08-ديسمبر-2023
مقطع من قصيدة أطفال رفح لـ سميح القاسم

مقطع من قصيدة أطفال رفح لـ سميح القاسم (الترا صوت)

سميح القاسم شاعر فلسطيني من مواليد مدينة الزرقاء الأردنية عام 1939. يُعد واحدًا من أهم شعراء المقاومة في فلسطين، حيث ارتبط اسمه، منذ قصائده الأولى، بالثورة والمقاومة ضد الاحتلال الذي عاش في ظلّه، وعانى منه، وقاومه شاعرًا ومناضلًا.

اشتُهر القاسم بقصائده المُصنّفة ضمن خانة "شعر الثورة والمقاومة" أكثر من غيرها، لا سيّما بعد غناء عدد من الفنانين العرب لها، وخاصةً قصيدته "منتصب القامة أمشي" التي غنّاها اللبناني مارسيل خليفة.

مع ذلك، لم تكن قصائد القاسم (توفي عام 2014) تتمحور حول ثنائية الثورة والمقاومة فقط، حيث صوّر في الكثير منها معاناة عرب الداخل، والفلسطينيين بشكل عام، مع الاحتلال. ومن بين هذه القصائد "أطفال رفح"، التي نستعيدها على هامش حرب الإبادة الجماعية التي يشنّها جيش الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة منذ 63 يومًا. فالقصيدة، في جانب منها، محاولة لتصوير أحوال قطاع غزة في ظل حكم الاحتلال الإسرائيلي بعد احتلالها عام 1967.

يقول الكاتب والناقد الفلسطيني فيصل دراج إن سميح القاسم ساغ: "الوقائع الوطنية شعرًا، محوّلًا القصيدة إلى ذاكرة وطنية، وناشرًا أحوال الذاكرة على القصيدة والشاعر والقارئ معًا. وما تحتاج إليه الذاكرة الوطنية اليقظة قائم في قصائد تصد النسيان، مثل: (أطفال رفح)".


أطفال رفح

1-

للذي يحفر في جريح الملايين طريقه

للذي تسحق دباباته ورد الحديقة

للذي يكسر في الليل شبابيك المنازل

للذي يشعل بستانًا، ومتحف

ويغني للحريقة!

للذي ينحلُ في خطواته شعر الثواكل

ودوالٍ تتقصّف

للذي يصدم في الميدان دوري الفرح

للذي تقصف طياراته حلم الطفولة

للذي يكسر أقواس قزح

يعلن الليلة أطفال الجذور المستحيلة

يلعن الليلة أطفال رفح:

نحن لم نبصق على وجه قتيله

بعد أن ننزع أسنان الذهب

فلماذا تأخذ الحلوى،

وتعطينا القنابل؟

ولماذا تحمل اليُتم لأطفال العرب؟

ألف شكرًا،

بلغ الحزن بنا سن الرجولة

وعلينا أن نقاتل!

 

2-

كانت الشمس على سنجة فاتح

جثةً عاريةً ممتهنه

تنزف الصمت على حقد المسابح

ووجوه حولها محتقنة

صاح محتل خرافي الملامح:

"لن تنوحوا؟

حسنًا.. حظر تجول،

منذ سا.."

وانشقّ عن صوت علاء الدين

ميلاد الحساسين الجوارح

أنا ألقيتُ على سيارة الجيش الحجارة

أنا وزّعت المناشير،

وأعطيتُ الإشارة

أنا طرَّزت الشعار

ناقلًا كرسيّ والفرشاة

من حيٍ.. لبيتٍ.. لجدار

أنا جمّعتُ الصغار

وحلفنا.. باغتراب اللاجئين

أن نكافح،

طالما تلمع في شارعنا، سنجة فاتح!

لم يزد عمر علاء الدين،

عن عشر سنين.

 

3-

شجر الفتنة مكسور،

وأبواب رفح

خُتمت بالحزن

أو بالشمع

أو حظر التجول..

وعليها كان أن تنقل خبزًا وضمادًا

لجريح، بعد نصف الليل عادا

وعليها كان أن تقطع شارع

رصدته أعين الأغراب،

والريح،

وفوهات المدافع..

شجر الفتنة مكسور

وكالجرح انفتح

باب بيت في رفح

قفزة.. في حضن فنائه

قفزة.. واحتضنتها

في رصيف الرعب نخلة

حاذري، في كل نقلة!

قفزة،

دوريَّة،

أنوار كشاف،

وسطه!

  • من تكونين؟
  • قفي!

خمس بنادق

جحظت من حولها، خمس بنادق.

وغُداة انعقدت باسم الغزاة المحكمة

حضروا بالمجرمة

آمنة،

طفلة في الثامنة!

 

4-

باسم أمن الفاتحين

ألقوا القبض عليه من شهور

باسم أمن الفاتحين

لم يزل زوجك مجهول الإقامة

لم يزل زوجك.. ميتًا أو سجين

من شهور، باسم أمن الفاتحين

فاعجني دمعًا وصلصالًا،

إذا عزَّ الطحين

واطبخي حزنًا وصبارًا وطين

باسم أمن الفاتحين!

هية يا زوجة مجهول الإقامة

ما الذي تنتظرين؟

صلوات العود للمنزل في باص السلامة

نفذت.. ماذا تُرى تنتظرين؟

نفدت.. من كل دين!

أوصت الجارة خيرًا،

بابن مجهول الإقامة

واشترت تذكرة حمراء،

من سوق الغضب

واستعاضت عن قطار في محطات السلامة

بقطارٍ،

صاعدٍ عبر محطات اللهب!

ساعة مرَّت،

ومرت ساعة أخرى

وساعة،

قبل أن ترجع،

في حمّالةٍ مصبوغةٍ بالدم،

حناء الشجاعة!

قُضي الأمر،

فهل تملك أهلًا آخرين

في خيام اللاجئين

يا ابن مجهول الإقامة

وابن من ملَّت محطات السلامة؟

قضي الأمر؟

وكالوحش الجريح

حملت أطرافه هبة ريح

في يدٍ، دميته – كان اشتراها

منذ أعوامٍ من القدس، أبوه

وهو في الدرب إلى الشام،

وفي عمان لاقاه صديق تونسي

زار بيروت،

وأمضى عطلةً في القاهرة

في يدٍ دميته – كان اشتراها مذ..

وفي الأخرى دواة – صُنعت في مصر –

كالوحش الجريح

حملت أطرافه هبّة ريح!

وعلى منعطف الشارع،

في أقصى المدينة

كان أطفال التواريخ الحزينة

يجمعون الكتب والأخشاب واليتم،

البراويز، وأوتاد الخيام

علّها تصبح متراسًا

يسد الدرب في وجه الظلام

علّها تقلق أفواج الضغينة

ريثما يغسل عينيه السلام

من غبار الحقد والحرب الهجينة!

ومع الكتب، مع الأخشاب واليتم

البراويز وأوتاد الخيام،

أعطت المتراس صمتًا عصبيًا.. دميته

واستعدّت بدواةٍ، قبضته

وغداة انغلت أبواب أمن الفاتحين

كان في المعتقلين

ابن مجهول الإقامة

 

حاشية:

عمرُهُ تسع سنين.