملهم في الشركات التي يلتحقون بها بعد التخرج. ولكن هذا أمر غير صحيح: إذ أكدت الدراسات أن براعة الصين المزعومة من خلال الاختبارات الموحدة كانت تُقيِّم فقط الأطفال في المناطق الغنية وغير المُمثلة عن طوائف الشعب جميعها. وعندما أُدرج عدد أوسع من السكان، انخفض ترتيب الصين في جميع المجالات.

وتُظهِر البيانات الرسمية هذه الديناميكية الخطيرة. فوفقًا لتعداد عام 2010، كان أقل من 9 في المائة من الصينيين قد التحقوا بمدارس ما بعد المرحلة الثانوية. في حين تخطت نسبة الصينيين الذين لم يستكملوا الدراسة بعد المرحلة الإعدادية الـ 65 في المائة. ومن عام 2008 إلى عام 2016، انخفض العدد الإجمالي للطلاب الصينيين الذين حصلوا على تعليم عالي بنسبة 1 في المائة. وخارج تلك المناطق الغنية، فإن الكثير من سكان الصين يفتقرون إلى المهارات الأساسية المطلوبة لزيادة الدخل الاقتصادي.

اقرأ/ي أيضًا: تعرف إلى المعهد الأضخم في العالم.. الأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية

ومما يُزيِد الأمور سوءًا، هؤلاء الملايين من الأطفال في المناطق الريفية الذين يقوم على تربيتهم بعض أقارب الأسرة، لغياب أولياء أمورهم نظرًا لظروف العمل في المدن البعيدة. إذ ينخفض مستوى أداء أولئك الأطفال في الدراسة بشكل ملحوظ وخاصة خلال اختبارات الذكاء. وقد أشار خبير الاقتصاد في جامعة ستانفورد، سكوت روزيل، إلى أن تلك الأزمة برغم خطورتها فهي (أزمة غير مرئية) لصنّاع القرار في الصين، مما يُنذر بأنه في خلال العقود المقبلة، سيبدأ نحو 400 مليون صيني -بُناءًا على تقديره- غير مؤهّلين خلال البحث عن عمل. وقد كشف بحثه عن مشكلةٍ خطيرة مما حدى بعض وسائل الإعلام الحكومية إلى التحقيق في الأمر بعناية.

في الوقت الراهن، من السهل التغاضي عن هذه المشاكل، إذ لا تزال المعدلات الرسمية للبطالة منخفضة ومستقرة. وتزداد الأجور وتتسع الطبقة الوسطى. ولا تزال المصانع الصينية تحتل المرتبة الأولى بين أفضل المصانع في العالم، ويتوافر لدى عمالها على نطاق واسع المهارات التي يحتاجونها لدعم أنفسهم.

ولكن مع تسارع التغيرات الديموغرافية والتكنولوجية الجارية الآن، فإن الفجوة التعليمية ستلوح في الأفق أكثر وأكثر قريبًا. ومع ارتفاع الأجور، ستواجه الشركات الصينية منافسةً متزايدة من الدول الأقل تقدمًا. ومع تحسن إمكانيات التشغيل التلقائي، سوف تحتاج المصانع إلى عمال أفضل ولديهم تعليم متقدم. ومع توقف الصناعات القديمة، فإن أرباب العمل سيَطلبون عمالًا بمهارات جديدة.

مع تسارع التغيرات الديموغرافية والتكنولوجية في العالم، من المنتظر أن تتوضح أكثر الفجوة التعليمية في الصين بين المناطق الغنية والفقيرة وقد تكون انعكاساتها اقتصاديًا وخيمة

ومثلها مثل  العديد من الدول، فإن الصين ليست مستعدة لهذه التغييرات. ولا يمكن الحفاظ على اقتصاد متقدم قائم على الخدمات عندما يكون 25 في المائة من السكان الذين هم في سن العمل لم يحصلوا سوى على شهادة الدراسة الثانوية. ومن خلال دراسته، وجد روزيل أنه في جميع الدول التي حققت قفزة من الدخل المتوسط ​​إلى الدخل المرتفع على مدى السبعين سنة الماضية، كان هناك 75 في المائة على الأقل من السكان الذين هم في سن العمل حاصلين على شهادة الدراسة الثانوية قبل بدء المرحلة الانتقالية. حتى مدارس النخبة في الصين لا يمكن أن تقود التنمية الاقتصادية ل 1.4 مليار شخص. وسيتطلب رفع مستوى التعليم على نطاق أوسع، الاستثمار والإصلاح على حدٍ سواء.

تستفيد معظم الدول من الاستثمار في التعليم. ولكنه في حالة الصين فإنه واجبٌ وضروريٌ بشكل خاص، حتى في المراكز الحضرية المزدهرة، فإن الفصول الدراسية عادة ما تكون مكتظة بنحو 50 طالبًا، مما يضع الكثير من الدور الفعلي للتعليم على أكتاف الآباء المحبطين. وهذه هي الطريقة إلى الفشل.

اقرأ/ي أيضًا: فهم الاستراتيجية الصينية عن طريق ثقافتها

وينبغي أن تكون هناك أولوية أخرى أيضًا لإصلاح نظام (هوكو) لتسجيل الأسر المعيشية. يُربى العديد من الأطفال من قبل أجدادهم في المناطق الريفية ويرجع السبب في ذلك لأنهم ممنوعون من الحصول على الخدمات العامة بما في ذلك المدارس في المدن التي يعمل فيها آباؤهم. ولا يخفى على أحد أن تقديم تعليم جيد في المراكز الحضرية أسهل بكثير مما هو عليه في القرى النائية. ومع ارتفاع معدلات الشقق الفارغة في العديد من المدن بنسبة تفوق الـ 20 في المائة، فإن وضع حد لهذه القيود سيكون سياسة إنسانية واقتصادية ناجحة.

ينبغي أن يكون الهدف النهائي هو إصلاح المناهج الدراسية. تشتهر الصين بأن مناهجها الدراسية تعتمد على التلقين والحفظ. ولكن المدارس تعمل أيضًا على زيادة الأنشطة الدراسية المتعلقة بالفكر الشيوعي، ومعتقدات ومبادئ الفلسفة الكونفوشيوسية، وحتى الطب الصيني التقليدي. وينبغي أن ينصب التركيز بدلًا من ذلك على المهارات والإبداع، على سبيل المثال: تثقيل الطلاب بالطرق غير التقليدية في حل المشاكل والتي ستساعد على دفع روح المبادرة والابتكار، وضمان أن الطلاب يمكنهم المنافسة في عالم الروبوتات والطائرات بدون طيار.

وعلى الرغم من أن العديد من الدول الأخرى ستواجه مثل هذه المشاكل والتحديات في السنوات القادمة، إلا أن الصين سيكون لديها بعض المعوقات الشديدة والإضافية. وقد يكون الرئيس شي، محقًا في أن شعب الصين قادر على الصمود والإبداع بما فيه الكفاية لتحقيق أهدافه، ولكن الرحلة ستكون شاقة ومليئة بالمصاعب.

 

اقرأ/ي أيضًا:

"طنجة تيك".. ماذا وراء تدفق الاستثمارات الصينية نحو المغرب؟

ماذا وراء انفتاح الصين على رؤوس الأموال الغربية؟