24-نوفمبر-2023
الشاعر الشهيد عبد الرحيم محمود وأعماله الكاملة

الشاعر الشهيد عبد الرحيم محمود وأعماله الكاملة (الترا صوت)

عبد الرحيم محمود كاتب وشاعر فلسطيني من مواليد بلدة عنبتا في قضاء طولكرم عام 1913. يُعد واحدًا من أبرز الشعراء الفلسطينيين الذين قاوموا بقصائدهم الاستعمار البريطاني والعصابات الصهيونية فيما بعد.

لكن محمود لم يكتف بالمقاومة عبر الكتابة فقط، إذ انضم عام 1937 إلى صفوف الثوار خلال الثورة الفلسطينية الكبرى التي اندلعت عام 1936، قبل أن يضطر إلى مغادرة فلسطين إلى دمشق بعد ملاحقة سلطات الاحتلال البريطاني له. ومن دمشق اتجه نحو بغداد، حيث انتسب إلى الكلية العسكرية العراقي عام 1939 – 1940 وتخرّج فيها برتبة ملازم.

شارك محمود في ثورة رشيد عالي الكيلاني عام 1941، واضطر بعد إخفاقها للعودة إلى فلسطين، حيث عمل مدرسًا في "كلية النجاح الوطنية" حتى صدور قرار تقسيم فلسطين بين العرب واليهود عام 1947، حيث انضم حينها إلى "جيش الإنقاذ"، وخاض العديد من المعارك ضد العصابات الصهيونية بصفته قائد سرية في "فوج حطين" ثم مساعدًا لقائد الفوج.

كتب عبد الرحيم محمود قصيدته الشهيرة "الشهيد" رثاءً لصديق له استُشهد خلال الثورة الفلسطينية الكبرى، لكنها جاءت رثاءً لنفسه أيضًا

استُشهد عبد الرحيم محمود في 13 تموز/ يوليو 1948 بعد إصابته بقذيفة عند هجوم "فوج حطين" على مستعمرة "سجيره" اليهودية المجاورة لقرية "الشجرة" العربية في طبريا، ودُفن في مدينة الناصرة.

يُعرف محمود بـ"الشاعر الشهيد". وفي كتابه "الرحلة الثامنة"، قال عنه الكاتب والناقد الفلسطيني جبرا إبراهيم جبرا: "لم يكتف بالكلام عن الشجاعة ومجابهة الموت، كما يفعل معظم الشعراء، بل كان الشاعر الفارس الأول والأكبر في الشعر العربي الحديث. لقد قضى حياته نضالًا مسلحًا من أجل فلسطين".

ويقول جبرا إن محمود قد وحّد في شعره بين نفسه وبين شعبه: "فهو إنما يتحدث عن نفسه إذا تحدّث عن العرب، وهو إنما يتحدث عن العرب إذا تحدّث عن نفسه".

القصيدة المختارة هنا "الشهيد" كتبها محمود قبل استشهاده بأحد عشر عامًا. ومع أنه نظمها رثاءً لصديق له استُشهد خلال الثورة الفلسطينية، إلا أنها جاءت رثاءً لنفسه أيضًا، إذ تنبأ فيها بمقتله على حد تعبير جبرا إبراهيم جبرا.

تمثّل قصائد عبد الرحيم محمود نصوصًا ثابتة المعنى تقريبًا في الذاكرة الجمعية الفلسطينية. ومع أن قراءة النص تتغير مع مرور الزمن، إلا أن المعاني التي تستخلصها القراءات المتعددة تكاد تكون ثابتة، ذلك أن السياق الذي تُستعاد وتُقرأ فيه ثابتٌ بدوره: الاحتلال وجرائمه المستمرة بحق الفلسطينيين الذين يقاومونه ويدافعون عن أرضهم.


الشهيد

سأحملُ روحي على راحتي

وألقي بها في مهاوي الرَّدى

 

فإما حياةٌ تسر الصديق

وإما مماتٌ يُغيظ العدى

 

ونفسُ الشريف لها غايتان

ورودُ المنايا ونيل المنى

 

وما العيشُ؟ لا عِشتُ إن لم أكن

مَخوفَ الجناب حَرامَ الحِمَى

 

إذا قلتُ أصغى لي العالمونَ

ودوَّى مقالي بين الورى

 

لعَمْرُك إني أرى مصرعي

ولكن أغذُّ إليه الخُطى

 

أرى مصرعي دون حقي السليب

ودون بلادي هو المُبتغى

 

يلذُّ لأذني سماع الصليل

ويُبهجُ نفسي مسيل الدما

 

وجسمٌ تجدَّل في الصحصحان

تناوشه جارحاتُ الفلا

 

فمنه نصيب لأسد السماء

ومنه نصيب لأسد الشرى

 

كسا دمه الأرض بالأرجوان

وأثقل بالعطر ريح الصبا

 

وعفَّر منه بهي الجبين

ولكن عُفارًا يزيد البها

 

وبان على شفتيه ابتسامٌ

معانيه هُزءٌ بهذي الدُنا

 

لعمرُك هذا مماتُ الرجال

ومن رام موتًا شريفًا فذا

 

فكيف اصطباري لكيد الحقود

وكيف احتمالي لسوم الأذى

 

أخوفًا وعندي تهون الحياة

وذُلًّا وإني لربُّ الإبا

 

بقلبي سأرمي وجوه العُداة

فقلبي حديدٌ وناري لظى

 

وأحمي حياضي بحدِّ الحسام

فيعلم قومي أنّى الفتى.